ويرى الخبراء أن المغرب لا يمانع تجديد الاتفاق، لكنه يضع بعض الشروط في مقدمتها أن يشمل جميع أراضيه ومنها الصحراء، التي تطالب جبهة "البوليساريو" بـ"استقلالها"، فيما اقترح المغرب "الحكم الذاتي" بشأنها في العام 2007.
وفي يوليو/ تموز 2023، انتهى اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الموقع بين الطرفين العام 2019، بعد أن قضت محكمة العدل الأوروبية، في سبتمبر/ أيلول 2021، بإلغائه لأنه "يشمل مياه الصحراء المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء"، وفق أسباب الحكم.
وكان اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي يسمح للسفن الأوروبية، خصوصا الإسبانية، بالصيد في المياه المغربية مقابل تعويضات مالية.
وبعد انتهاء الاتفاق أعلنت الحكومة الإسبانية أن الصيادين الإسبان سيتمكنون من طلب مساعدة مادية للتعويض عن تراجع نشاطهم، الأمر الذي حمّل الحكومة الإسبانية الكثير من الأعباء على مدار عام حتى الآن.
من ناحيته قال، أحمد نور الدين، مستشار وزير الخارجية المغربي السابق، والخبير في العلاقات الدولية، إن "المغرب يرفض توقيع أي بروتوكول أو اتفاق مع أي طرف، سواء تعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي أو أي دولة أخرى، إذا لم يكن هذا الطرف يعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في الصحراء المغربية".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "المغرب يعتبر نفسه غير معني بعرقلة الاتفاق، لأن المفوضية الأوروبية سبق وأن وقعت على اتفاق الإطار سنة 2019، بالشروط التي تحترم سيادة المغرب على الصحراء. المشكلة تكمن في أنه عند كل مناسبة لتجديد البروتوكول تتولى جمعيات مسجلة في أوروبا، محسوبة على الجزائر، برفع دعاوى أمام المحاكم الأوروبية لإسقاط الاتفاق أو البروتوكول، لأنه حسب زعمها يشمل مناطق متنازع على سيادتها".
وأشار إلى أن "أحكاما سابقة صدرت في عدة محاكم أوروبية، ترفض قبول الدعوى لعدم أهلية الطرف المدّعي".
فيما يتعلق باشتراطات المغرب لتجديد الاتفاق، أوضح نور الدين أنه "من الناحية السياسية، فإن المغرب يريد من الاتحاد الأوروبي إنهاء هذا الابتزاز، الذي يمارس ضده عن طريق المحاكم الأوروبية، علما أنها أصدرت أحكاما سابقة في نفس الموضوع".
ومن الناحية التقنية، أشار إلى أن "المغرب يطالب بتطوير شروط حماية فترات الراحة البيولوجية للأسماك، وبالرفع من قيمة عائداته من هذا الاتفاق حيث انتقلت سنة 2023، إلى أزيد من 200 مليون يورو سنويا، بعد أن كانت لا تتجاوز 40 مليون يورو".
وأردف: "إضافة إلى شروط أخرى تتعلق بمنع اصطياد بعض الأنواع مثل الاخطبوط والقشريات والرخويات، وتحديد مواصفات شبكات الصيد والأدوات المستعملة للصيد، وضرورة تفريغ حمولة السفن في الموانئ المغربية، وغير ذلك من الشروط التي تدخل في إطار حماية ثرواته الطبيعية وضمان استدامتها".
فيما يتعلق بالآثار الاقتصادية، أوضح نور الدين أن "الاتفاق يتحدث عن حوالي 128 سفينة أوروبية تنتمي لعدة دول أوروبية، بما فيها دول من الاتحاد السوفيتي سابقا، مثل لاتفيا وليتوانيا".
وأشار إلى أن "الأسطول الإسباني يشكل النسبة الأكبر بنحو 90 فينة تشغل حوالي 10 آلاف عائلة إسبانية بشكل مباشر أو غير مباشر. تضطر الحكومة الإسبانية لتقديم تعويضات لهذه الأسر طيلة توقف اتفاق الصيد، وهو ما يشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا عليها، وقد يتحول إلى عبء سياسي عند الانتخابات البرلمانية، لذلك تعتبر إسبانيا أهم المدافعين عن الاتفاق".
ولفت إلى أن "الدول الأوربية هي الخاسر الأكبر من عدم تجديد الاتفاق، خاصة أنه لدى المغرب زبائن آخرين، ومنهم روسيا واليابان، البلدان اللذان تربطهما اتفاقيات صيد مع المغرب تشمل أقاليمه الجنوبية منذ عقود".
ويرى أن "ما يحول دون تجديد الاتفاق هو عدم الاستجابة للمعايير التقنية والمالية التي يقترحها المغرب، أو صدور حكم من المحاكم الأوربية ضد الاتفاق بسبب الطعن في السيادة المغربية على الصحراء".
فيما قال الدكتور أوهادي سعيد، الخبير الاقتصادي المغربي، إنه "بعد نهاية اتفاق الصيد البحري بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، زاد غضب منتجي مصائد الأسماك والذين يشكلون أغلبية الأوروبيين المستفيدين من الاتفاقية".
وتابع: "رغم أن الجانبين عبرا عن نيتها تجديد الاتفاقية إلا أن حكم محكمة العدل الأوروبية لسنة 2019، والقاضي ببطلان الاتفاقية التي تشمل الأقاليم الصحراوية المغربية، يعد أحد العراقيل".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "السياسة الخارجية المغربية تجعل من الاعتراف بمغربية الأقاليم الصحراوية الأساس لقيام أي اتفاقيات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، وهو ما يجعل الموقف المغربي ثابتا، حيث أن الخاسر الأكبر من عدم تجديد الاتفاقية هم الصيادين الأوروبيين خاصة الإسبان".
واستطرد قائلا: "في انتظار قرار المحكمة، بعد طلب المفوضية الأوروبية لاستئناف الحكم الأول، وبالنظر إلى تأكيد الجانب المغربي على تغيير فحوى الاتفاقية وذلك بتمكين الجانب المغربي من خلق قيم مضافة بدلا من الإتفاق القائم على الصيد مقابل المال، حيث قدم الاتحاد الأوروبي 208 مليون يورو، خلال السنوات الأربع الأخيرة".
وأضاف سعيد: "غير أن المملكة المغربية تؤكد على ضرورة تفريغ محتويات الأساطيل بالموانئ المغربية، وإمكانية مراقبة محتوياتها والالتزام بالراحة البيولوجية وتحديد نوع التقنيات المستعملة، التي تحترم القوانين المغربية القاضية بحماية البيئة وتجنب إتلاف الثروات السمكية".
ويرى أن "المفوضية الأوروبية واعية بأهمية الاتفاقية مع المغرب، لأن منافسيهم ينتظرون إمكانية تعويضهم وهو ما يجعل المملكة المغربية في موقع قوة".
وشدد على أن"الإتفاق البحري المغربي - الأوروبي سيصل إلى مبتغاه وهو التجديد بعد الأخذ بعين الاعتبار مطالب المملكة خاصة بعد الأخبار المؤكدة، التي تبين أن فرنسا قد اعترفت بمغربية الصحراء، تسابق الدول الأوروبية لتنزيل استثمارات مهمة بالأقاليم الجنوبية المغربية".
وكانت محكمة العدل الأوروبية، في سبتمبر 2021، قد قضت بإلغاء الاتفاق على اعتبار أنه يشمل مياه "الصحراء الغربية"، لكن المفوضية الأوروبية استأنفت الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية، فيما تترقب الأطراف صدور الحكم بعد الاستئناف.