هل دخل السودان مرحلة الحرب الأهلية بعد تفاقم الصراعات العرقية والأزمة الإنسانية والانقسام المجتمعي؟
بداية يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "إن الحرب الحالية انتقلت إلى عناوين كثيرة من سياسية إلى مطلبية إلى مجتمعية، والآن تكتمل في أقصى وأقبح صورها في شكلها الأهلي الذي يتم فيه القتل على أساس إثنى ومناطقي، كما حدث في الجنينة وزالنجي ونيالا بدارفور، وكما حدث ولا زال يحدث في الجزيرة وشرقها وقرى ومدن ولاية سنار".
حملات انتقامية
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "يبدو أن انشقاق كيكل قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أشعل هوسا هستيريا في قوات الدعم السريع حول عدم الثقة في أي مكون لا ينتمي لقبائل عرب دارفور داخل قوات الدعم السريع، و هذا ما أظهرته الحملات الانتقامية المسعورة التي تقوم بها ضد سكان ولايتي الجزيرة و سنار، و هي بلا شك حملات تقوم ضد مواطنين عزل لا حول و لا قوة لهم، و لا يملكون أي حيلة للدفاع عن أنفسهم أمام بطش جنود الدعم السريع، الذين أظهروا قدرا غير مسبوق من التوحش تجاه المدنيين و مارسوا كل أنواع الانتهاكات مع سبق الإصرار والترصد من قتل وسحل ونهب وإذلال واستعباد جنسي واغتصاب ضد مواطنين عزل، بل حتى ترددت عبارات مقولة (أقتل كيكل صغير قبل أن يكبر) قبل كل عملية إزهاق لروح طفل أو طفلة في مشهد مؤلم شهدته البشرية مع حروب التتار ضد شعوب آسيا المسلمة و مارسته دولة باطشة ضد شعب البوسنة و الهرسك و يذكرنا بالإبادة الجماعية و التطهير العرقي ضد شعب التوتسي".
وأشار المحلل السياسي، إلى أن "الحرب دخلت فعليا مرحلة الوصف بالأهلية حين أعلن العديد من نظار وعمد قبائل عرب دارفور تأييدهم الدعم السريع في الحرب، وأكمل بالأمس ناظر الشكرية لوحة الحرب الأهلية الدامية، حين أعلن دخوله بشخصه وصفته وقبيلته الحرب للدفاع عن قبيلته وأرضها التي تعتبر الأكبر والأوسع انتشارا في سهول وبادية البطانة".
كابوس مخيف
وتابع: "قد توالت وفود القبائل من حوله للحضور بالمال والسلاح والرجال وهذا كله يجعلنا نعتقد أن خيار وقف الحرب قد عبر لضفة بعيدة ليس من الممكن إدراكها قريبا، وقد يغرق المجتمع السوداني في دماء بعضه لفترة طويلة قبل أن تنتهي هذه الفتنة".
وأوضح علي أنه "لم يستمع أحد لتحذيرات كل المراقبين بأن الحرب هذه سوف تتحول لطوفان جبار، لا يستطيع إيقافه المجتمع الدولي ولا أي مجموعة أخرى إقليمية".
وأكد علي، أن المخيف هو أن فرصة تمدد المجموعات المتشددة إلى الداخل السوداني مثل تنظيم القاعدة وداعش وبوكو حرام سوف تكون مواتية للعمل على استغلال الأراضي السودانية المضطربة أمنيا لتوجيه قياداتهم لإعادة التموضع والتدريب والتقاط الأنفاس، بعد أن تم تضييق الخناق عليهم في شمال وجنوب الصحراء في السنوات الأخيرة.
وقال علي: "بينما ينشغل السودانيون في قتل وإفناء بعضهم سوف تنطلق من أرضهم عمليات حربية وإرهابية تستهدف أمن واستقرار أنظمة بدول الجوار
وتابع: "هنا أتساءل عن متى سوف تتخذ دول جوار السودان قرارا بدخول هذه الحرب لحماية أمنها القومي وسوف ننتظر الإجابة فيما تحمله الأيام القادمة من أحداث".
جرائم مروعة
من جانبه، يقول الصافي إسماعيل، رئيس اللجنة الإنسانية بتجمع منظمات المجتمع المدني السودانية: "بعد مرور أكثر من عام ونصف منذ اندلاع الحرب في السودان تشهد ولايات الصراع أوضاع إنسانية مزرية من لجوء ونزوح وتجويع وانتهاكات إنسانية جسيمة، حيث رصدت المنظمات في الشهرين الماضيين الانتهاكات الانسانية في ولاية الجزيرة قرية ود النور، التي قتل فيها عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، وكما نحمل المسؤولية لقائد الدعم السريع المنشق والهارب من العدالة المدعو أبو عاقلة كيكل".
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "الجرائم الفظيعة التي ارتكبت ضد أهلنا في كنابي الجزيرة ومجزرة قرية ود النورة وكل قرى الجزيرة التي شهدت تلك الجرائم، تثبت بما لا يدع مجالا للشك عبثية هذه الحرب وهي بمثابة سيناريو كيزاني بغيض لتفتيت البلاد و تقسيمها على أسس جهوية عنصرية ومناطقية، وبذلك يسهل لهم حكمها، ولكن هيهات لهم".
شعور بالخطر
وتابع الصافي: "نحن في تجمع منظمات المجتمع المدني نستشعر الخطر الداهم على بلادنا حيث انتشار خطاب الكراهية و يحاول مستخدموه أن يجروا الكل إلى هذا الدرك من التفكير، بحيث يصبح التشظي والتفكك المجتمعي هو مظهر هذا البلد".
وأشار رئيس اللجنة الإنسانية، إلى أن الخطاب الكريه والتمييز على أساس المناطق وعلى والعنصر والسحنة، علاوة على أن استهداف بعض المجموعات الحاملة لخطاب الكراهية واستحقار كل ماهو آتٍ من غرب السودان، هي جريمة حاضرة في أذهانهم المريضة".
حرب أهلية
وحذر الصافي، من "حرب أهلية شاملة تقضي على ماتبقى من هذا الوطن الجميل الطيب إن لم تتضافر الجهود من أجل إيقاف نزيف الدم، ومن ثم نتوافق على ما يجمعنا كلنا كأبناء وطن واحد".
أعلن الجيش السوداني، الأحد الماضي، أن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة أبوعاقلة كيكل انحاز للقوات المسلحة برفقة مجموعة من قواته، مؤكدا العفو عنه.
وقال الجيش في بيان إن "كيكل الذي كان يقود قوات الدعم السريع في وسط السودان وتتمركز قواته في ولاية الجزيرة وأجزاء من ولايتي سنار والنيل الأبيض المجاورتين، انحاز لجانب الحق والوطن".
وأوضحت وسائل إعلام سودانية أن "الخطوة اكتملت بعد تفاوض طويل شاركت فيه عدة أطراف".
وتأتي هذه الخطوة بعيد انتقال الجيش من مرحلة الدفاع إلى الهجوم منذ 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث حقق المزيد من التقدم العسكري على عدة جبهات.
واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني- قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.