في ليبيا... أهوال لا توصف

عام على إعصار "دانيال"... لم ينس الليبيون تلك الكارثة التي حلت بهم

مرّ عام على فاجعة إعصار "دانيال"، الذي اجتاح مدنًا ومناطق شرقي ليبيا، في 11 من سبتمبر/ أيلول 2023، حين استيقظت مدينة درنة الليبية على كارثة راح ضحيتها الآلاف من الأهالي. حزن كبير عاشته ليبيا في تلك الأيام على كارثة وصفت بـ"المروعة" هدمت الجسور والمنازل وقتلت عائلات بكاملها.
Sputnik
ولا تزال تفاصيل إعصار "دانيال" في درنة، تجري في ذاكرة كل ليبي وكل ساكني مدينة درنة تحديدا، في ليلة لا تنسى ولن تنسى، فلقد أخذ "دانيال" كل غالٍ ونفيس.
في السياق، قال المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، إن "ما حدث في درنة، قبل عام، كان كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونتذكر الكارثة قبل عام كيف اجتاحت المدينة وسببت كارثة كبيرة فقد من خلالها الكثير من الأهل والأصحاب، وبالرغم من أن ليبيا جغرافيا لا تعرف بمثل هذه الكوارث والأعاصير إلا أن "دانيال" كان كارثة كبيرة".
أهالي درنة الناجين من إعصار "دانيال" يستأنفون صيانة بيوتهم... صور وفيديو
وتابع العبدلي، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "كان يمكن تفادي هذا الضرر من خلال صيانة السدود، ومنع الأهالي من البناء في الأودية وتوفير مساكن لهم بعيد عن خطر السيول ومجاري المياه، وكل ذلك يقع تحت مسؤولية الدولة التي تتحمل المسؤولية الكاملة في عدم صيانتها السدود وعدم متابعة الشركات والعطاءات".
وأوضح أنه "رغم أن الجهات القضائية قد حكمت على من تسببوا بذلك، ولكن كل ذلك لا يكفي بل يجب القضاء على الفساد الإداري والمالي ومحاسبة كل يعبث بالأموال ويسرق أموال البنية التحتية وترك البلاد في هذا الحال".
وأشار إلى أن "مدينة درنة الآن تنفض غبار الكارثة وتمسح دموعها، وأصبحت هناك مشاريع للإعمار يقودها صندوق إعادة الإعمار والحكومة الليبية، والجميع يحاول إعادة المدينة لوضع أفضل مما كانت عليه".

تقصير دولي

وأردف العبدلي: "تعاضد الليبيون في هذه الكارثة ووقفوا وقفة رجل واحد في المساعدات والإغاثة، والعالم لم يترك ليبيا في بداية الكارثة، ولكن تظل دول العالم الغربي مقصرة في إعادة الإعمار ولم يكن هناك دعم حقيقي بالمال وغيره، بحسب تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن انهيار السد في درنة سبب كارثة مناخية تحتاج مليار وثمانمائة مليون دولار لإعادة إعمار المدينة".
شاهد عيان يروي لـ"سبوتنيك" كيف تضررت منطقة الجبل الأخضر الليبية بعد إعصار دانيال.. فيديو وصور
وتابع العبدلي: "يجب على الدولة لا تعتمد على المؤسسات الدولية أو الأوروبية، لأن ليبيا كدولة غنية يجب أن تبنى مدن ذات بنية تحتية ممتازة مع تلافي أخطاء الماضي، وابعاد الناس عن السكن في الأودية وإيقاف أي بناء عشوائي، وأن يكون كل شيء منظم في المدينة، وأن يحاسب كل من سبب أذى للمواطنين الليبيين وأن تكون عقوبة المتورطين في قضايا الفساد من أشد أنواع العقاب".

إعصار مدمر

من جانبه، قال الأكاديمي المتخصص في القانون الخاص راقي المسماري، لـ"سبوتنيك"، إن "الجميع أدركوا ما حدث في مدينة درنة عندما ما مرت العاصفة المدارية المتوسطية على جنوب البحر الأبيض المتوسط، رغم التحذيرات من هذه العاصفة التي سميت "دانيال"، التي مرت على مناطق ومدن وسط وشرق ليبيا، حيث صبت أمطار غزيرة على جنوب مدينة درنة تحديدا حيث تجمعت المياه بكثرة في حوض جنوب مدينة درنة، وصلت قوة انغمار المياه الى 456 ملم، حيث كانت هذه الكميات غير مسبوقة على مستوى مناطق شمال أفريقيا والشرق الأوسط".

