وجاءت تلك الجولة من الحرب الكلامية على خلفية تحذير وجهته تركيا لإسرائيل بأنها يمكن أن تتدخل لإنهاء حرب غزة كما فعلت في ليبيا وقره باغ، وتبعها مطالبة إسرائيل باستبعاد الجيش التركي من حلف شمال الأطلسي "الناتو".
ويسلط ذلك الضوء على وضع الجيش التركي داخل "الناتو" سواء من ناحية القدرات الذاتية للجيش التركي، الذي يصنف في المرتبة رقم 8 عالميا، أو فيما يتعلق بموقع تركيا الاستراتيجي وما توفره من مزايا عسكرية للحلفاء.
أهمية تركيا الاستراتيجية لـ"الناتو"
تمتلك تركيا موقعا استراتيجيا مهما بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وتتحكم في العديد من الممرات المائية.
تسمح اتفاقية "مونترو" الموقعة عام 1936، لتركيا بالتحكم في حركة مرور السفن الحربية من وإلى البحر الأسود عبر ممراتها المائية ويشمل ذلك السفن الأمريكية.
تفرض الاتفاقية على دول البحر الأسود، التي ينتمي بعضها لـ"الناتو" أن تعلم تركيا مقدما عن مرور غواصاتها من المضائق وتجعل عبورها مشروط بالظهور على سطح الماء نهارا.
توجد في تركيا 10 موانئ كبرى و98 مطارا يمكن للحلف أن يستخدمها كمراكز دعم لوجيستي لقواته كما حدث في حرب أفغانستان.
قاعدة "إنجرليك"، قاعدة جوية ومخزن للأسلحة النووية الأمريكية، التي تستخدمها تركيا ضمن برنامج خاص يضم 4 دول أوروبية أخرى هي بلجيكا وهولندا وألمانيا وإيطاليا.
قاعدة "كورجيك" التركية، بها رادار الإنذار المبكر الأمريكي "تي بي واي - 2"، المخصص لرصد الصواريخ الباليستية، وهو جزء مهم من الدرع الصاروخي للحلف.
"كورجيك" والدرع الصاروخي
تمثل تركيا رأس الحربة في الدرع الصاروخي للولايات المتحدة الأمريكية وحلف "الناتو" بسبب وجود رادار الإنذار المبكر الأمريكي "إيه إن/ تي بي واي - 2" على بقاعدة "كورجيك".
ونشر الحلف رادار "إيه إن/ تي بي واي - 2" في تركيا منذ عام 2009، وهو مخصص لتعقب مسار الصواريخ الباليستية في نطاق تغطية الدرع الصاروخي للحلف في أوروبا ويوفر معلومات الرصد اللازمة لتشغيل منظومة "ايجيس" الصاروخية بدقة أكبر مقارنة ببيانات الأقمار الصناعية، لأنه يوفر صورة أكثر وضوحا لـ"سحابة الصاروخ" تمكن الدرع الصاروخي من تدميره.
وفي حال خروج تركيا من الناتو، فإن ذلك يعني فقدان الحلف لأهم وسائل رصد الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تهدد أوروبا وزيادة احتمالات تعرض مدنه لقصف مدمر في وقت الحرب.
وتستخدم تركيا قواعد "الناتو" العسكرية داخل أراضيها كورقة ضغط على الحلف، ويؤكد ذلك تصريحات سابقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لوح فيها بإغلاق القاعدتين العسكريتين "إنجرليك" و"كورجيك".
ضعف الناتو وصعود تركيا
تشير إحصائيات موقع "غلوبال فاير بور" الأمريكي إلى تراجع التصنيف العالمي للعديد من جيوش حلف الناتو في مقابل صعود تصنيف الجيش التركي ليحتل المرتبة الـ8 عالميا والمرتبة رقم 3 بين أضخم جيوش الحلف نفسه، إضافة إلى تصنيف أقوى جيشا في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل تمتلك أهمية كبيرة لجميع دول العالم.
قوة الجيش التركي
يقدر عدد سكان تركيا بنحو 84 مليون نسمة وتمتلك 883 ألف جندي بينهم 355 ألفا قوات عاملة و378 ألفا قوات احتياطية، و150 ألف فرد قوات شبه عسكرية.
ويقدر حجم الإنفاق الدفاعي التركي بـ40 مليار دولار، وتمتلك صناعة دفاعية وطنية ضخمة ومتطورة تشمل منظومات دفاع جوي وصواريخ وطائرات مروحية ومقاتلة، وأعلنت مؤخرا نجاحها في تطوير مقاتلة "قآن"، التي تقول إنها نسخة تركية من طائرة الجيل الخامس "إف - 35"، إضافة إلى كونها واحدة من أقوى دول العالم في تصنيع الطائرات المسيرة العسكرية.
ويتكون عتاد الجيش التركي من 1069 طائرة حربية و2231 دبابة وأكثر من 55 ألف مركبة عسكرية، ونحو 3 آلاف مدفع مقطور و ذاتي الحركة، ونحو 300 راجمة صواريخ، إضافة إلى 186 وحدة بحرية.
طرد تركيا من الناتو
تمثل دعوات طرد تركيا من الناتو وسيلة من وسائل الضغط السياسي التي تستخدمها الدول الغربية لدفع أنقرة نحو تقديم تنازلات في قضايا معينة، وهي دعوات تظهر من حين إلى آخر، لكنها لم تقد إلى إجراءات عملية في أي مرة.
وفي هذه المرة، خرجت دعوات طرد تركيا من الناتو، على لسان وزير خارجية إسرائيل، وهي دولة ليست عضوا في الحلف، وكانت جزءا من حرب كلامية بين أنقرة وتل أبيب.
وبمقارنة فشل دعوات سابقة، خرجت في وقت كان فيه الحلف أكثر قوة من الوقت الحالي، بالدعوات الحالي، يتبين أن تحقيقها غير وارد على أرض الواقع، لأنها تأتي في وقت تشهد فيه تركيا صعودا كبيرا في قدراتها العسكرية وتطورا واسعا في صناعاتها الدفاعية، مقارنة بتراجع قطاعات التصنيع العسكري لدول الناتو، وضعف جيوشها.
ويضاف إلى ذلك، فقدان الناتو لجزء كبير من مخزونات الأسلحة والذخائر بسبب الأزمة الأوكرانية بصورة أثارت الكثير من الشكوك حول مستوى الاستعداد القتالي لجيوشه.
وفي تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك"، قال الخبير العسكري الروسي ميخائيل خودارينوك، إن تركيا لا تخشى تهديدات أي شخص بطردها من حلف الناتو، وتعلم أنها تهديدات فارغة، لأن خروجها سيكون له خسائر سياسية وعسكرية كارثية للحلف.
كما أن تركيا هي الدولة الوحيدة في الحلف، التي حصلت على منظومات الدفاع الصاروخي الروسية الخارقة "إس - 400"، التي تمكنها من تأمين أجواءها بكفاءة عالية ضد جميع أنواع الأهداف الجوية، ما يعني أن قدراتها الدفاعية لن تتأثر بخروجها من الناتو، بينما سيفقد الحلف جزءا كبيرا من قدراتها الدفاعية والهجومية واللوجستية، إذا حدث ذلك.
تاريخ تركيا داخل الناتو
كانت بداية الحلف بـ 12 دولة في الـ 4 من أبريل/ نيسان عام 1949، عندما وقعت على معاهدة حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي عرفت بـ "معاهدة واشنطن"، وبعد 3 سنوات فقط، أصبحت تركيا العضو رقم 14 في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يضم 32 دولة في الوقت الحالي.
موجات توسع الناتو
© Sputnik