وقال الكاتب والمحلل العسكري: "نظراً لحساسية الأوضاع التي تعيشها المنطقة، واقتراب الأمور من حافة الهاوية، لا تستطيع تل أبيب المضي وراء أصحاب الرؤوس الحامية بشكل عشوائي، بل لا بد لها من وضع كل الحسابات على الطاولة قبل الإقدام على التنفيذ، كما أنها ملزمة بالتنسيق مع راعيها الأمريكي والحصول على الموافقة والدعوات بالنجاح من البيت الأبيض الذي بدوره سيضع على الطاولة مختلف السيناريوهات والتداعيات المحتملة".
واشنطن عاجزة عن ضمان انتصار "إسرائيل"
وقال الدكتور حسن في إجابته عن سبب تأخر الرد: "لا أرى أن التأخر يعود لنقص في المعلومات الاستخبارية أو الاستطلاعية أو التجسسية، فالأقمار الصناعية الأمريكية لا تغادر السماء الإيرانية على مدار الساعة، لكن مثل هذه الخطوة تتطلب الكثير من الحسابات وتهيئة البيئة المطلوبة ومعرفة ردود الفعل المتوقعة سواء من طهران أو من بقية أقطاب محور المقاومة، وجس نبض الجميع، إضافة إلى مواقف بقية الدول في المنطقة، فهي وإن كانت غالبيتها تدور في الفلك الأمريكي، لكن انفجار الأوضاع واندلاع حرب شاملة يترك أخطاره وتداعياته الكارثية على الجميع، وليس بمقدور إدارة بايدن إسقاط هذا العامل من حساباتها، كما أنه لم يعد كافياً الاطمئنان لما تقوله واشنطن، وقد اتضح عجزها عن ضمان انتصار "إسرائيل" وهي أهم حلفائها في العالم".
وتابع المحلل العسكري السوري: "الأمر الآخر الذي له علاقة مباشرة بما أقدمت عليه تل أبيب متعلق بالبعد الميداني للمواجهة المشتعلة مع حزب الله في جنوب لبنان، والتعثر الكبير في تنفيذ الاقتحام والتوغل المطلوب، والعجز عن التقدم البري بفضل الأداء القتالي البطولي الذي يبديه رجال المقاومة في حزب الله، وارتفاع الخسائر البشرية والمادية لإسرائيل، فضلاً عن زيادة عدد العمليات اليومية واتساع مداها، ونجاح المقاومة في الوصول إلى أعماق جغرافية جديدة تجاوزت تل أبيب، فضلاً عن العملية النوعية التي نفذهما حزب الله ونجاحه في استهداف منزل نتنياهو في قيسارية، كما أن الأمر متعلق بالوضع الداخلي الإسرائيلي والانقسام الذي يزداد تفاقماً، وضرورة تصدير أي صورة لرفع المعنويات، وتخفيف حدة اليأس والخوف والاضطراب والقلق من المستقبل المجهول الذي يجر بنيامين نتنياهو الكيان إليه يوماً بعد آخر".
وتابع: "والأضرار التي خلفها العدوان ليست ذات شأن، وقد اقتصرت الخسائر البشرية على مقاتلين كانا يعملان في إحدى قواعد الدفاع الجوي"، مضيفاً: "في حين إن السردية الإسرائيلية تتحدث عن شن العدوان بمئة طائرة، وتدمير عشرين هدفاً نوعياً في أماكن متفرقة من الجغرافيا الإيرانية، مع الإشارة إلى أنه تم التركيز على الأهداف العسكرية واستبعاد ما له علاقة بالمنشآت النووية والبنية التحتية المتعلقة بالنفط والغاز وبقية مصادر الطاقة".
اتفاق أمريكي إسرائيلي على محدودية الرد لحفظ ماء وجه نتنياهو
وقال المحلل العسكري: "قد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ما نسب إلى الرئيس الأمريكي مباشرة أو آخرين من إدارته أن واشنطن على علم بتوقيت العدوان وتفاصيله، وأن نتنياهو أخذ برغبة إدارة بايدن واستبعد محطات الطاقة والمنشآت النووية، وهذا جزء من الحرب على الوعي والأفكار ومحاولة تجميل الوجه الأمريكي القبيح، فالتزام نتنياهو بما أراده الأمريكيون يكذب الروايات السابقة التي كانت تتحدث عن تمرد إسرائيلي على البيت الأبيض، وقراءتي الذاتية أن واشنطن وتل أبيب معاً استعرضتا كل السيناريوهات والاحتمالات والتداعيات المتوقعة، وتوصلا إلى نتيجة مفادها إن استهداف منشآت حيوية كبرى وإلحاق الأضرار بما تعتبره طهران خطوطاً حمراء سيشعل المنطقة لا محالة، ولا أحد يستطيع التنبؤ إلى أين يمكن أن يصل امتداد ألسنة اللهب، ولذلك تم الاتفاق على مخرج كهذا للحفاظ على ماء وجه نتنياهو وفق ما ورد في الخطاب الرسمي الأمريكي".
