ويرى مراقبون أن وقف الحرب في اليمن ليس بيد طرفي الصراع لكنه يخضع لأجندات ومصالح قوى كبرى في العالم، ترى أن استمرار الصراع يحقق أهدافها السياسية والاقتصادية دون الدخول كطرف مباشر في الصراع، هذا ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا منذ بداية الصراعات في المنطقة ازداد في الآونة الأخير مع التطورات في المنطقة.
بعد أشهر من الصراع المباشر بين "أنصار الله" وأمريكا في البحر الأحمر… هل ترغب واشنطن في إشعال الجبهات أم إحلال السلام في اليمن؟
بداية، يقول الدكتور عبد الستار الشميري، رئيس مركز جهود للدراسات في اليمن: "الرؤية الأمريكية منذ العام 2016 بخصوص الحرب في اليمن ومنذ أن تفتقت مبادرة جون كيري آنذاك، كانت تهدف إلى إسكات صوت المدافع في اليمن وبقاء اليمن بهذا الشكل دولة ضعيفة، وتسليم الملف برمته للمملكة العربية السعودية كممسكة بهذا الملف، بما يضمن للأمريكان تدفقات الطاقة في البحر الأحمر وكذلك مكافحة الإرهاب".
الطاقة والإرهاب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "ملف الطاقة والإرهاب هما الملفين الذين تنشغل بهم دائما وزارة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالوضع في اليمن ولا شيء آخر، وهذا ليس من العام 2016، ولكن منذ ثلاث عقود في السياسة الخارجية الأمريكية نحو اليمن".
وتابع الشميري: "كان هذا هو شاغل الأمريكان نحو اليمن طوال العقود الماضية، في اللحظة الراهنة تود الولايات المتحدة الأمريكية لو يتم إضعاف جماعة الحوثي (أنصار الله) داخليا واستنزافها، لأنها باتت تغير رؤيتها وترى فيها خطورة، وأنها ذراع حقيقي لإيران يمكن أن تبتز به الولايات المتحدة في ملفات إيرانية أخرى".
إضعاف "الحوثيين"
وأشار رئيس مركز جهود، إلى أن "واشنطن لا تمانع بل تؤيد أي مواجهة تستنزف الحوثيين وتضعف شوكتهم، لكن لن تبادر هي ذاتها بمثل هذا العمل أو تدعم الشرعية فيما يبدو لي".
ومضى قائلا: "تود الولايات المتحدة أن تبقى أزمة البحر الأحمر على هذه الوتيرة الخفيفة وأن تكون هي التي تمسك بها، وفق قاعدة كيسنجر وزير الخارجية ومهندس السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في السبعينات، ليس بالضرورة أن يكون على الولايات المتحدة الأمريكية إنهاء الصراعات، ولكن إدارتها والتمسك والتحكم بخيوطها"، هذه القاعدة يمكن أن تُسقط حرفيا على الحرب الدائرة في البحر الأحمر".
الخاسر الأكبر
وأكد الشميري أن "أمريكا تحاول الإبقاء على هذه المعركة، لأن فيها مكاسب أخرى للأمريكان، والأمريكان ليسوا الخاسر الأكبر من هذا العمل في البحر الأحمر، بل نجد أن الصين وتليها مصر هما الخاسر الأكبر من هذا الوضع من الناحية الاقتصادية، ثم تأتي دول المنطقة المتشاطئة أيضا في البحر الأحمر".
وأوضح رئيس مركز جهود أن "رؤية الإدارة الأمريكية حتى الآن، أن هذا الخطر خطر يمكن التعامل معه، وهي ترى أنها نجحت خلال الشهرين الماضيين في تخفيف حدة الضربات في البحر الأحمر، وفي ضوء تلك القواعد والخطوط يمكن فهم اتجاهات الرؤية الأمريكية، التي يمكن أن تكون قد تشكلت في هذا العام 2024 والتي تباينت أو تغيرت تغيرا ليس جوهريا لكنه واضح منذ العام 2016".
الرغبة الأمريكية
من جانبه، يقول العميد ثابت حسين، الخبير العسكري اليمني: "إن أمريكا وبريطانيا لا ترغبان في إحلال السلام، بل في إطالة أمد الحرب في اليمن".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "استمرار الحرب يضمن استمرار بيع الأسلحة والذخائر والعتاد العسكري وإخضاع الكل بما فيهم من في الخليج للأجندات التي تخدم مصالح هذه الدول".
وشدد حسين على أنه "على الرغم من الرغبة الأمريكية في الإبقاء على الحرب في اليمن، إلا أن السلام الشامل والعادل مرهون بتخلي الحوثيين (أنصار الله) عن ادعاء الحق الإلهي في حكم الشمال أو الاستيلاء على الجنوب".
وأشار الخبير العسكري إلى أن "ما يجري اليوم في اليمن هو نفس السياسات والاستراتيجيات التي تتبعها القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وحتى فرنسا في التعامل مع النزاعات والصراعات في المنطقة على قاعدة عدم السماح لطرف بالانتصار الكامل أو الهزيمة الكاملة للطرف الآخر، وبمعنى آخر إضعاف جميع الأطراف وأحيانا دعم طرف أو تشجيعه على الطرف الآخر، على شاكلة ما حدث بنتيجة اتفاق استكهولم بشأن الحديدة".
قال المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، في وقت سابق، إن "الوضع الإقليمي يعقّد من إمكانية إحراز تقدم في اليمن".
وأوضح غروندبرغ، في جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، أن "التحديات مستمرة أمام تحقيق السلام في اليمن"، مؤكدًا أن المدنيين في اليمن يواجهون باستمرار ظروفاً خطرة.
وأضاف: "إن جماعة أنصار الله مستمرة بالمعارك والقصف بالمسيّرات"، مؤكدًا "الاستمرار في إجراء تحضيرات لوقف نار شامل في أرجاء البلاد وتسوية عامة، مع العمل على الإفراج عن الأسرى والمعتقلين".
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وعدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "ًأنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة، التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني اليمن للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
وتسيطر جماعة "أنصار الله"، منذ سبتمبر/ أيلول 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمالي اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 مارس 2015، عمليات عسكرية دعماً للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة.
وأودت الحرب الدائرة في اليمن، حتى أواخر 2021، بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ126 مليار دولار، في حين بات 80% من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.