ومن المفترض أن يتيح استرجاع الأموال المنهوبة والمهربة، موارد للدولةا لتونسية، تقدّر بما لا يقل عن 13.5 مليار دينار (قرابة 3.7 مليار دولار)، بحسب الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي قال في وقت سابق إنه يمكن توظيف هذه الأموال حال استعادتها في دعم التنمية، والنهوض بالفئات المهمشة.
ولتحقيق هذا الهدف، يعوّل سعيد على الصلح الجزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهب هذه الأموال وعددهم 460 شخصا، وفق تقرير صادر عن اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد.
ويشير تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي صدر في سبتمبر/ أيلول 2023 إلى أن حجم الأموال المهربة من تونس خلال فترة حكم الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، بلغ حوالي 39 ملياردولار، وهي قيمة تعادل88.1% من الناتج المحلي الخام في عام 2010.
ووفقا للتقريرالذي استندت بياناته إلى دراسات جامعية دولية، فإن تهريب هذه الأموال تسبب في خسارة في حدود 3695 دولارا لكل تونسي، لافتا النظر إلى أن "معدل الخسارة السنوية للاقتصاد التونسي بسبب تهريب الأموال بلغ 1.5 مليار دولار في فترة حكم بن علي، مقابل 278 مليون دولار في فترة حكم الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة".
ويرى خبراء أن استعادة هذه الأموال يمكن أن يمثّل رافدا مهما للتنمية في تونس وسندا ماليا للحكومة التونسية، التي تأمل في خفض عجز الميزانية إلى 5.5% في عام 2025 من 6.3% متوقعة في 2024، بحسب ما كشفت عنه نسخة مشروع قانون الموازنة الجديد.
مهمة صعبة
وفي الإطار، قال الوزير الأسبق المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، إن "استعادة الأموال المنهوبة ليس بالأمر الهيّن"، مشيرا إلى أن "التجارب المقارنة بيّنت أن هذه القضايا تتطلب الكثير من الوقت".
ويعتبر عبو أن "عدم تحقيق نتائج إيجابية في هذا الملف إلى حدود اليوم يعود لوجود "إهمال" و"تهاون" على صعيد تقديم الوثائق المتعلقة بهذه القضية من طرف الجهات الرسمية في تونس، والتأخر في إحداث مرسوم لاسترجاع الأموال المنهوبة، والذي تم بمقتضاه إحداث لجنة تشرف على هذا المسار سنة 2011".
وتابع: "يقضي هذا المرسوم أن تنتهي عهدة اللجنة التي ترأسها آنذاك البنك المركزي بعد 4 سنوات، وللأسف انتهت هذه المهلة، ولم يقع إحداث هيكل جديد ينوب هذه اللجنة، وهو ما أدى إلى إحالة الملف إلى المكلف العام بنزاعات الدولة، الذي صرّح بنفسه أنه لا يمتلك الإمكانيات البشرية والمالية التي تسمح له بإحراز تقدم في مسار استعادة الأموال المنهوبة".
وذكّر عبو بتصريح وزير أملاك الدولة السابق، حاتم العشي، الذي قال إنه قدّم مقترح قانون لاستعادة الأموال المنهوبة سنة 2015، ووقع رفضه من طرف عدد من الوزراء.
وأردف: "هذا التصريح يؤشر إلى أن بعض الأطراف الحاكمة في تونس آنذاك لم ترغب في فتح هذا الملف، لأنه يتعارض مع مصالحها".
وأكد الوزير الأسبق أنه "سبق وأن قدم سنة 2012 شكاية ضد مسؤولين في البنك المركزي بعد رصد تهريب أموال للخارج تعود إلى أحد أفراد عائلة الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وهو يجهل إلى حد الساعة مآل هذه القضية".
ويرى عبو أن "استعادة هذه الأموال ظل مجرد شعارات سياسية رفعتها جميع الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد الثورة".
ومضى: "هذه الأموال وقع اكتسابها بطرق غير شرعية، ولو تحرّكت الدولة التونسية بواجبها بالشكل المطلوب لوقع استرجاع جزء مهم منها على الأقل".