الداخل الإسرائيلي غير راض عن الرد ويستخف به
وأشار الدكتور حسن إلى أن "متابعة الداخل الإيراني والإسرائيلي لما حدث وطريقة التفاعل مع ما تم تسويقه إعلامياً تبين أن الداخل الإسرائيلي بكليته غير راضٍ، والكثير من الأصوات الفاعلة والمؤثرة وجهت انتقادات لاذعة لنتنياهو واستخفت بالنتيجة التي أسفر عنها العدوان مع التذكير بالسقوف العالية التي كان يتم رفعها في الأيام القليلة السابقة، وتمخضت عن مستوى متدنٍ وأداء هش وأقل بكثير عما يجب أن تكون عليه، في حين أن غالبية الداخل الإيراني عبرت عن فخرها بالأداء الإعجازي الذي قدمه رجال الدفاع الجوي وبقية الجهات المسؤولة في الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية، ويمكن اعتبار هذا الأمر قرينة دالة لتكوين رؤية عامة عما تم استهدافه ونسبة النجاح التي تكاد تقترب من الحدود الصفرية".
وأكد المحلل العسكري أن "الحديث عن شن هجوم بمئة طائرة من أحدث أجيال الطيران الحربي وأكثرها كفاءة وقدرة على تنفيذ مثل هذه العمليات العسكرية المعقدة يوحي بأن حجم الدمار الذي يجب أن يكون خلفه العدوان يفترض أن يكون مئات أضعاف ما تم الإعلان عنه، ومن المهم الإشارة هنا إلى نقطة مهمة، تتعلق بالرواية الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، فلو كان ما تحدث عنه الإعلام العسكري الإسرائيلي فيه شيء من الصحة لكان بادر إلى نشر الصور والفيديوهات التي تؤيد سرديته، والجميع يعلم أن الأقمار الصناعية المكرسة لخدمة القرار الصهيو ــ أمريكي ترصد حركة الدجاجة في الشارع، وبالتالي هذا دليل على الكذب وفقدان المصداقية، مشيراً إلى أن المواقف الرسمية التي تم الإعلان عنها رسميا في طهران تدل بوضوح على عدم الاضطراب أو التوتر أو القلق، وهذا بدوره يبرهن على الاطمئنان والرضا عما تم فعله، ففي عملية الوعد الصادق2 تدافع ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ والغرف المحصنة، وفي العدوان الإسرائيلي تابع الإيرانيون نومهم باطمئنان".
القضاء على مقاتل إيراني واحد يتطلب خمسين طائرة حربية
وأضاف: "أما إذا انطلقنا من التشكيك بمصداقية السردية الإسرائيلية وأن عدد الطائرات المستخدمة أقل من هذا الرقم بكثير، فهذا يعني نسف مصداقية السردية بكل تفاصيلها ومضامينها، وبالتالي اعتماد السردية الإيرانية التي يستحق أصحابها التقدير والإشادة بجهودهم، كما أن التشكيك بدقة عدد الطائرات يوصل رسالة أخرى مفادها: أن تل أبيب اتخذت القرار وهي متخوفة من ارتداداته، وبالتالي كان على نتنياهو أن يبتلع الموسى على الحدين فهو بحاجة إلى فعل يخفف من اضطراب الداخل الإسرائيلي ويستعيد شيئاً من هيبة الردع، وفي الوقت نفسه هو مضطر لضمان ألا تؤدي الأمور إلى إثارة حفيظة طهران ودفعها لرد يفوق طاقة تل أبيب على التحمل، ويفوق قدرة داعمي تل أبيب على ضمان حمايتها، إذ لا أحد يستطيع التنبؤ إلى أي مدى يمكن أن يصل امتداد ألسنة اللهب".
الحرب الأوكرانية ومحاولة تحجيم دور روسيا والصين
وأوضح المحلل العسكري أنه "نظراً لحساسية أوضاع المنطقة، واقتراب الأمور من حافة الهاوية لا بد لتل أبيب من وضع كل الحسابات على الطاولة قبل الإقدام على التنفيذ، كما أنها ملزمة بالتنسيق مع راعيها الأمريكي والحصول على الموافقة والدعوات بالنجاح من البيت الأبيض الذي بدوره سيضع على الطاولة مختلف السيناريوهات والتداعيات المحتملة"، لافتاً إلى أن "تورط واشنطن في أكثر من بؤرة من بؤر الصراع المتفجرة يحتم عليها ترتيب أولوياتها التي تشير إلى أن الحرب على الجغرافيا الأوكرانية، ومحاولة تحجيم الدورين الروسي والصيني عالمياً تتقدم على كل أولوية أخرى، وهذا هو السبب الجوهري في التردد والتأخير، فالحرب في منطقة الشرق الأوسط حرب أمريكية قبل أن تكون إسرائيلية، وقيادة العمليات فيها بيد واشنطن وليست بيد تل أبيب، بل يمكن الذهاب للقول إن "إسرائيل" إحدى الأدوات التي تخوض فيها واشنطن هذه الحرب، وليس العكس".