لماذا استعجلت إسرائيل هجوم الـ"بيجر"؟

أكد المحلل السياسي وسام حبيب، أنه "بعد الموجة الثانية من تفجيرات الأجهزة اللاسلكية في لبنان، خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك قبل أوان حلول المواجهة الكبرى، التي تعتمد فيها الدول على ضرب البنى التحتية، والتي تشمل الاتصالات ومحطات الكهرباء والمرافق الصحية والمؤسسات والمطارات، عبر تعطيلها في هجمات سيبرانية".
Sputnik
وتوقع حبيب، في حديث خاص لـ"سبوتنيك"، أن "استعجال إسرائيل لرمي ورقة الـ"بيجر" يعكس أمرين، أولهما أن ثمة تخبطًا متزايدًا على الجبهة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بسبب الفشل الذريع في تحقيق الأهداف المعلنة في غزة، دفع نتنياهو إلى محاولة يائسة لتخميد صدى هذا الفشل بعيدًا نحو جبهات أخرى".
نصر الله بعد "تفجيرات البيجر": تلقينا ضربة غير مسبوقة وسنتجاوزها برؤوس مرفوعة
وأضاف حبيب: "ثانيهما أن فشل قدرة إسرائيل على فتح هذه الجبهة الجديدة في جنوب لبنان دفعها للاكتفاء بما تراه عقابًا إجراميًا يهدئ الضغط السياسي، الذي يشكله المستوطنون الفارّون من الشمال".

ورقة في غير أوانها أم تمهيد للحرب؟

وقال حبيب: "قبيل ساعات من التفجير، روّج الإعلام الإسرائيلي أن الجيش نقل الزخم العسكري من غزة إلى جبهة الشمال، وأن الـ"كابينت" يتحضر لإقرار خطة لبدء عملية واسعة في لبنان، ومن ثم حدث التفجير"، متسائلاً: "لماذا إذن لم تجتاح إسرائيل لبنان؟ فما حصل أن الاستعصاء في جبهة الجنوب حتّم على إسرائيل استخدام ورقة في غير أوانها! وهو ما أفرغ العملية من مضامينها".
طائرات حربية إسرائيلية تشن غارات مكثفة على القطاع الشرقي من جنوب لبنان
وأوضح الكاتب السياسي أن "إسرائيل، في هجماتها الإلكترونية الأخيرة، نفذت ما تفعله الجيوش قبيل ساعات من بدء الحرب، فاستهداف الاتصالات هو للتغطية ولتسهيل مهمة الاجتياح، وقطع التواصل بين المقاتلين".
وأشار إلى أن "أجهزة الـ"بيجر"، التي تم تفجيرها ليست بحوزة "حزب الله" بهذا الشكل السهل كما يتم تصويره عبر ماكينات الإعلام الإسرائيلية".
ولفت حبيب إلى أنه "من المتوقع أن إسرائيل دفعت بهذه الورقة مبكراً، لأسباب مباشرة أهمها أن أفرادًا من الحزب اكتشفوا اختراقًا سيبرانيًا لأجهزة الاتصال، وفق ما كشف عنه الإعلام الإسرائيلي، وهذه الفرضية ترجح أن إسرائيل استخدمت خيارًا في غير أوانه، ما استدعى تنفيذًا مستعجلًا لخيار سيبراني من بين الخيارات القليلة، التي تمتلكها إسرائيل في حال وقوع الحرب".
وأردف: "بالتالي تحوّل هذا الخيار المستعجل من الجانب التكتيكي إلى الاستعراضي الدموي، وفق ما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بقولها إنه إنجاز لا يندرج في التكتيك أو الاستراتيجيا، هو فقط أظهر أنها دولة منبوذة ومشوهة ودموية".

المنظومة لا تقتصر على الـ"بيجر"

وبيّن الكاتب السياسي أن "جهاز الـ"بيجر" كما هو معروف، يمتلكه اللبنانيون منذ التسعينيات ومتوفر بكثرة في محال أجهزة الخليوي، وحتى إنه بسعر تفضيلي وليس مخصصًا لعناصر الحزب، إنما يستخدمه المقاتلون في مواقعهم المتقدمة لإرسال معلومات بسيطة تستخدم للتحرك من نقطة إلى أخرى، وهذا لا يندرج كما يتم تصويره بأن القادة والنخبة يتواصلون من خلاله".
الأمين العام للأمم المتحدة: تفجير أجهزة "بيجر" في لبنان يمهد للتصعيد العسكري في المنطقة
وأشار حبيب إلى أنه "من التسخيف إظهار تشكيل عسكري ضخم كـ"حزب الله" أن اتصالاته تقتصر على تلك الأجهزة، وخاصة أن لديه شبكة اتصالات أرضية في لبنان يتواصل من خلالها، وبالتالي، خسرت إسرائيل مفاعيل هذا الهجوم السيبراني اليتيم لديها، وفق التقديرات، فلماذا لم تستخدمه في حرب تموز (يوليو) 2006، ولماذا استخدمته اليوم في غير أوانه؟".

"الزخم وتثخين للكباش"

وأضاف حبيب أن "شدة الدموية التي رافقت التفجير، حيث قُتل العشرات وجُرح آلاف اللبنانيين، تظهر أن الاستهداف جاء عبر موجتين ولفئتين من المواطنين تحملان نفس التردد الراديوي القصير الذي يعمل فيه الـ"بيجر"، لكن توزيع العملية عبر يومين كان لإعطاء زخم وتثخينا للكباش".
وأوضح أن "ما حدث يندرج ضمن ما تسميه إسرائيل عملية مركبة مقابل رد واحد من الخصم، لكن بالتأكيد فوتت عليها فرصة استخدامه في المواجهة الكبرى، فالدولة اللبنانية وجسم الحزب سيقومان بمراجعة عميقة لمسار الأحداث في المنطقة".
خبير في الحوكمة الرقمية لـ "سبوتنيك": أجهزة "البيجر" ربما كانت قد فخخت
وكان عدد كبير جدا من أجهزة الـ"بيجر" قد انفجر في أجزاء مختلفة من لبنان، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وأصيب ما يصل إلى أكثر من 3 آلاف شخص، وتوفي 37 آخرين، ولم يعرف بعد سبب التفجير المتزامن لآلاف الأجهزة، واتهم "حزب الله" والسلطات اللبنانية "إسرائيل في الحادث".
يأتي ذلك فيما يتواصل الاستهداف المتبادل جنوبي لبنان، بين "حزب الله" من جهة والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث يتبادل الجانبان القصف عبر الحدود بشكل شبه يومي.
إلا أن حدة التوترات تصاعدت، في الآونة الأخيرة، إلى حد كبير متزامنة مع تهديدات إسرائيلية بشن هجوم موسّع على الجبهة الشمالية مع لبنان.
وتتزايد المخاوف عالميا من نشوب حرب بين إسرائيل و"حزب الله"، تتحول إلى صراع إقليمي أوسع يجر دولا أخرى في المنطقة.
مناقشة