بعد الاتفاق العسكري مع الصومال.. ما حدود التصعيد بين مصر وإثيوبيا؟

شهدت العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين مصر والصومال خلال العام الجاري تطورا كبيرا، حيث توجت تلك العلاقات بالتوقيع على اتفاق عسكري وأمني بدأ تنفيذه بالفعل على أرض الواقع، وجاء في الوقت الذي تصاعدت فيه حدة التوتر بين القاهرة وأديس أبابا بشأن سد النهضة.
Sputnik
وترى إثيوبيا أن الاتفاق المصري الصومالي موجه ضدها وأنه يزيد من تعقيد الملفات ومن حدة الصراع في القرن الأفريقي وأن تلك التطورات لن تحل الملفات العالقة، بل سوف تزيد من تعقيداتها.

فما هى التطورات في المشهد الإثيوبي والصومالي والمصري وإلى أين سوف تتجه الأوضاع؟

بداية يقول الدكتور مختار الغباشى، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بمصر: "التصعيد بين مصر وإثيوبيا في الصومال يكشف الضيق المصري الشديد من عدم الوصول إلى اتفاق ملزم مع الجانب الإثيوبي مع دخول الملء الخامس لسد النهضة حيز التنفيذ".

ضغط مصري

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "التحرك المنفرد من الجانب الإثيوبي نحو الملء الخامس، مسألة أدركت منها القاهرة، أن إثيوبيا تسوف وتماطل للسيطرة على هذا الممر المائي (النيل الأزرق)، الذي يشكل شريان الحياة لمصر".
وأوضح غباشي: "أن الجانب الإثيوبي الذي ذهب إلى ما يسمى حاكم أرض الصومال (صوماليلاند) وأبرم معه اتفاقية ضد التوجه المصري، الذي يهدف إلى الحفاظ على استراتيجية الصومال باعتبارها جزءا مهاما جدا لآليات العبور في البحر الأحمر والتحكم في كثير من ممراته".

آليات المواجهة

وأشار نائب رئيس المركز العربي إلى أن "التصعيد بين الجانب المصري والجانب الإثيوبي، بصرف النظر عن تصعيده في الصومال أو آليات المواجهة، لكنه مرتبط أساسا بآليات الضغط على الجانب الإثيوبي للحصول على إقرار صريح منها بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل".
وسط توتر مع إثيوبيا... الصومال يوافق في اجتماع استثنائي على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر
وتابع: "من المعلوم أن معظم إجراءات الملء لسد النهضة التي اتخذتها إثيوبيا كان لها تأثير بالغ على الجانب المصري، لولا وجود السد العالي وبحيرة ناصر، ولا يخفى على أحد أن مزيد من التحكم الإثيوبي في نهر النيل سيكون له تأثير بالغ الخطورة على الجانب المصري مع مرور الوقت".
وقال مختار غباشي: "ما لم نصل إلى اتفاق سيكون هناك شكل من أشكال تصاعد الصراع بين مصر وإثيوبيا خلال الفترة القادمة، وعدم انفجار الأوضاع مرتبط بالتحركات المصرية والإقليمية والدولية".

إجراءات انتقامية

من جانبه يقول رئيس مركز مقديشو للدراسات بالصومال عبد الرحمن إبراهيم عبدي: "لا يبدو أن إثيوبيا تنوي التراجع عن قرارها المتمثل في الحصول على منفذ بحري عبر المياه البحرية الصومالية سواء بالقوة أو بالحيلة، بل تستعر بالغضب بسبب التعاون العسكري والدبلوماسي بين الصومال ومصر على المستوى الرسمي، وتحاول أن تواجه الخطوات التي اتخذتها الصومال بهدوء ورباطة جأش، وإظهار نفسها كمظهر الدولة القوية المهتمة بأمن المنطقة واستقرارها، لكن في ذات الوقت تخطط لإجراءات انتقامية ضد الحكومة الفيدرالية الصومالية، وبوادر ذلك تلوح في الأفق".
وأضاف عبدي، في حديثه لـ"سبوتنيك": "لا يمكن أن تقبل إثيوبيا بسهولة الوجود العسكري المصري في الصومال الذي تراه اليوم واقعا لا مفر منه، وقد حذر وزير خارجيتها تاي أتسكي، قبل يومين في إحاطة إعلامية، الصومال من الإستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده، وجاء تصريح وزير الخارجية الإثيوبي بعد يوم من بيان للخارجية الإثيوبية اعتبرت فيه تقديم مصر مساعدات عسكرية للصومال بأنه يرقى إلى مستوى تدخل خارجي".
الرئيس المصري يجدد رفضه لأي تدخل في شؤون الصومال

