ما هي السيناريوهات التي لا تزال متاحة أمام مصر للدفاع عن حقوقها المائية.. وما تداعيات كل سيناريو على المنطقة والقرن الأفريقي.. وهل يشعر المجلس بخطورة الوضع ويتحرك لمنع التصعيد الذي يمثل خطورة كبيرة على الأمن والسلم الدوليين؟
بداية، يقول مدير مركز "الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان" والمسؤول السابق والخبير في مفاوضات سد "النهضة" الإثيوبي، الدكتور أحمد المفتي: "لقد وجّهت مصر من قبل، خطابا مماثلا لمجلس الأمن عقب الملء الأول، ولها سند قانوني قوي جدا جدا. إن إعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2005، ينص صراحة على إلزام إثيوبيا بعدم الملء قبل الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل مع السودان ومصر".
تجارب سابقة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "لقد أخذ مجلس الأمن علما بذلك في المرة السابقة وخاطب إثيوبيا بمضمونه، وأنه لايجوز لها الملء بقرار آحادي، وكذلك فعل الاتحاد الأفريقي، لكن إثيوبيا تجاهلت كل ذلك تماما إلى أن بلغ الملء حاليا أكثر من 60 مليار متر مكعب، ومع هذا لم يتخذ مجلس الأمن أي إجراء في مواجهة إثيوبيا، حتى اليوم".
وتابع المفتي: "وبناء على تلك التجربة السابقة مع مجلس الأمن، لا أعتقد أن مخاطبة مصر للمجلس مجددا سوف تأتي بأي نتيجة، سواء تضامن السودان معها في تلك المخاطبة أو قامت بها منفردة"، وأرى أنها "خطوة سياسية لامتصاص أي تذمر شعبي ليس أكثر"، بحسب قوله.
الخيارات المتاحة
وأشار مدير مركز الخرطوم إلى أن "أمام السودان ومصر، خياران لا ثالث لهما فيما يتعلق بقضية أو أزمة سد النهضة، أولهما، المطالبة بالأرض التي يُقام عليها السد، وهو طلب مستحق بموجب اتفاقية 1902، شريطة أن يكون الطلب جادا بكل ما يحمل ذلك من معنى، بحيث يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، فيجد مجلس الأمن الدولي نفسه مضطرا للتدخل بموجب الفصل السابع، ويلزم إثيوبيا بأحد أمرين، تخفيض الملء إلى حد يقبل به السودان ومصر، والاتفاق معهما على قواعد الملء والتشغيل والمبادئ التوجيهية أو إلزامها بإدارة السد إدارة مشتركة".
وأوضح المفتي أن "الخيار الآخرهو الطلب المباشر من إثيوبيا بما هو مطلوب من مجلس الأمن أن يفعله بموجب الفصل السابع، ولكن من المؤكد أن إثيوبيا لن تستجيب لصوت العقل، ويبقى خيار إجبار مجلس الأمن للتدخل وهو السيناريو الوحيد المتبقي أمام مصر والسودان".
واختتم المفتي، بقوله: "الخيار العملي الذي أفضله هو الإدارة المشتركة الحقيقية وليست الصورية وبحسن نية، لأن من شأن ذلك أن يخلق تكاملا اقتصاديا قويا ومستداما بين الدول الثلاثة. يمكنهم من الاستفادة القصوى من المياه لمصلحة شعوبهم، خاصة وأن مقومات التكامل الاقتصادي بينهم متوفرة".
مجلس الأمن الدولي
من جانبه، يقول خالد محمد علي، مدير وحدة الدراسات الأفريقية بمركز "رع" للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة: "على الرغم من نجاح إثيوبيا في استخدام المفاوضات كجسر للمراوغة وشراء الوقت بغرض الوصول إلى مرحلة استكمال بناء سد النهضة وفرض سياسة الأمر الواقع على دولتي المصب مصر والسودان، وبالرغم من نجاح أديس أبابا في استخدام هذا الأسلوب للوصول إلى مرحلة الملء الخامس، التي بدأت نهاية يوليو/(تموز الماضي)، إلا أنه مازال أمام القاهرة سيناريوهات ثلاثة يمكنها التحرك من خلالها لوضع نهاية لهذا الصراع الذي يهدد بقاء شعبها، خاصة وأن مصر تعتمد على 98 في المئة من احتياجاتها على نهر النيل و85 في المئة من تلك الاحتياجات تأتي من النيل الأزرق، الذي أقامت عليه إثيوبيا سد النهضة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "السيناريوهات المتاحة أمام القاهرة، في هذا التوقيت، تستهدف استصدار قرار دولي يلزم إثيوبيا بعقد اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب، مصر والسودان، وقد بدأت القاهرة بالفعل العودة مرة أخرى لمجلس الأمن عقب القرار الإثيوبي بإغلاق جميع فتحات سد النهضة، ومنع المياه نهائيًا عن مصر والسودان، حيث أرسل وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خطابًا إلى مجلس الأمن تعترض فيه مصر على بدء الملء الخامس دون مشورتها وترفض لجوء إثيوبيا إلى قرار خطير بإغلاق فتحات السد، ومنع المياه عنها، إضافة إلى اعتبار تصريحات رئيس الوزراء آبي أحمد، غير مقبولة".
