ما العراقيل التي تقف في طريق الدعوات الدولية لوقف الحرب في السودان؟

رغم الترحيب من جانب طرفي الحرب في السودان بدعوى التفاوض التي أطلقها الرئيس الأمريكي جوبايدن، إلا أن الحرب الدائرة منذ أكثر من 15 شهرا أحدثت الكثير من التحولات والانقسامات والعداءات على أرض الواقع، ما قد يجعل عملية التفاوض أكثر تعقيدا وربما تحتاج إلى وقت كبير من أجل التمهيد لها.
Sputnik
فما العقبات التي تقف في طريق دعوة بايدن الجيش السوداني والدعم السريع للتفاوض ووقف الحرب، وهل ترحيب طرفي الصراع والقوى الإقليمية والدولية بتلك الدعوة يعد بداية للحل أم أن الواقع أكثر تعقيدا على الأرض من الدعوات الدولية التي ربما لا تعرف حقيقة ما يدور في السودان وخطورة الأزمة المجتمعية التي نتجت عن الصراع، فلو أن السودان خاض حربا لسنوات ضد قوة خارجية لكان من السهل وقف تلك الحرب والجلوس للتفاوض، فإلى أي مدى يمكن أن تنجح دعوة بايدن؟
بداية يقول وليد أبو زيد، المحلل السياسي السوداني: "إن الإدارة الأمريكية لم تقدم خارطة طريق متكاملة لحل الأزمة السودانية، وهي متوقفة عند محطة الدعوة للجلوس لأجل التفاوض، ومن الواضح تماما أن هذه المحطة قد تجاوزتها تعقيدات الحرب منذ فشل تنفيذ مخرجات منبر جدة في مايو/أيار 2023".
قائد الدعم السريع في السودان: الحرب لم تكن خيارا لنا ونجدد التزامنا بمفاوضات وقف إطلاق النار

تعقيدات المشهد

وأضاف أبو زيد في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن الحل في السودان يكمن في تغيير منهجية التفاوض من تكتيك تقديم الدعوات إلى تكتيك تقديم مقترحات للطرفين حول الحل الشامل".
وتابع: "كل العالم يعرف أن هذه الأزمة ذهبت بالسودانيين وممسكات وحدتهم إلى أماكن مجهولة لا نعرف كيف نستعيد شعبنا منها، ولذلك فإن مفهوم المناشدة لإيقاف الحرب، يجب أن يقدم حلولا مرضية إلى حد ما للطرفين، وإلا فلن يتوقف طرف عن الدفاع عن وجوده، لأن هذه المعركة تحولت إلى معركة بقاء أو فناء بالنسبة للدعم السريع و من يدعمه داخليا وأيضا بالنسبة الجيش السوداني و من يدعمه داخليا".
وأشار أبو زيد إلى أن "المؤسف في تلك الأزمة أن القبائل السودانية تم إجبارها على الاصطفاف حسب إثنياتها لمدى كبير ومنظور كل منهما مع أحد الطرفين في ضربة موجعة للأمة السودانية".
البرهان يرحب ببيان بايدن ويؤكد التزام حكومة السودان بإنهاء الصراع

مستقبل المتحاربين

وأردف المحلل السياسي "إن ما يهدد أي دعوات و أي ترحيب بها من قبل الطرفين، هو الحديث المفقود عن مستقبل قيادات الطرفين الذين تلطخت أياديهم بدماء هذا الشعب بصورة غير مسبوقة في تاريخ بلادنا".
وتوقع أبو زيد "أنه في ظل غياب تقديم رؤية تتضمن مناقشة مستقبل قوات الدعم السريع المنتشرة بصورة أكبر من القوات المسلحة، فإن أي دعوات لن تكون مقنعة لقيادة الدعم السريع و من يدعمه داخليا سواء دعم إثني أو دعم سياسي، وأن تكون أي رؤية جديدة قد قتلت بحثا من جميع الفاعلين خارجيا وداخليا و يذهب الجيش للتفاوض حولها وهو مستعد لتنفيذها، وإلا فلن يذهب الجيش كما فعل بجنيف".
الحركة الشعبية لتحرير السودان لـ"سبوتنيك":حكومة الخرطوم تشك في مصداقية الدعوات الأمريكية لوقف الحرب

