إلى متى تستمر حالة التدهور غير المسبوق للريال اليمني..وما جدوى الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي؟

يبدو أن تراجع البنك المركزي اليمني التابع للشرعية اليمنية عن قراراته الأخيرة بنقل مقرات البنوك الرئيسية من صنعاء إلى عدن، بفعل الضغوط والتسويات السياسية مع أنصار الله في صنعاء كان له الأثر الأكبر في الانهيار الذي وصل إليه الريال اليمني، علاوة على توقف الصادرات والاعتماد على الواردات بشكل رئيسي.
Sputnik
إلى متى يستمر هذا الوضع المخيف من الانهيار الاقتصادي والتضخم والغلاء والذي تفاقم بشكل كبير في العام الأخير مع اندلاع الحرب في غزة ولبنان والبحر الأحمر والتوترات السياسية غير المسبوقة والتي يمكن أن تنزلق إلى صراع شامل في المنطقة؟
بداية، يقول الدكتور محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي والمالية العامة في جامعة عدن: " إن إنهيار أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية يعود للعديد من الأسباب، منها تراكمات سابقة ومستجدات في الوقت الراهن".

التراجع في القرارات

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "حيث أن تراجع البنك المركزي عن القرارات التي سبق واتخذها، كان له أثر كبير على أسعار الصرف، فقد انعكست تلك القرارات بصورة سلبية على أرض الواقع و أوجدت نوع من التشاؤم والخوف لدى الشارع اليمني ومن أصحاب رؤوس الأموال",
وتابع الشعيبي: "لو أن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن لم يتراجع عن قراراته الأخيرة بشأن نقل المقرات الرئيسية من صنعاء وأصر على تطبيقها، ربما هذا كان سينعكس بشكل إيجابي كبير على الاقتصاد ويخلق نوع من الثقة والارتياح لدى أصحاب رؤوس الأموال والمدخرات والشارع بشكل عام، لكن ما حدث أنه تم التراجع عن القرار، الأمر الذي خلق حالة من عدم الثقة وزيادة الطلب على العملات الأجنبية للحفاظ على المدخرات".
وشدد الأكاديمي الجنوبي، على أن "تراجع البنك المركزي عن قراراته الأخيرة بشأن نقل الفروع الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، إضافة إلى النظرة التشاؤمية والخوف من القادم رغم التطمينات الحكومية حول الودائع القادمة والدعم الخارجي من المانحين".
البنك المركزي اليمني يحمل "أنصار الله" مسؤولية تدهور الريال ويطالب الإمارات بدعمه

فترة ضبابية

واستطرد الشعيبي: "نحن نعيش في فترة ضبابية لا نعرف ماذا ستكون نهايتها، علاوة على توقف الصادرات النفطية التي كانت تغطي أكثر من 65 بالمئة من الموازنة العامة، وهذا يعد من أهم أسباب الانهيار نظرا لتوقف دخول الإيرادات النفطية وبالتالي الاعتماد الكلي أصبح منصبا على الودائع والمنح الخارجية التي لا تغطي سوى جزء من الاحتياجات التي يتم استيرادها من الخارج والتي تبلغ 95 في المئة تقريبا، هذا بجانب توقف الصادرات بجميع أنواعها، كل ما سبق انعكس على قيمة الزيارات والتي تعيش حالة من الانهيار المستمر".
ولفت الشعيبي، إلى أن "سعر صرف الريال اليمني اليوم وصل إلى مستوى غير مسبوق من الانهيار أمام العملات الأجنبية والدولار، حيث وصل سعر الريال إلى (2000 ريال يمني تساوي دولار واحد)، وربما القادم سيكون أسوأ من ذلك بكثير في ظل الاستمرار في عدم اتخاذ إجراءات ملموسة من قبل الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي".
تقرير: قصف مواقع "أنصار الله" في اليمن رسالة إلى إيران