الخيارات الإثيوبية

وحول الخيارات التي يمكن أن تلجأ لها إثيوبيا في مواجهة التطورات وعرقلة التعاون الدبلوماسي والعسكري بين الصومال ومصر يقول إبراهيم عبدي: "على الرغم من الصراعات والتوترات الداخلية والثورات المسلحة في إثيوبيا، إلا أن أديس أبابا تعرف الصومال بصورة جيدة، وحدث خلال الثلاثين عاما الماضية تغلغل إثيوبي رهيب في الأروقة السياسية والاجتماعية في الصومال، ولا يزال يمسك النظام الإثيوبي العديد من الملفات التي تقض مضاجع الصوماليين، خاصة وأن الصومال لا يزال يعاني من عدم الاستقرار والحرب الأهلية والكوارث الطبيعية".
وقال رئيس مركز مقديشو: "هناك خيارات محدودة أمام أديس أبابا للتعامل مع الوضع الحالي، منها الخيار الأمني، بأن تقوم بخطوة استباقية وتقرر فجأة سحب قواتها من الصومال اليوم قبل الغد، حيث تتواجد في مناطق استراتيجية بالصومال من بينها ولاية جنوب غرب الصومالية الاستراتيجية وولاية هيرشبيلي، وولاية جوبالاند وإن كان بشكل جزئي".
وأردف: "في حال قررت إثيوبيا سحب قواتها من تلك المناطق، فإنه لا شك أن البديل سيكون تنظيم الشباب، وهذا يشكل ضربة قوية للأمن والاستقرار الهش وتهديد مباشر على العاصمة مقديشو مقر الحكومة الفيدرالية أو تأجيل الانسحاب حتى بداية العام المقبل ومع بدء وصول بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة إلى الصومال التي يتوقع أن تشمل على قوات مصرية وهو ما قد يؤدي لنفس النتائج السابقة".
وأشار عبدي إلى أن الخيار الثاني أمام إثيوبيا هو الخيار السياسي، حيث لا نستبعد أن تلجأ إثيوبيا إلى زعزعة النظام السياسي في الصومال قبل انتهاء العام الحالي وإثارة خلافات سياسية بين القيادات الصومالية في داخل الحكومة الفيدرالية أو بينها وبين قيادات الحكومات الإقليمية لجر البلاد نحو فوضى سياسية عارمة عبر تغيير بوصلة الحكومة الصومالية من الملف الأمني وتنظيم المرحلة الانتقالية لقوة بعثة حفظ السلام الأفريقية إلى الملف السياسي".