الحركة الإسلامية

ويرى أبو زيد أن "الأمر والنقاش حول أي رؤية للحل الشامل ووقف الحرب يجب أن تناقش أيضا مستقبل كل الأطراف الفاعلة في المشهد ومن بينها الحركة الإسلامية و وضعيتها الشاذة، و هي تلتف حول مؤسسات الدولة السودانية كالأفعى و تطل بأنيابها من هرم هذه المؤسسات (جيش شرطة جهاز مخابرات و خدمة مدنية في كل المستويات)، وإذا لم تُقدم رؤية تحمل حل حاسم لهذا الالتفاف حول جسد الدولة متمثلا في مؤسساتها، فإن الدعم السريع و من يدعمونه لن يوافقوا على أي مبادرة يمكن طرحها من الولايات المتحدة الأمريكية".
وأكد المحلل السياسي أن "إدارة الرئيس الأمريكي بايدن غير قادرة على ردع داعمي الدعم السريع دوليا كما يظن البعض أنها قادرة ولكن ليس لديها الرغبة، الحقيقة أن أمريكا أفصحت عن عجزها في لجم جموح تدفق المساعدات العسكرية للدعم السريع نحو الحدود الغربية لجمهورية السودان، مشيرا إلى أن ما ينقص منبر جدة هو الجرأة والقوة في طرح القضايا للطرفين وتقديم حلول لهما".
المحكمة الجنائية الدولية: سنحقق مع من يصدر الأوامر في القوات السودانية و"الدعم السريع"

الصورة قاتمة

وقال أبو زيد: "أعتقد أن الدعم السريع يتعرض لضغط داخلي و خارجي أقل من الجيش، فهو غير مُطالب بإفناء القوات المسلحة، و لكن فقط جعل محور مطالبهُ تتلخص في كسر شوكة الحركة الإسلامية، في الوقت الذي استبعدت فيه القوات المسلحة المبالغة في الوعود بالقضاء على مؤسسة الدعم السريع قيادة و جندا، و هذا ما أثبتت الأيام أنه من المستحيل حدوثه رغم تكرار وعود قادة الجيش السوداني للشعب و العالم بأنه قاب قوسين أو أدنى من نصر افتراضي غير منظور و لا محسوس من الشعب و من العالم كله".
واختتم أبو زيد "في ظل هذه الصورة القاتمة لن تؤثر دعوة الرئيس بايدن ولا حتى دعوة غوتيريس الأخيرة في تغيير الحقيقة شديدة الإظلام التي يعيشها إنسان السودان".
الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن قلقه البالغ حيال تطورات الوضع في السودان

