ليبيا بين استمرار الجمود الداخلي والصراع الدولي

استمر الجمود السياسي في ليبيا لفترة طويلة، وبقيت العديد من الأطراف الفاعلة في المشهد دون تحقيق نتائج ملموسة تقود البلاد نحو استقرار دائم، هذا الجمود جاء بعد سنوات من الانقسامات الحادة التي عصفت بليبيا وأثرت على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما عمق من الأزمات وزاد من معاناة المواطنين.
Sputnik
ورغم المحاولات المتكررة لحل الأزمة عبر مبادرات محلية ودولية، لا يزال الطريق نحو الاستقرار يبدو ضبابياً، ويستدعي إرادة سياسية جادة وتوافقاً فعلياً بين كافة الأطراف لإنهاء حالة الركود وتوجيه ليبيا نحو مستقبل أفضل.

غموض ليبي

صرح الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، محمود الرملي، أن المشهد السياسي في ليبيا يعاني من غموض شديد نتيجة للأجسام السياسية التي ظلت قائمة لفترة طويلة دون أن تحقق تقدمًا يُذكر في معالجة الملف الليبي.
تمديد البعثة الأممية في ليبيا إدارة أزمة أم فرصة للحوار؟
وأشار الرملي في حديثه لـ"سبوتنيك" إلى أن بعثة الأمم المتحدة، على الرغم من وجودها، قد ساهمت في تفاقم المشكلة بدلًا من حلها، حيث تكتفي بإدارة الأزمة دون اتخاذ خطوات عملية نحو حل حقيقي، معتمدين على التمديد وتغيير المبعوثين بدلاً من وضع وتنفيذ خارطة طريق واضحة.
وأضاف: أن "التدخلات الدولية والصراعات بين القوى الكبرى زادت تعقيد الأزمة، خصوصًا مع سعي الولايات المتحدة والدول الغربية إلى احتكار إدارة الملف الليبي، متجاهلين قدرة الليبيين على قيادة أمورهم نحو حل".
وفيما يتعلق بالمجلس الرئاسي، أوضح الرملي أن المجلس ظل فترة طويلة في حالة جمود منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلا أن المجلس بدأ مؤخرًا في لعب دور أكبر، خاصة فيما يتعلق بأزمة مصرف ليبيا المركزي، حيث أدى تدخل المجلس إلى تغيير المحافظ، مما يُظهر رغبة في تحريك المياه الراكدة، لكن يظل السؤال حول قدرة المجلس على تقديم حلول حقيقية.

محاور الأزمة الليبية

ومن جانبه، قال المحلل السياسي، حسام الدين العبدلي، إن الأزمة الليبية تتشكل حالياً من ثلاثة محاور أساسية، وهي المحور السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وأوضح أن الانقسام السياسي ما زال حاضراً في المشهد، ولكن بوجه مختلف عن السابق، حيث يعاني المجلس الأعلى للدولة من انقسام داخلي أدى إلى تراجع دوره.
وأضاف العبدلي في تصريحه لـ"سبوتنيك" أن الانقسام لا يقتصر على الساحة الداخلية، بل يمتد أيضاً إلى الساحة الدولية، حيث لم تتوصل القوى الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي، وخاصة روسيا والصين، إلى توافق حول تعيين مبعوث أممي جديد.
ليبيا... "الوحدة الوطنية" تكشف عن جولة تراخيص استكشافات نفطية جديدة
نتيجة لهذا الخلاف، تم تمديد ولاية ستيفاني خوري حتى نهاية العام الحالي، مع إمكانية التمديد التلقائي حتى أكتوبر 2025، حيث ينتهي تكليفها.
وأشار العبدلي إلى أن هناك تطورا ملموسا في الوضع الاقتصادي بليبيا، بفضل الإصلاحات التي قام بها المحافظ الجديد الناجي عيسى بعد الإطاحة بالمحافظ السابق الصديق الكبير، الذي تعرض لانتقادات واسعة بسبب أدائه السابق.
وفيما يخص الوضع الاجتماعي، أضاف العبدلي أن الأمور تسير بشكل جيد، مبيناً أن جوهر المشكلة يكمن في الساسة، وأشار إلى احتمال أن تقود خوري حواراً سياسياً يفضي إلى تشكيل حكومة جديدة يكون هدفها الأساسي الوصول إلى الانتخابات، مع نية المجلس الرئاسي إجراء استفتاء بقيادة مفوضية الاستفتاء والاستعلام التي أُسست حديثاً.
وأضاف أنه إذا تم إجراء استفتاء شعبي حول مصير مجلسي النواب والدولة، فمن المرجح أن يصوت الليبيون لصالح تجميدهما أو إلغائهما، نظراً لفشلهم في تقديم حلول خلال السنوات الماضية.
وأكد العبدلي أن قرارات المجلس الرئاسي لا يمكن الاستهانة بها، خاصة وأن المجتمع الدولي لا يُولي اهتماماً كبيراً لمجلسي النواب والدولة، ويدعم المجلس الرئاسي نظراً لنجاحه في حلحلة قضايا حيوية مثل قضية المصرف المركزي.
كما رجح العبدلي أن الجمود السياسي لن يستمر طويلاً، وأن المجتمع الدولي يترقب اللحظة المناسبة لتحريك هذا الجمود، لافتاً إلى أن البعثة الأممية تنتظر تحركاً حاسماً على الساحة الليبية، كما حدث في قضية المصرف المركزي.
ميلوني تعلن موعد استئناف الخطوط الجوية الإيطالية رحلاتها مع ليبيا
وأوضح أنه في حال تمكن المجلس الرئاسي من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مجلسي النواب والدولة، فمن المتوقع أن تستغل البعثة الأممية هذا التطور لدفع الحل السياسي قدماً. ولكن، في حالة تشكيل حكومة جديدة مع استمرار مجلسي النواب والدولة، فإن هذه الحكومة قد تواجه تحديات وضغوطاً تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية ومنح الثقة، مما قد يعيق عملها.
وأشار العبدلي إلى أن تهديدات مجلس النواب، وإن كانت غير رسمية، تعكس ضعف موقفه، موضحاً أن استمرارية الوضع الحالي أو حدوث تحرك سياسي داخلي سيساعد البعثة الأممية في السعي نحو حلول واقعية للأزمة الليبية.

