ما تأثير نتائج الانتخابات الفرنسية على مستقبل العلاقات مع تونس؟

تصدرت نتائج الانتخابات الفرنسية المبكرة جدول اهتمامات التونسيين في البلد الذي تربطه علاقات تاريخية واقتصادية مع باريس تعود إلى عقود من الزمن.
Sputnik
وعلى عكس ما كان متوقعا، أظهرت نتائج الانتخابات الفرنسية تصدّر تحالف اليسار تحت راية "الجبهة الشعبية الجديدة" بقيادة جان لوك ميلونشون نتائج الجولة الثانية من السباق الانتخابي بحصوله على 182 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية.
فيما جاء التحالف الوسطي تحت راية "معا" بقيادة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ثانيا بـ 168 مقعدا، يليه التجمع الوطني اليميني المتشدد وحلفاؤه بقيادة مارين لوبين بـ 143 مقعدا.
ردود فعل داخلية ودولية على فوز اليسار بالانتخابات البرلمانية في فرنسا
والجدير بالذكر أن نتائج هذه الانتخابات التي شارك فيها أكثر من 49 مليون ناخب فرنسي لم تفرز عن تشكل أي أغلبية حزبية، وهو ما يجعل مهمة تشكيل الحكومة الجديدة مهمة شائكة ومعقدة خاصة في ظل وجود خلافات داخلية في صفوف الجبهة اليسارية.

فأي أثر لهذه المتغيرات على وجود فرنسا في القارة السمراء؟ وهل ترسم هذه النتائج اتجاها جديدا لبوصلة العلاقات الفرنسية التونسية؟

نتائج مفاجئة

ويرى الناشط السياسي طارق الكحلاوي أن نتائج الانتخابات الفرنسية كانت بمثابة المفاجأة، مشيرا إلى أن المشهد السياسي الفرنسي بصدد التغير منذ سنوات في اتجاه كسر التقسيم التقليدي للعائلات السياسية.
وقال الكحلاوي، مصرّحا لـ"سبوتنيك"، إن مظاهر تفكك المشهد السياسي الفرنسي بدأت خاصة بعد صعود الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم، مضيفا: "المشهد الجديد يتميز أساسا بتيارين قصويين اليمين واليسار، وهو ما يعكس قوة الاستقطاب داخل المجتمع الفرنسي الذي أظهر قدرته على المساءلة خاصة في علاقة بملف اندماج الأجانب وفي علاقة أيضا بالجوانب الثقافية".
بعد تصدر "اليسار الفرنسي"... ما مستقبل علاقة فرنسا مع المغرب والجزائر؟
وأوضح الكحلاوي أن عنصر المفاجأة في هذه الانتخابات هو نجاح الجبهة الشعبية الفرنسية الجديدة في إعادة إحياء اليسار بمنطق جديد يتحدى العناوين التاريخية للمشهد الفرنسي السياسي.
وتابع: "من عناوين هذا التحدي، إظهار التحالف السياسي الجديد لموقفه الداعم للقضية الفلسطينية والمعادي لإسرائيل بشكل علني، وتصريحات زعيم ائتلاف اليسار الفرنسي جان لوك ميلونشون الرافضة للمنطق الاستعماري الذي انتهجته فرنسا مع جنوب الصحراء ومع شمال أفريقيا عموما".
ويعتقد الكحلاوي أن المشهد السياسي الجديد في فرنسا ستكون له انعكاساته على التوازنات في المنطقة العربية وعلى تونس التي تربطها علاقات تاريخية واقتصادية بفرنسا.
وأضاف: "ولكن قياس هذا التأثير سيكون مرتبطا بالإجابة عن جملة من الأسئلة، أبرزها، كيف ستتشكل الحكومة الجديدة؟ وهل سيتحالف اليسار مع ماكرون؟ وما هي التنازلات التي ستقدمها الأطراف المختلفة لتشكيل هذه الحكومة؟".