السيناريوهات المتاحة
وتابع علي: "يعد سيناريو اللجوء مجددا إلى مجلس الأمن أحد أولويات مصر للتعامل مع الأزمة، ولكن يقلل من أهميته لجوء القاهرة إليه من قبل دون تحقيق نتائج ملموسة، وإن كان هذه المرة تستشعر فيها مصر الخطورة بشكل كبير لأنها المرة الأولى في تاريخها التي تمنع فيها المياه من الانسياب في نهر النيل، وهو ما سبب انزعاجًا شديدا لصناع القرار في مصر، كما أن القاهرة تضمن إلى حد كبير تأييد جميع أعضاء مجلس الأمن لحقها المشروع في الحصول على احتياجاتها المائية، على الرغم من التخوف من النفاق الأمريكي المعتاد في مجلس الأمن، لكن المرجح أن القاهرة لن تكتفي بهذا السيناريو ولجوئها إلى سيناريوهات أخرى، ربما تكون مصاحبة وليست تالية له".
أشارمدير وحدة الدراسات الأفريقية إلى أن "السيناريو الثاني والذي رفضته القاهرة منذ بداية الصراع حول سد النهضة العام 2011 ويتمثل في مساعدة حركات التمرد داخل إثيوبيا، وذلك رغبة منها في الوصول إلى اتفاق يضمن مصالح الدول الثلاثة، مصر وإثيوبيا والسودان، وفضلت الاقتصار على الاستمرار في طريق التفاوض دون استخدام أي أوراق ضغط في مواجهة أديس أبابا، وهناك اعتقاد الآن أن إثيوبيا لن تستجيب للمصالح الوجودية المصرية دون أن تتحرك الأخيرة بضغوط تشكل تهديدًا وجوديًا لأديس أبابا".
ولفت علي إلى أن"هناك مطالب من داخل النخب المصرية المتخصصة بضرورة مساعدة الحركات المسلحة الإثيوبية في إقليم تجراي وأمهرة، و أوجادين الصومالي المحتل ضد الحكومة الاتحادية في أديس أبابا عبر إمدادها بالأسلحة والمستشارين، خاصة وأن جميع أوراق الضغط الدبلوماسي والسياسي في ملف التفاوض قد فشلت أمام التعنت الإثيوبي، ويعد هذا السيناريو أحد الأوراق التقليدية التي تستخدمها الدول في النزاعات، وتحقق بها أهدافها أو بعض منها، وقد استغرب المتابعون عدم لجوء صناع القرار في مصر لهذا السيناريو منذ البداية وهو ما أفقد مصر ورقة هامة كان يمكن أن تمثل ضغوطًا حقيقية على أديس أبابا".
وأوضح مدير وحدة الدراسات الأفريقية أن "العمل العسكري هو الخيار الثالث، لكن نجحت إثيوبيا خلال ثلاثة عشر عامًا من مماطلتها بالتفاوض في التقليل من لجوء مصر إلى الخيار العسكري خاصة بعد احتجاز واحد وأربعين مليار متر مكعب في المراحل الأربعة الأولى، اعتزامها احتجاز ثلاثة وعشرين مليار متر مكعب في المرحلة الخامسة التي تنتهي في العاشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، حيث تحول السد إلى قنبلة موقوتة يؤدي تفجيرها إلى إغراق السودان ومعظم محافظات الجنوب المصري، وفي هذا الإطار يُستبعد نهائيًا أن تلجأ مصر إلى ضرب السد، ولكنها فقط تستطيع ضرب جميع المنشآت العسكرية المحيطة به، وتلك الأهداف الحيوية داخل إثيوبيا، نظرًا لتفوقها الجوي المذهل في مواجهة القدرات الجوية الإثيوبية المحدودة".
العمل العسكري
وأكد علي، بالقول: "مع الاستبعاد الكامل لاستهداف جسم السد مباشرة بعملية عسكرية، إلا أن سيناريو ضرب المنشآت العسكرية المجاورة له، يعد هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا للقيام به من قبل القاهرة، نظرًا للتصلب والتعنت الإثيوبي الذي يمكن أن يستمر طويلًا في ظل السيناريوهين السابقين".