وأشار الوزير الأسبق إلى أن "مخرجات اللجنة التي تم إحداثها على مستوى رئاسة الجمهورية في عام 2022 لا تزال مجهولة، ولا يعلم أحد إن كانت تجتمع أم لا، في ظل التعتيم الإعلامي على هذه المعطيات".
معيقات عدّة
ويتفق القيادي بحزب البعث، صهيب المزريقي، مع محمد عبو في أن "استعادة تونس لأموالها المنهوبة مهمة صعبة في ظل التعقيدات القانونية المحيطة بها، ولكونها عملية معقدة تتداخل فيها أطراف داخلية وخارجية".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "قضية الأموال المنهوبة استنزفت الكثير من الوقت، فمنذ بداية إثارة هذا الملف عقب الثورة، شابته الكثير من الإخلالات على مستوى الإجراءات"، مشددا على أن "عدم تفعيل اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد عطّل استعادة هذه الأموال، في الوقت الذي كان من شأنها أن تساعد اللجان المختصة بمتابعة هذا الملف".
وأضاف: "من العبث إثارة قضايا ضد مهربي الأموال في الخارج لدى المحاكم التونسية، فالدول الأجنبية التي توجد بها هذه الأموال لن تعترف بالأحكام الصادرة في هذا الغرض".
وقال المزريقي إن "الرئيس التونسي، قيس سعيد، سعى إلى استرجاع هذه الأموال بإحداث لجنة خاصة على مستوى رئاسة الجمهورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 يترأسها وزير الخارجية، ومهمتها تقويم مختلف الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الملف، واقتراح القيام بكل إجراء من شأنه أن يفضي إلى نتائج إيجابية".
وأضاف: "بعد 5 شهور من إحداث هذه اللجنة، أعلنت الرئاسة التونسية عن استعادة مبلغ بقيمة 1 مليون دولار من البنوك السويسرية، لكن الاتحاد الأوروبي أعلن سنة 2022 رفع التجميد عن الأموال المنهوبة لسبعة افراد من عائلة زيد العابدين بن علي والمقربين منه".
حل لأزمة تعبئة الموارد المالية
ويعتقد القيادي في حزب البعث، صهيب المزريقي، أن "حل أزمة تعبئة الموارد المالية يمكن أن يتم من خلال استعادة الأموال المنهوبة التي تقدّر قيمتها بـ39 مليار دولار"، مشيرا إلى أن "الأموال المنهوبة لا توجد في أوروبا فقط، بل حتى في دول الخليج، وهي تعد بآلاف المليارات"، وفقا لتأكيده.
وتابع مؤكدا أن "حلحلة هذه القضية ستجعل تونس في غنى عن التعويل على صندوق النقد الدولي أو البنك العالمي أوالبنك الأفريقي، وأن تقطع مع سياسة الاقتراض الخارجي، أو حتى التوجه إلى الاقتراض الداخلي عن طريق البنوك التونسية والبنك المركزي".
ويرى المزريقي أن "الأموال المنهوبة تمثّل مخرجا وحلا ظرفيا لما تعيشه البلاد من أزمة مالية واجتماعية، واستعادتها ستمكّن تونس من تخطي الوضع الاقتصادي الصعب".
وتابع: "يمكن تعبئة موارد الميزانية من خلال هذه الأموال أو توظيفها في شكل استثمارات داخلية في المناطق الأشد بؤسا وفقرا، وفق منطق الصلح الجزائي الذي صرّح به الرئيس التونسي، قيس سعيد".
وفي 20 مارس/ آذار 2022، أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، مرسوما يتعلق بالصلح الجزائي مع من تورطوا في قضايا فساد مالي ونهبوا مال الشعب، من خلال استبدال المسار العقابي القضائي، بدفعهم لتعويضات مالية توظّف عائداتها لإنجاز مشاريع تنموية في المعتمديات، التي يقع ترتيبها من الأكثر فقرا إلى الأقل فقرا، ويخصص جزء منها لتمويل الشركات الأهلية.
وشجّع صهيب المزريقي على "تفعيل استراتيجية قانونية خالية من كل أشكال الأخطاء أو الخلل الإجرائي، سواء على مستوى التقاضي أو حتى من حيث تكوين الملف شكلا ومضمونا".