دعوات مشبوهة

من جانبه يقول الدكتور الطيب عبد الجليل، الخبير السوداني في القانون الدولي، "الوضع الحالي في السودان، تقدم وسيطرة الجيش على العديد من مناطق تواجد الدعم السريع في ولايات الخرطوم-الجزيرة-دارفور وكردفان، وحقق إنتصارات كبيرة على الدعم السريع، وخاصة في دارفور حول مدينة الفاشر بعد فشل ودحر الجيش هجوم الدعم السريع رقم 138 على مدينة الفاشر".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "يلاحظ أنه كلما لاحت سيطرة قوة الجيش على الدعم السريع، تظهر نداءات المجتمع الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، والمطالبة بأن يجلس الجيش السوداني والدعم السريع للتفاوض حول النزاع القائم ووقف الحرب".
وأشار عبد الجليل إلى أن"دعوات التفاوض تلك مشكوك فيها لأنها تأتي في مواقف أو تطورات بعينها، خاصة عند تكون اليد الطولى للجيش السوداني، دونما إدراك ومعرفة المنادين بالتفاوض بطبيعة وتوصيف الحرب الدائرة وتعريفها، أنها حرب بين قوات متمردة ضد نظام الدولة، وتستهدف الدولة والشعب السوداني في هويته ووجوده".
مجلس السيادة السوداني: منفتحون على مبادرات حل الأزمة في البلاد
وفي وقت سابق، أكد الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، أن "الحرب في السودان، لم تكن أبدًا خيارًا لقوات الدعم السريع"، مشددًا على التزام قواته بـ"السلام والحكم المدني الديمقراطي بقيادة القوى الديمقراطية الحقيقية من كافة مناطق السودان، وخاصة النساء والشباب والمناطق المهمشة"، بحسب قوله.
وأعرب دقلو، في بيان نشر على حسابه على منصة "إكس" الخميس الماضي، عن ترحيبه بـ"الاهتمام الدولي رفيع المستوى بشأن الأزمة السودانية، والذي تجلى في بيانات صادرة عن اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي والرئيس الأمريكي جو بايدن"، وتعد هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها بايدن، علنًا، عن الوضع الكارثي في السودان، منذ اندلاع الحرب.
وأشار قائد قوات الدعم السريع إلى أن "الحرب كانت خيارًا للقوى التي عرقلت التسوية السياسية، التي كان يمكن أن تجنب البلاد ويلات الحرب".
وتحدث دقلو عن "الجهود التي بذلتها قوات الدعم السريع في سبيل استعادة الحكم المدني وإنهاء الحرب"، مشيرًا إلى "مفاوضات جادة شاركت فيها القوات في جدة والبحرين، تحت رعاية الولايات المتحدة والسعودية والإمارات"، كما أكد أن "غياب القوات المسلحة عن هذه المفاوضات كان إشارة واضحة إلى سيطرة النظام القديم على الجيش"، بحسب قوله.
وأعلن دقلو عن "التزام قوات الدعم السريع بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية في جميع مناطق السودان"، مشيرًا إلى مشاركة قواته في مفاوضات جنيف، حيث "قدمت التزامات إنسانية تهدف إلى تخفيف المعاناة"، كما دعا المجتمع الدولي إلى التحقيق في "القصف الجوي العشوائي، الذي تنفذه القوات المسلحة والذي يستهدف المدنيين والمناطق السكنية"، على حد قوله.
منظمات المجتمع المدني في السودان لـ"سبوتنيك": الوضع الإنساني وصل إلى مرحلة خطيرة في البلاد.. صور
من جهته أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان،الخميس الماضي، أن حكومة الخرطوم منفتحة على جميع الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء الحرب، مشيرًا إلى أنه اطلع على بيان الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي دعا فيه المجلس وحركة الدعم السريع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.
وقال البرهان في بيان نشره المجلس: "لقد أطلعنا على البيان الذي أصدره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فخامة جو بايدن، يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024، بشأن الوضع في السودان. وبالنيابة عن الحكومة السودانية والشعب السوداني، أرحب بتعبير الرئيس بايدن عن قلقه وأقدر دعم الولايات المتحدة للجهود الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة. نحن نشاركه القلق البالغ إزاء التكلفة البشرية للصراع الدائر، الذي جلب آلامًا ومصاعب لا حصر لها لشعب السودان".
كان الرئيس الأمريكي قد دعا في بيان نشره البيت الأبيض الثلاثاء الماضي: " المتحاربين المسؤولين عن معاناة السودانيين - القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع - إلى سحب قواتهم، وتسهيل الوصول الإنساني دون عوائق، وإعادة الانخراط في المفاوضات لإنهاء هذه الحرب".
وأضاف بايدن: "يجب على قوات الدعم السريع أن توقف هجومها الذي يلحق ضررًا غير متناسب بالمدنيين السودانيين. ويجب على القوات المسلحة السودانية أن توقف القصف العشوائي الذي يدمر حياة المدنيين والبنية التحتية. في حين اتخذ الجانبان بعض الخطوات لتحسين الوصول الإنساني، تواصل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تأخير وتعطيل العمليات الإنسانية المنقذة للحياة. يتعين على الطرفين السماح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق السودان".
وأشار بايدن إلى أن "الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة في العالم للمساعدات للشعب السوداني، حيث قدمت أكثر من 1.6 مليار دولار كمساعدات طارئة في العامين الماضيين. وقد حددنا سابقًا أن أفراد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم حرب، وأن أفراد قوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًا".
مناقشة