أزمة الجمود الليبي

فيما يرى المحلل السياسي محمد امطيريد، أن الجمود السياسي في ليبيا يعود أساساً إلى الخلافات داخل مجلس الأمن، مشيراً إلى أن البعثة الأممية تجد صعوبة في العمل بشكل فعال خلال فترة التمديد التي لا تتجاوز ثلاثة أشهر، مما يعيق جهودها.
وأضاف امطيريد في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" أن انقسام المجلس الأعلى للدولة يعقد الوضع ويجعل الحوار بين المجلسين أمراً مستحيلاً في الوقت الحالي.
المنفي يدعو الأمم المتحدة لتعيين مبعوث دائم وتسريع العملية الانتخابية في ليبيا
وأوضح أن ليبيا، بعد 14 عاماً من الأزمات، تشهد اليوم تحولات عميقة، حيث تدخل المجلس الرئاسي في مسائل تتجاوز اختصاصاته، مما يدل على أن الأجسام السياسية في طرابلس تمتلك القدرة على اتخاذ قرارات مؤثرة وتغيير الواقع، ورأى أن هذه التحولات ستجعل من الصعب على حكومة الوحدة الوطنية تسليم السلطة لأي حكومة أخرى، خاصة بعد توسع نفوذها.
كما أشار امطيريد إلى أن الجمود السياسي الراهن يعكس تعقيدات المشهد الليبي، خاصة مع تمديد مهمة البعثة الأممية لثلاثة أشهر فقط، وهو ما يعكس حالة الصراع داخل مجلس الأمن.
وشدد على أهمية وحدة الليبيين لحل مشكلاتهم بعيداً عن التدخلات الخارجية، محذراً من أن استمرار الخلافات سيجعل الحل بعيد المنال.
وأعرب عن قلقه من تحركات المجلس الرئاسي بشأن تأسيس هيئة الاستفتاء والترويج لفكرة استفتاء عام، معتبراً أن هذه الخطوة قد تزيد من تعقيد المشهد السياسي وقد تؤدي إلى الإطاحة بمجلسي النواب والدولة، خاصة إذا حظيت بتأييد دولي مشابه لما حدث في قضية المصرف المركزي.
وأكد امطيريد على أن الحل يكمن في اجتماع قادة القرار من الشرق والغرب للوصول إلى تفاهمات ودية ضمن إطار زمني محدد، مع وضع اتفاق يحظى بدعم دولي، بهدف إنهاء المرحلة الانتقالية الحالية.
في الوقت الذي بالتأكيد لا تزال فيه حالة الجمود السياسي تخيم على المشهد الليبي في ظل التوترات المتصاعدة، حيث يغيب أي مؤشر حقيقي لحل قريب.
ويأتي هذا في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل فرص التوصل إلى تسوية شاملة تبدو بعيدة المنال.
مناقشة