رغم القرارات المتتالية للبنك المركزي في عدن…لماذا ينهار الريال اليمني؟

رغم الإجراءات المتتالية التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن لأجل منع تدهور سعر صرف الريال اليمني، إلا أن التدهور لا يزال مستمرا دون أن تكون هناك أسباب واضحة ومعلنة من الجانب الحكومي.
Sputnik
ما الأسباب التي أدت إلى تلك الحالة المخيفة التي يعيشها اليمن، وهل الانقسامات النقدية والحرب هي من أوصلت البلاد إلى تلك الحالة، أم أن هناك عوامل أخرى تكمن خلف الكواليس؟
بداية، يقول الدكتور محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة في جامعة عدن: "إن القرارات التي أصدرها البنك المركزي في العاصمة عدن هي قرارات عقابية المستهدف منها السلطات الانقلابية في صنعاء التي أجبرت الكثير من المؤسسات العامة والخاصة الإدارية والاقتصادية على عدم نقل مراكزها الرئيسية إلى العاصمة عدن أو حتى ربط أنظمة معلوماتها وبياناتها مع الجهات الرسمية والشرعية في العاصمة عدن".

تداعيات الحرب

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "البنك المركزي في عدن طالب البنوك التجارية بنقل مراكزها وسيرفرات معلوماتها وقاعدة بياناتها إلى العاصمة عدن أو المناطق المحررة، وعدم التعامل مع البنك المركزي في صنعاء بحكم أنه غير شرعي وواقع تحت سلطة مليشيات انقلابية وغير معترف بها دوليا، خصوصا بعد أن بسطت تلك المليشيات يدها على الكثير من هذه المؤسسات العامة والخاصة وحجز أموال وارصدة بعضها".
وتابع الشعيبي: "أما استمرار انهيار أسعار الصرف في العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية، فإن الأمر طبيعي في ظل استمرار الفساد الإداري من قبل العديد من أجهزة ومؤسسات الشرعية، وأيضا تراجع الإيرادات العامة نتيجة لاستمرار إيقاف تصدير النفط الخام، وعدم التزام بعض المحافظات المحررة والمؤسسات الإيرادية بالتوريد إلى البنك المركزي في العاصمة عدن، علاوة على انخفاض النشاط الملاحي في ميناء عدن بعد فتح ميناء الحديدة و إجبار مليشيات الحوثي التجار والمستوردين للسلع والخدمات للمحافظات الشمالية بتحويل بضائعهم إلى ميناء الحديدة، وفي حال مخالفتهم يتم فرض جمارك أخرى عليهم عند إدخال البضائع إلى مناطق سيطرتها".
البنك المركزي اليمني يعلن عن مزاد لبيع 30 مليون دولار

القرارات العقابية

وأشار الشعيبي إلى أن "استمرار مليشيات الحوثي (أنصار الله) في استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي في اليمن، حيث ساهم في ارتفاع تكاليف النقل والشحن إلى الموانئ اليمنية وتكاليف التأمين البحري، وكل ذلك انعكس في ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الأسواق، كما ساهم في تفاقم الأزمة عدم الالتزام بترشيد الإنفاق العام وتخفيف النفقات غير الضرورية، ووقف دفع مرتبات بعض إيراداات الحكومة بالعملات الأجنبية، وغياب أي دعم حقيقي خارجي للبنك المركزي الشرعي بما في ذلك تقديم وديعة دولارية لتغطية العجز الحاصل".
البحرية البريطانية: تلقينا تقريرا عن حادث على بعد 180 ميلا بحريا شرق نشطون في اليمن
وأكد الشعيبي أن "القرارات العقابية التي فرضها مركزي عدن على البنوك والمؤسسات المالية في مناطق سيطرة الحوثي (أنصار الله)انعكست بعض الشيء على الوضع الاقتصادي في المناطق المحررة، خصوصا بعد إعطاء البنك المركزي مدة زمنية للتخلص من الطبعات القديمة من العملة المحلية، حيث خلق هذا القرار تخوف وإرباك في المحافظات الشمالية ما دفع مليشيات الحوثي إلى وقف بيع العملات الأجنبية للمواطنين، ما أدى إلى ضغط الطلب على النقد الأجنبي في المناطق المحررة، خصوصا من قبل القطاع الخاص والمواطنين في الشمال".

الفساد الإداري

ولفت الشعيبي إلى أن "الضغط تزايد على العملات الأجنبية في المناطق الخاضعة للشرعية مع فترة عيد الأضحى، حيث أن الكثير من العمالة والنازحين في الجنوب عادو إلى مناطقهم ومحافظاتهم في الشمال لقضاء أجازة العيد والإجازة الصيفية، وهذا الأمر احتاج منهم شراء ريال سعودي ودولار من السوق قبل السفر إلى الشمال بحكم فرض مليشيات الحوثي منع تداول الطبعات الصغيرة من العملة المحلية في مناطق سيطرتها".
اليمن... احتجاجات في عدن على انقطاع الكهرباء
وقال الشعيبي: "إن استمرار انهيار منظومة الكهرباء والفساد في هذه المؤسسة ساهم في انهيار أسعار الصرف، بسبب إخراج مبالغ ضخمة من النقد الأجنبي من الداخل لدفع قيمة الوقود المستورد، كما أن عدم إعادة تشغيل مصافي عدن أسهم ايضا في هذا الانهيار، حيث أن الجانب الأكبر من النقد الأجنبي الخارج من البلاد لتغطية قيمة مشتريات المشتقات النفطية".

