انتعشت البورصات العالمية، اليوم الثلاثاء، بعدما سيطر الهلع على الأسواق المالية خلال الـ 24 ساعة الماضية وسط مخاوف من حدوث انكماش اقتصادي في الولايات المتحدة.
وانخفضت المؤشرات الأوروبية الرئيسية بنحو 2.5% في المتوسط، أمس الاثنين، مع اقترابها من منتصف الطريق.
وأظهرت بيانات، أن معدل البطالة في أمريكا قفز إلى أعلى مستوى في 3 سنوات، وسط تباطؤ كبير في عمليات التوظيف، ومخاوف من ركود أكبر اقتصاد في العالم.
وقادت طوكيو، أمس الاثنين، هبوطا حادا في أسواق الأسهم الآسيوية والأوروبية، بعد أن أثارت بيانات الوظائف الأمريكية الضعيفة مخاوف من ركود في أكبر اقتصاد في العالم، وعززت الرهانات على عدة تخفيضات لأسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وسجلت آسيا خسائر كبيرة ؛ إذ انخفض مؤشر "نيكي" في طوكيو بأكثر من 12%، في أسوأ يوم له منذ أزمة فوكوشيما في عام 2011، بينما عانى من أكبر خسارة له على الإطلاق في النقاط، بخسارته 4451.28 نقطة.
حول الأسباب والتداعيات، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش، إن تراكم العديد من الأسباب أدت الى هذا التراجع، بدأت مع المؤشرات الاقتصادية السلبية، والتي لا زالت تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أخرها معدل البطالة، حيث ارتفع 0.2 نقطة مئوية إلى 4.3%.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن العوامل والأسباب أدت إلى تفعيل قاعدة، " Sahm Rule" التي تربط بين بداية الركود ووقت ارتفاع متوسط معدل البطالة المتحرك لثلاثة أشهر، بنصف نقطة مئوية على الأقل فوق أدنى مستوياته على مدى الأشهر الـ 12 ،. كما أثار الانخفاض الحاد في نمو الوظائف خلال شهر تموز، والذي جاء أكثر حدة من المتوقع، مخاوف من أن الفيدرالي الأمريكي يتحرك ببطء شديد لخفض تكاليف الاقتراض بالنسبة للأمريكيين، الأمر الذي يعرضه لخطر الركود الذي كان يحاول تجنبه.
أسباب الاضطرابات
ويرى أن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الحاد تتمثل في:
التضخم ورفع أسعار الفائدة، الذي يؤدي عادة إلى رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، مما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة، ويقلل من السيولة المتاحة للاستثمار، في ظل الحديث اليوم على إمكانية اجتماع الفدرال بنك بشكل طارئ للبدء بعملية خفض الفوائد.
الأمر الأخر يتعلق بالأزمات الاقتصادية،خاصة أن ما صدر عن المؤسسات الدولية من تراجع كبير في المؤشرات الاقتصادية، ولا سيما في معدلات التوظيف والبطالة في الولايات المتحدة الامريكية، خلق الكثير من الخوف من الوصول إلى مرحلة الركود الاقتصادي، فلجأ كبار البعض إلى الخروج من السوق،أو تقليص ملكيته للأسهم ولمؤشرات الأسهم في محفظته التجارية، كما حصل مع "وارن بافيت".
وفق عكوش، يضاف إلى ذلك من أسباب، التوترات الجيوسياسية، خاصة أن يحصل اليوم في الشرق الأوسط، والذي يهدد المنطقة كلها في الوقوع في أزمة سياسية حادة، يمكن أن تؤدي إلى قطع سلاسل التوريد لأكبر شركاء تجاريين في العالم وسينعكس حتما" على أداء الاقتصاد العالمي.
كما أن النزاعات السياسية والجيوسياسية تؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي، وتزيد من عدم اليقين، مما يدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة بدلاً من الاستثمارات عالية المخاطر.
أداء الشركات
يوضح عكوش، أنه تبين من خلال النتائج التي صدرت عن الشركات العالمية، تراجع في أدائها وبشكل كبير، مما يعكس حالة من التضخم في أسعار أسهمها، وكان لا بد من تصحيح أسعار هذه الأسهم لتعكس القيمة الحقيقية لها ، حيث أن أداء الشركات الكبرى المدرجة في مؤشرات الأسهم يؤثر مباشرة على قيمة المؤشر.