وأضاف: "تجمعت المياه في سدود المدينة السدين اللذان كانا مهترئين تماما وبحاجة إلى صيانته مستعجلة، انفجر السد الأول على تمام الساعة الثانية صباحا بتاريخ 11 سبتمبر 2023، بعده بساعة انفجر السد الثاني، السد الأول قدرت كمية المياه المجمعة به فيه بـ ثلاث مليون متر مكعب، والثاني وهو الأكبر والذي يعرف بسد أبو منصور كانت الكمية فيه تقدر بـأكثر من 22 مليون متر مكعب".

فشل ذريع

واعتبر الأكاديمي الليبي أن "الفشل كان فشل الدولة الليبية التي لم تعمل على بناء سدود ملائمة لطبيعة المنطقة الجغرافية، لأن الوادي كان عبارة عن منحدر حاد وعميق جداً، وقال اجتاحت المياه المدينة مخلفة عدد كبير من القتلى وصل عدد الوفيات فيها إلى أكثر من 10 آلاف شهيد بإذن الله، في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، أي أن 10 في المئة من سكانها رحلوا مع هذا الإعصار، 4000 فقط من تم العثور عليهم ودفنهم أما الباقين كانوا في عداد المفقودين".
في ليبيا... أهوال لا توصف
تقارير: درنة الليبية مهددة بتلوث مياه الشرب بعد إعصار "دانيال"
وقال المسماري إن "هذه السدود أنشئت في عام 1973، وتركت بدون أي صيانة حقيقية على الرغم من التنديد من ذوي الاختصاص من انهيار هذه السدود، حيث كان هناك عقد في عام 2009 بين الهيئة العامة السدود والموارد المائية مع جهاز تطوير المراكز الإدارية الذي تعاقد مع شركة تركية بقيمة 40 مليون في عام 2011، ورحلت الشركة بعد ثورة فبراير لعدم استتباب الأمن في ليبيا".
وحمّل المسماري المسؤولية على "أحداث فبراير بالدرجة الأولى، التي تسببت في هروب الشركات الأجنبية العاملة في الدولة، بالإضافة إلى عدم صيانة السدين وإنشاء سد ثالث، في 2020. خاطبت الهيئة العامة للسدود الغرفة الأمنية في درنة في مدى إمكانية حماية الشركة الأجنبية لغرض إتمام صيانة السدود، لأسباب فروقات في الأسعار حسب العقود القديمة طلبت الشركة تعديل قيمة العقد من جديد، تعطل المشروع حتى حدثت الكارثة".
وأضاف أنه "كما تقع المسؤولية على فشل الدولة الليبية والبيروقراطية رجعية التشريعات والفساد وعدم مرونة المسؤولين والإهمال والتقصير وعدم الاهتمام بأرواح المواطنين، كل هؤلاء صدر في حقهم حكم مبدئي من محكمة استئناف درنة حكمت المحكمة في عدد 16 شخص، وهم الآن ينالوا جزاءهم".
وأوضح بأن مدينة درنة تحظى الآن باهتمام كبير من القوات المسلحة الليبية من دعم ومساعدة منذ بداية الكارثة، بالإضافة إلى دور الحكومة الليبية التي لم تقصر في دعم الناجين من صرف مبالغ مالية ومساعدات لهم.
ولفت إلى أن "الحكومة دأبت عن طريق صندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن المتضررة، حيث تشهد المدينة حالة كبيرة من البناء والتعمير الغير مسبوق، فلقد تطورت المدينة بشكل كبير من استكمال المركب الجامعي بالإضافة لعدد 2000 وحدة سكنية وصيانة عدد كبير من الوحدات السكنية، كما تم إنشاء عدد خمس كباري التي تربط شرق المدينة بغربها، كما تشهد شوارع المدينة حالة كبيرة من التطور، بعثت الحياة في مدينة درنة من جديد بعد أن اصيب أهل المدينة بالكثير من الإحباط ولكن تغير كل ذلك مع صندوق الإعمار الذي أعاد الأمل للمدينة ولأهلها".
مناقشة