وأكد الشعيبي على "صواب قرارات مركزي عدن وعلى الجميع دعمها، فتلك القرارات كان لابد منها في ظل استمرار مليشيات الحوثي في التعنت وعدم المضي في طريق إحلال السلام وإنهاء الحرب، أو التزامها بتحييد الاقتصاد، واستمرار منع تداول الطبعات الصغيرة من العملة المحلية في مناطق سيطرتها".

إجراءات ضرورية

من جانبه، يقول الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي: "إن هناك الكثير من العوامل التي تسببت في انهيار سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، لذا يجب تلافيها لكي يعود التعافي لسعر الصرف، بأن تعزيز الشفافية والمساءلة الحكومية، وتفعيل سياسات اقتصادية فعالة و استباقية تركز على استقرار سعر الصرف، تأمين المنشآت النفطية وتعزيز البنية التحتية لحمايتها، و تطوير مصادر إيرادات بديلة لتقليل الاعتماد على النفط، بجانب تحسين إدارة المالية العامة وتعزيز الإيرادات الضريبية و تقليل الإنفاق غير الضروري وترشيد النفقات الحكومية".
ماذا الذي سيحدث للريال اليمني خلال الفترة القادمة؟
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "كما يجب تعزيز العلاقات الدولية وتحسين بيئة الاستثمار لجذب المزيد من الدعم المالي والمساعدات، تحسين الأوضاع الأمنية والسياسية لتعزيز الثقة الدولية، ودعم الإنتاج وتشجيع الصناعات المحلية للحد من الاعتماد على الواردات، تحسين البنية التحتية للإنتاج الزراعي والصناعي".

السياسات النقدية

حول زيادة الطلب على العملات الأجنبية ونقص المعروض منها يرى الفودعي أن علاجها يكمن في "تطبيق سياسات نقدية لتقليل الطلب على العملات الأجنبية، تعزيز الثقة بالعملة المحلية من خلال استقرار الاقتصاد، وتعزيز السياسات المالية لتحسين الاحتياطي النقدي، وجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التحويلات المالية من الخارج، بالإضافة إلى تطبيق سياسات نقدية صارمة للتحكم في معدلات التضخم، وتحقيق استقرار سياسي وأمني من خلال حوار وطني شامل، وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد".
خبراء يوضحون سبب انهيار الريال اليمني مجددا أمام الدولار
وأصدر محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد أحمد غالب، في 2 أبريل/ نيسان الماضي 2024، قرارًا رقم (17) لسنة 2024، بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن قد حذر قبلها من تداول عملة معدنية جديدة "فئة مائة ريال يمني" أصدرتها "أنصار الله" في مناطق سيطرتها، واصفًا الخطوة بـ "الفعل التصعيدي الخطير وغير القانوني"، معتبراً أن "هذه العملة تعد مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني".
وأعلن محافظ البنك المركزي اليمني المعين من "أنصار الله"، هاشم إسماعيل، في مؤتمر صحافي في صنعاء نهاية مارس/ آذار الماضي، "إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال في إطار مواجهة مشكلة العملة التالفة"، مشيراً إلى "صك العملة المعدنية وفق أحدث المعايير العالمية"، مؤكداً أن "طرح العملة الجديدة لن يؤثر على أسعار الصرف كونها بديل عن التالف".
وكانت جماعة "أنصار الله" قد أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قراراً بمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة من قبل الحكومة اليمنية في الخارج لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها، بمبرر أنها دون تأمين نقدي، وتنفذ الجماعة منذ ذلك الحين حملات مصادرة لها في مناطق سيطرتها.
وتسبب قرار "أنصار الله" بمنع التعامل بالأوراق النقدية الجديدة، في إيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية في عدن وصنعاء، وارتفاع عمولات تحويل الأموال من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية إلى المناطق الخاضعة للجماعة إلى أكثر من 30% من مبلغ الحوالة المالية، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على معيشة اليمنيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة جراء الصراع الذي يدخل عامه العاشر.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله"، 528 ريالاً للشراء، و530 ريالاً للبيع، في حين يبلغ في عدن 1658 ريالاً شراءً و1668 ريالاً بيعاً.
الأمم المتحدة: اتفاق بين الحكومة اليمنية و"أنصار الله" على إطلاق سراح أسرى
ووسعت إجراءات "أنصار الله"، تجاه الأوراق النقدية الجديدة، انقسام النظام المصرفي في البلاد منذ قرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن، في سبتمبر/ أيلول 2016.
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "ًأنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني البلد العربي للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
مناقشة