يتابع عكوش" هذه العوامل يضاف إليها أسعار الفوائد المرتفة في العالم، والتي لا تساعد على كبح جماح التضخم بشكل صحيح، بل تقويه نتيجة لكلفة الاقتراض المرتفعة، وهي جميعها عوامل -ساعدت اليوم وربما تساعد غدا- على المضي في التراجع ما لم يتم معالجتها بشكل جذري وحقيقي.
ويرى أن تداعيات تداعيات المشهد على الاقتصاد العالمي كبيرة جدا، إذ يمكن أن تؤدي إلى خلق حالة من الهلع والخوف لدى الكثير من المستثمرين، وبالتالي الوصول إلى مرحلة الركود، بل خلق خلل كبير في عمل المصارف العالمية، والتي يمكن أن تؤدي إلى وقف أعمالها، إذا ما تدحرجت الأمور.
ويعتقد أن عتقد المصارف المركزية في العالم ولا سيما الفدرال بنك سيلجأ إلى الإسراع في خفض الفوائد، لتعزيز الاستثمار، وبالتالي خلق فرص عمل إضافية، لدفع الاقتصاد العالمي نحو الهدوء، كما اعتقد بأن الدول الكبرى ستسعى إلى تهدئة ومعالجة المشاكل الجيوسياسية للحفاظ على معدلات نمو مقبولة.
في الإطار قال الدكتور نبيل عادل، الخبير الاقتصادي المغربي، إن ما حدث الأمس هو انخفاض حاد في البورصات، لا يمكن أن اعتباره أزمة، إلا إذا استمر في نفس المنحى لعدة أيام، إن لم يكن عدة أسابيع.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أنه عندما تكون هناك توترات على عدة مستويات جيوسياسية واقتصادية ونقدية، تصبح الأسواق المالية في غاية الحساسية لأي خبر.
وتابع" ربما بالغ المستثمرون في ردة فعلهم على تقارير التشغيل في الولايات المتحدة وانخفاض مؤشر "نيكاي" في اليابان لأسباب موضوعية خاصة بهذا البلد.
واستطرد" لا يمكن الحديث عن التداعيات، إلا في ظل تأكد هذا الانخفاض خلال عدة تداولات، لكن أي أزمة في البورصة تنعكس مباشرة على المستثمرين الذين يخسرون جزءاً من مدخراتهم".
ولفت إلى أنه في ظل تراجع مؤشرات الأسواق المالية، يصبح الولوج إلى التمويل عصيا على الأفراد و الشركات، مما يعمق الأزمة الاقتصادية و يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة أن معظم الشركات خاصة الصغرى لها تمويل ذاتي محدود وتعول في الأسواق المالية بمختلف أقسامها لتمويل استثماراتها و عملياتها اليومية.
سيناريوهات متوقعة
بشأن السيناريوهات المتوقعة، يوضح عادل أن عوامل الأزمة موجودة وتختمر منذ مدة، وأهمها السيولة العملاقة التي تم ضخها منذ سنة 2008، إبان أزمة كورونا والتي غذت الفقاعة المالية التي نشهدها حالياً لشركات فاقت قيمتها السوقية التريليون دولار.
ولفت إلى أن المخاطر السياسية في شوق أوروبا، والمشرق العربي وفي بحر الصين تؤجج حالة عدم اليقين والحساسية المفرطة، التي تعيشها الأسواق المالية.
يضاف إلى ذلك الشكوك حول قدرة البنوك المركزية على تدبير الأزمة الاقتصادية الحالية، والذي يتجلى في تخبط القرارات النقدية الدولية، التي أصبحت تتسم بانعدام الفاعلية وبتعميق حالة الريبة التي تنهش الأسواق وتزيد من عصبيتها.
وكان تقرير أصدرته الولايات المتحدة حول الوظائف الجمعة الماضية، مخيبا للتوقعات، حيث كشف عن نسبة بطالة أعلى مما كان متوقعا وعدد من الوظائف المستحدثة أقل من الأرقام المرتقبة.
وسادت الأسواق حالة من الانهيار والخسائر الضخمة، خشية من أن يكون هذا مؤشرا لتباطؤ اقتصادي كبير في الولايات المتحدة نتيجة السياسة النقدية المعتمدة من الاحتياطي الفيدرالي.
يشار إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد زاد معدلات الفائدة الرئيسية إلى أعلى مستوياتها منذ 20 عاما بهدف كبح الاقتصاد الأمريكي وخفض التضخم إلى 2% بعدما وصل في يونيو/ حزيران 2022 إلى 9,5% بوتيرة سنوية، أعلى مستوياته منذ 40 عاما.
وكانت مؤشرات البورصات قد تراجعت أمس الاثنين في كل الأسواق المالية الكبرى عبر العالم.