الشفافية والمساءلة

بدوره يقول الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي: "إن هناك الكثير من العوامل التي تسببت في انهيار سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، لذا يجب تلافيها لكي يعود التعافي لسعر الصرف، بأن تعزيز الشفافية والمساءلة الحكومية، وتفعيل سياسات اقتصادية فعالة و استباقية تركز على استقرار سعر الصرف، تأمين المنشآت النفطية وتعزيز البنية التحتية لحمايتها، و تطوير مصادر إيرادات بديلة لتقليل الاعتماد على النفط، بجانب تحسين إدارة المالية العامة وتعزيز الإيرادات الضريبية و تقليل الإنفاق غير الضروري وترشيد النفقات الحكومية".
قال في حديثه لـ"سبوتنيك": " يجب تعزيز العلاقات الدولية من جانب الحكومة اليمنية الشرعية وتحسين بيئة الاستثمار لجذب المزيد من الدعم المالي والمساعدات، علاوة على تحسين الأوضاع الأمنية والسياسية لتعزيز الثقة الدولية، ودعم الإنتاج وتشجيع الصناعات المحلية للحد من الاعتماد على الواردات، تحسين البنية التحتية للإنتاج الزراعي والصناعي".
خبراء يوضحون سبب انهيار الريال اليمني مجددا أمام الدولار
ويرى الفودعي: "أن زيادة الطلب على العملات الأجنبية ونقص المعروض منها، يكمن علاجها في تطبيق سياسات نقدية لتقليل الطلب على العملات الأجنبية، تعزيز الثقة بالعملة المحلية من خلال استقرار الاقتصاد، وتعزيز السياسات المالية لتحسين الاحتياطي النقدي، وجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة التحويلات المالية من الخارج، بالإضافة إلى تطبيق سياسات نقدية صارمة للتحكم في معدلات التضخم، وتحقيق استقرار سياسي وأمني من خلال حوار وطني شامل، وتعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد".
وأصدر محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد أحمد غالب، في 2 أبريل/ نيسان الماضي 2024، قرارًا رقم (17) لسنة 2024، بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن قد حذر قبلها من تداول عملة معدنية جديدة "فئة مائة ريال يمني" أصدرتها "أنصار الله" في مناطق سيطرتها، واصفًا الخطوة بـ "الفعل التصعيدي الخطير وغير القانوني"، معتبراً أن "هذه العملة تعد مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني".
وأعلن محافظ البنك المركزي اليمني المعين من "أنصار الله"، هاشم إسماعيل، في مؤتمر صحافي في صنعاء نهاية مارس/ آذار الماضي، "إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال في إطار مواجهة مشكلة العملة التالفة"، مشيراً إلى "صك العملة المعدنية وفق أحدث المعايير العالمية"، مؤكداً أن "طرح العملة الجديدة لن يؤثر على أسعار الصرف كونها بديل عن التالف".
وكانت جماعة "أنصار الله" قد أصدرت، في ديسمبر/ كانون الأول 2019، قراراً بمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة من قبل الحكومة اليمنية في الخارج لمواجهة أزمة السيولة التي تعاني منها، بمبرر أنها دون تأمين نقدي، وتنفذ الجماعة منذ ذلك الحين حملات مصادرة لها في مناطق سيطرتها.
هل تشعل تصريحات العليمي حربا جديدة في الداخل اليمني؟
وتسبب قرار "أنصار الله" بمنع التعامل بالأوراق النقدية الجديدة، في إيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية في عدن وصنعاء، وارتفاع عمولات تحويل الأموال من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية إلى المناطق الخاضعة للجماعة إلى أكثر من 30% من مبلغ الحوالة المالية، وهو ما انعكس بصورة مباشرة على معيشة اليمنيين الذين يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة جراء الصراع الذي يدخل عامه العاشر.
ووسعت إجراءات "أنصار الله"، تجاه الأوراق النقدية الجديدة، انقسام النظام المصرفي في البلاد منذ قرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، نقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن جنوب اليمن، في سبتمبر/ أيلول 2016.
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "ًأنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني البلد العربي للعام العاشر توالياً، صراعاً مستمراً على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بالأسوأ على مستوى العالم.
مناقشة