وأردف: "مما يعجل بسيناريو ضرب القاهرة للمنشآت العسكرية المجاورة لسد النهضة تلك الرسالة الحادة التي بعثت بها إثيوبيا، بإغلاق جميع الفتحات التي كانت تسمح للمياه الزائدة خلف السد كي تنطلق إلى نهر النيل لتستوفي منها دولتي المصب حاجتهما للمياه، ولا يوجد تبرير هندسي لمثل هذا القرار، وهو مجرد استخدام مفرط لمبدأ السيادة الذي تصر إثيوبيا على تفسيره بما يهدد وجود أكثر من 150 مليون مصري وسوداني يعيشون على مياه النيل".
ووجّهت مصر، أمس الأحد، خطابا إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، حول المرحلة الخامسة من ملء "سد النهضة".
وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في الخطاب: "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقا صريحا لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر/ أيلول 2021".
وتابع منوها بأن "تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلا للدولة المصرية، وتمثّل استمرارا للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها، والمهدد لاستقرار الإقليم، الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها، بدلا من زرع بذور الفتن والاختلافات بين شعوب تربطها وشائج الأخوة والمصير المشترك".
وأوضح الخطاب المصري لمجلس الأمن كذلك أن "انتهاء مسارات المفاوضات بشأن "سد النهضة"، بعد 13 عاما من التفاوض بنوايا مصرية صادقة، جاء بعدما وضح للجميع أن أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور، بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لحل، مع سعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي، والتستر خلف ادعاءات لا أساس لها، أن تلك السياسات تنطلق من حق الشعوب في التنمية".
وأضاف مُشددا على أن "مصر لطالما كانت في طليعة الدول الداعمة للتنمية بدول حوض النيل، وأن التنمية تتحقق للجميع في حالة الالتزام بالممارسات التعاونية المنعكسة في القانون الدولي وعدم الإضرار بالغير وتعزيز الترابط الإقليمي".
كما شدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في خطابه لمجلس الأمن، على أن "السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان، وبالرغم من أن ارتفاع مستوى فيضان النيل في السنوات الأخيرة، وكذلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية، قد أسهما في التعامل مع الآثار السلبية للتصرفات الأحادية لـ"سد النهضة" في السنوات الماضية، إلا أن مصر تظل متابعة عن كثب للتطورات ومستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه".
وختم بيان وزارة الخارجية المصرية، بالإشارة إلى أن "اللجنة العُليا لمياه النيل كانت قد اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، الأسبوع الماضي، وأكدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة".
وواصل البيان أن "اللجنة تناولت كذلك سبل تعزيز التعاون في حوض النيل، على ضوء اقتناع مصر بضرورة تضافر الجهود لاستقطاب التمويل لتنفيذ المشروعات التنموية بدول حوض النيل الشقيقة، وفقا للممارسات التعاونية المتفق عليها دوليا، بما من شأنه تكريس الرخاء والازدهار للجميع، وتجنّب الانجراف لآفاق التوتر وتقاسم الفقر، التي يمكن أن تنتج عن السياسات الإثيوبية غير التعاونية".
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أعلن في لقاء متلفز، بتاريخ 25 أغسطس/ آب الماضي، أن بناء "سد النهضة" الإثيوبي سيكتمل بناؤه بعد موسم الأمطار القادم.
ووفقا لأحمد، فإن "السد يحتوي حاليا على 60 مليار متر مكعب من المياه، ومن المتوقع أن يصل إلى 71 مليارا بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وفقا لصحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية.
كما صرح رئيس الوزراء الإثيوبي، أنه "من المتوقع الانتهاء من غالبية أعمال بناء "سد النهضة" بحلول ديسمبر، مما يسمح بتشغيل ثلاث توربينات إضافية، ليصل إجمالي عدد التوربينات العاملة إلى 7".
وكانت مصر، قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انتهاء مسار التفاوض مع إثيوبيا، حول سد "النهضة" دون نتيجة، مؤكدة الاحتفاظ بحقها للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للضرر.
يشار إلى أن عدم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث (مصر، إثيوبيا، السودان) أدى إلى زيادة التوتر السياسي فيما بينها، وإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، الذي عقد جلستين حول الموضوع، دون اتخاذ قرار بشأنه.
وبدأت إثيوبيا في تشييد سد "النهضة" على نهر النيل الأزرق، عام 2011، بهدف توليد الكهرباء.
وتخشى مصر أن يلحق السد ضررا بحصتها من المياه، والتي تحصل على أغلبها من النيل الأزرق، فيما تتزايد مخاوف السودان من تضرر منشآته المائية، وتناقص حصته من المياه.