البديل الأسوأ

وقال رئيس مركز مقديشو: "إن خيار الفوضى الذي يمكن أن تلجأ له إثيوبيا هو الخيار الأسوأ، فيمكن أن تنصاع إثيوبيا للمطالب الصومالية حول سحب قواتها من الصومال، وتمهد الطريق لمجيئ القوات المصرية ضمن البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي إلى الصومال، لكنها ستقوم بصب الزيت على النار المشتعلة في الصومال دون وجود حقيقي على الأرض".
أما عن الخيارات التي يمكن أن يلجأ لها الصومال في مواجهة تلك التحديات الإثيوبية، فيقول إبراهيم عبدي إن "الصومال أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن يقبل الأمر الواقع والإعتداء الإثيوبي السافر على سيادته ووحدة أراضيه بعد توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إدارة أرض الصومال (صوماليلاند) الانفصالية، أو يواجه إثيوبيا ويدفع ثمن هذه المواجهة، الذي قد يكون باهظا وثقيلا.
وتابع: "لكن لتخفيف وطأة الخيار الثاني يجب على الحكومة أن تقوم بخطوات عاجلة على المستوى الخارجي، بأن تقنع الحكومة المصرية بعدم نشر قواتها في المناطق الحدودية للتأكيد على أن هذه القوات لا تسعى إلى تهديد الأمن القومي الإثيوبي، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات مع الدول الأخرى وكسب التأييد الإقليمي والدولي، وعلى المستوى الداخلي، تشكيل حكومة جديدة ذات قاعدة عريضة".

رؤية إثيوبية

في المقابل، يقول ياسين أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية إن "اتفاقات التعاون بين الدول في مختلف المجالات أمر طبيعي ومهم، لضمن إطار النظرة الاستراتيجية وتعزيز مصالحها، وإن اختلفت في المسار العسكري والأمني قليلا، لكن لم تكن تلك الاتفاقيات بالحدة التي أفرزتها اتفاقية التعاون العسكري بين الصومال ومصر في أغسطس/ آب الماضي، التي أحدثت ضجة وردود فعل لا تزال قائمة، كما أن الاتفاقية تأتي بعد توقيع اتفاق تعاون بين الحكومة الإثيوبية وأرض الصومال مطلع العام الجاري، حيث أن التعاون العسكري الموقع بين القاهرة ومقديشو أشعل صراع غير مرئي بين العرب والأفارقة ويهدد أمن منطقة القرن الأفريقي كما أفصحت عنه الخارجية الإثيوبية في تنبيهات للاتحاد الأفريقي والجهات الفاعلة بهذه المخاطر".
إثيوبيا تتهم الصومال بالتعاون مع جهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة

العرب والأفارقة

وتابع رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: "بات الكل يعلم بأن اتفاق الدفاع الموقع بين مصر والصومال، فتح باب للصراع بين العرب والأفارقة بعد أن بررت القاهرة أن خطوتها تأتي دفاعا وحماية للمصالح العربية المتمثلة في حماية الصومال الذي يواجه منذ أكثر من عقدين ذات التحديات الأمنية التي تتحدث عنها القاهرة اليوم، كما أدى الاتفاق إلى تفاقم الوضع الهش بالفعل في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما أقلق إثيوبيا بشكل خاص، ليس لأنه يأتي في محيطها وإنما كونها دولة ذات حضور وظلت تعمل في حماية المنطقة".
وأشار أحمد إلى أن "الجدية المصرية التي تتمثل في سرعة وصول طائراتها العسكرية إلى مقديشو كبداية للاتفاق الموقع بين البلدين، ما هو إلا نظرة استراتيجية من جانب مصر لكسب النفوذ في نزاعها المستمر مع إثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي، وهي حسابات مصرية تسعى من خلالها للاستفادة من الصومال والهيمنة على النيل، والكل بات يعرف أيضا أن العلاقات العسكرية بين مصر والصومال هي أكثر من مجرد استجابة لمخاوف الأمن الإقليمي، وإنها خطوة مصرية محسوبة لممارسة الضغط على إثيوبيا في نزاع النيل، وهى نوايا معروفة ولا تحتاج إلى تبريرات".
وتابع ياسين أحمد، : "اتفاق الدفاع بين مصر والصومال تطورا له ما بعده في الجغرافيا السياسية لمنطقة القرن الأفريقي، وله آثار بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي، وبينما قد تنظر مصر إلى التحالف باعتباره إجراءً استراتيجيًا مضادًا لسد النهضة الإثيوبي، فإن إثيوبيا ترى أن هذا الاتفاق يخاطر بزعزعة استقرار المنطقة وتقويض مبادئ القانون الدولي، وخاصة تلك المتعلقة بسيادة الدولة والاستخدام العادل للموارد المشتركة".
ولفت رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية إلى أن "الحكومة الإثيوبية أشارت بوضوح إلى أن التحاف المصري الصومالي قد يقوض التقدم المُحرز في استقرار الصومال، وقد يؤدي إلى زيادة التوترات بين إثيوبيا والصومال، وهما دولتان تربطهما علاقات تاريخية ومصالح مشتركة، وإن تورط مصر في هذه البيئة التي لا تعرف تفاصيلها كما تعرفها إثيوبيا، قد يؤدي إلى صراع أوسع نطاقًا مع عواقب وخيمة محتملة على المنطقة".
وزير الخارجية الإثيوبي: نطالب الصومال بوقف تحركاته مع جهات تستهدف مصالح إثيوبيا
وفي يناير/ كانون الأول الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن الصومال له الحق في الدعم الدفاعي في إطار ميثاق الجامعة العربية، مؤكدا رفض القاهرة لاتفاق أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال.
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلن الصومال موافقته رسميا على اتفاقية دفاع مشترك مع مصر، وفي أغسطس/آب الماضي، قال وزير الخارجية الصومالي أحمد فقي، إن الاتفاقية تمكن القوات المسلحة الصومالية من حماية سيادتها بفاعلية أكبر.
ويتزامن ذلك مع تعاون متزايد مع تركيا، التي وافق برلمانها في يوليو/ تموز الماضي، على إرسال قوات عسكرية إلى الصومال في مهمة تستمر عامين ضمن اتفاقية التعاون الدفاعي بين البلدين، التي تمكن الجيش الصومالي من مواجهة التهديدات المختلفة.
وجاءت اتفاقية التعاون الدفاعي التي وقعها الصومال مع كل من مصر وتركيا، بعد توتر علاقاته مع إثيوبيا بسبب إقليم أرض الصومال الانفصالي.
ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، وقّعت إثيوبيا اتفاقا مع الإقليم، يمنحها فرصة الوصول إلى البحر الأحمر، دون الرجوع إلى مقديشو، كما يمنح أديس أبابا ميناء وقاعدة عسكرية لمدة 50 عاما، مقابل اعترافها رسميا بإقليم "أرض الصومال" كجمهورية مستقلة عن الصومال، وهو الأمر الذي وصفته مقديشو بـ"الانتهاك غير قانوني".
ويصنف الجيش الصومالي في المرتبة رقم 142 بين أضخم 145 جيشا في العالم ورقم 38 بين أقوى الجيوش الأفريقية، وفقا لإحصائيات موقع "غلوبال فاير بور" الأمريكي لعام 2024، بينما يصنف الجيش الإثيوبي في المرتبة رقم 49 عالميا ورقم 5 أفريقيا.
بعد الدعم التركي والمصري.. معلومات عن الجيش الصومالي
ويظهر هذا التصنيف وجود فجوة كبيرة بين الجيشين فيما يتعلق بقدرات كل منهما، وهو جعل مقديشو تلجأ لتوقيع اتفاقيات دفاعية مع كل من مصر وتركيا، كما حدث بالفعل خلال الأشهر الماضية.
يذكر أن إقليم أرض الصومال نال استقلاله عن بريطانيا في الـ26 من يونيو/ حزيران 1960، وفي 1 يوليو/ تموز من العام نفسه حصل الصومال على استقلاله من إيطاليا، وفي اليوم نفسه شكل الإقليمان اتحادا جديدا هو جمهورية الصومال.
ويشهد الصومال صراعا مع إقليم "أرض الصومال" الانفصالي يرجع تاريخه إلى عام 1982 عندما اندلعت المواجهات المسلحة في الإقليم ضد الرئيس محمد سياد بري، وتحولت إلى حرب أهلية واسعة تركزت في أرض الصومال.
ورغم سقوط نظام الحكم العسكري في عام 1991، إلا أن الصراع بين الصومال وإقليم "أرض الصومال" الانفصالي ظل قائما رغم وجود عدة محاولات للحل.
مناقشة