علاقات تحكمها المصلحة الفرنسية

وعلى عكس الكحلاوي يرى الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن نتائج هذه الانتخابات كانت متوقعة، على اعتبار أن اليمين المتطرف لا يمتلك الإمكانات لاكتساح الساحة السياسية في فرنسا.
وأضاف: "ستبقى التوازنات السياسية القديمة قائمة، لأن المجتمع الفرنسي بمختلف مكوناته لا يغيّر أراءه بطريقة انفعالية أو انطباعية، فتوجهاته تتغير وفقا للمصلحة خاصة في ظل وجود مجتمع مدني نشيط وأحزاب ومؤسسات صلبة".
فرنسا تنفي فرض قيود على طلبات التأشيرة للتونسيين
وحول التأثير المحتمل لنتائج الانتخابات الفرنسية على مستقبل العلاقات مع تونس، قال العبيدي إن علاقة فرنسا بتونس لا تحددها نتائج الانتخابات بقدر ما تحددها المصالح.
وأضاف: "لن يكون من مصلحة فرنسا التي تمر بأسوأ فتراتها من الناحية الاقتصادية المجازفة بخسارة حلفائها الاقتصاديين الذين لم يبقَ منهم سوى بعض العلاقات المختزلة في شمال أفريقيا، بعد أن خسرت مكانتها داخل مستعمراتها القديمة في أفريقيا الغربية".
ويرى العبيدي أن فرنسا وأوروبا عموما تتلمس حاليا خطاها نحو وضع أكثر استقرارا في المنطقة، خاصة بعد أن قطعت علاقاتها التجارية والاقتصادية مع روسيا التي كانت تزودها بوسائل الطاقة من نفط وغاز، مشددا على أن "هذه الأخيرة لن تجازف بخسارة دول أخرى في الوقت الراهن".
وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن فرنسا ستكون منشغلة بإعادة ترتيب بيتها الداخلي طيلة الأشهر المقبلة، خاصة وأن الفصل 16 من الدستور الفرنسي يعطي صلاحيات واسعة للرئيس في حالة عدم الاستقرار، وهو ما لمّح إليه إيمانويل ماكرون حين رفض استقالة رئيس الحكومة الحالي غابرييل أتال إلى حين استقرار البلاد.

تراجع للنفوذ الفرنسي في أفريقيا

ويذهب المحلل السياسي باسل الترجمان، في حديثه لـ "سبوتنيك"، إلى القول إن نتائج هذه الانتخابات لن يكون لها تأثير على مستقبل العلاقات مع تونس التي حكمتها دكتاتورية التاريخ والجغرافيا، وفقا لتعبيره.
وأوضح: "حاليا، تواجه فرنسا تهديدا جديا كبيرا في أفريقيا، حيث لم يبقَ لها من علاقات استراتيجية إلا دول شمال أفريقيا".
لماذا أثارت نتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية "الفزع" لدى مسؤولين في إسرائيل؟
وكان الإعلان الأخير للدول الأفريقية الثلاثة بوركينا فاسو ومالي والنيجر توحدها ضمن كونفدرالية دول الساحل بمثابة ضربة قاضية لفرنسا.
ولفت الترجمان إلى أن هذه الخسارة ستدفع فرنسا مرغمة إلى الحفاظ على علاقاتها مع تونس وتأجيل أي خطط مستقبلية لتغيير سياستها الخارجية.
ويرجّح المحلل السياسي باسل الترجمان دخول فرنسا في مرحلة من عدم الاستقرار السياسي بعد انتفاء وجود الأحزاب التقليدية من الساحة، مشيرا إلى أن الانتخابات الأخيرة قلبت موازين القوى.
وأضاف: "حاليا لا توجد في فرنسا قوة سياسية قادرة على الحكم، فنتائج الانتخابات لم تفتح أي طريق واضح لتشكيل حكومة على اعتبار أنها لم تفرج أغلبية سواء بالنسبة للتحالف اليساري أو لليمين المتطرف أو لتحالف ماكرون الوسطي".
وقال الترجمان إن هذه الانتخابات أفرزت خسارة اليمين الليبرالي الفرنسي وسقوط مشروعه الذي يهدد تقاليد الدولة الفرنسية كدولة اجتماعية، وظهور قوي لليمين المتطرف الذي أصحب القوة الثانية في البلاد بما يقارب 150 مقعدا في مجلس النواب الفرنسي، وعودة اليسار الفرنسي بعد سنوات طويلة من التشرذم والسير وراء اليمين والتحالف معه.
مناقشة