ويرى مراقبون أن التصريحات التي تصدر عن الجيش السوداني ربما تكون مرحلية وتسبق عملية تفاوضية يجري الإعداد لها، لأن حديث أي من طرفي الصراع اليوم عن إنهاء وجود الطرف الآخر غير منطقيا من الواقع على الأرض، ولا بد من الجلوس على طاولة التفاوض مهما طالت الحرب، وطرفي الحرب يعلمون ذلك، لكن كل طرف يحاول تعظيم مكاسبه في تلك المرحلة وتحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل الخضوع لأي عملية سلمية في البلاد.
فهل أصبح الحسم العسكري الذي تحدث عنه البرهان هو الطريق الوحيد لأجل إنهاء الحرب في السودان..أم لا تزال هناك خيارات أخرى وإن لم تكن ظاهرة؟
بداية، يقول الدكتور محمد مصطفى، رئيس المركز العربي- الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية في السودان: "إن الجيش السوداني يتبع في الوقت الراهن مبدأ، حارب كما لم يكن هناك سلاما يلوح في الأفق، ثم فاوض بقوة وسالم ونفذ ما اتفقت عليه بقوة وعزيمة أكبر، الحرب هكذا يزايد المتحاربان وكل طرف يزيد من سقف موقفه المتشدد ليكسب في أقرب عملية تفاوض".
تصريحات سياسية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "حسب علمنا فإن قادة الجيوش يُصرحون و يتطرفون في تصريحاتهم في فترات هم قد يكونوا أحوج للسلام أكثر من أي وقت مضى، حتى يستطيعون تحقيق أكبر قدر من المكاسب، فإذا تابعتم تصريحات حميدتي عندما كان مسيطرا ومتفوقا في ساحات المعارك، كان دائما يُعلن استعداده لوقف الحرب والدخول في مفاوضات لأنه كان يعلم أن موقفه الميداني قد يحدد سقف مطالبه العالية جدا".
وتابع مصطفى: "الآن الجيش السوداني قد أحدث تقدم في الميدان، وحقق مكاسب على الأرض بتحرير السوكي الدندر وجبل موية وسنجة وعدد من قرى ولاية سنار، ثم استطاع إفشال السيطرة على الفاشر من قبل الدعم السريع أكثر من مائة مرة، وحقق تقدمٱ كبيرا في أم درمان وبحري وبدأ يُُظهر تعاونه مع الأمم المتحدة بفتح ممرات وتحديد مراكز للعمل الإنساني".
حسابات الانتقام
وأشار رئيس المركز العربي، إلى أن "هذه المرحلة رغم حدة تصريحات الجيش فيها قد تكون المرحلة التي تسبق عملية التفاوض، لأن هذا التقدم إذا بلغ مستوى يجعل الجيش يحقق ما يريده في المفاوضات سيظهر الجيش رغبته الأكيدة في عملية التفاوض، لأنه يدرك تماما تعقيدات إمكانية الحسم العسكري وبالمقابل تجد أن الدعم السريع لم يكن بذات الحماس لعملية التفاوض، ليس لأنه لا يريد التفاوض، ولكنه وحسب تقييمه يتوقع أن إعلان رغبته في ظل تراجع آدائه الميداني قد يرفع من معنويات الجيش وفي ذات الوقت قد تتراجع الروح المعنوية لقواته".
وأردف: "للحرب تعقيدات وحسابات غريبة بعض الشيء، لكن في كل الأحوال لابد من السلام لأن حسابات الإنتقام قد تكلفنا ثمنا باهظا جدا، رغم الجرائم التي ارتكبت في دارفور والتي كلفتنا أكثر من خمسمائة ألف نفس بريئة، وشردت أكثر من ثلاثة ملايين نسمة ما بين نازح ولاجئ، إلا أن قادة الحركات جلسوا أكثر من مرة على طاولة المفاوضات مع من كان سيد المجرمين ومطلوب في محكمة لاهاي، ومنهم من وصل معه إلى اتفاق سلام رغم أنه لم ينفذ أي إتفاق، وظل النازحون واللاجئون في معسكراتهم حتى اللحظة".
الحرب قاسية
ويقول مصطفى: "منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل/ نيسان 2023 وحتى الآن حسب التقديرات، فقدنا أكثر من مائة وسبعين ألف يعني ثلث الذين فقدناهم في دارفور خلال أشهر قليلة، ونسبة الإغتصاب في دارفور كان أضعاف ما حدث الآن، وكذلك أن أهل دارفور الذين تم تشريدهم فقدوا كل ممتلكاتهم، فالجنجويد نهبوا حتى سقوف ومنافذ المساجد دعك من البيوت والممتلكات الأخرى".
ولفت مصطفى، إلى أن "الحرب قاسية خاصة في ظل انعدام أخلاقياتها وقوات لا تعرف القانون والمواثيق ولا القواعد والنظم، وكلما مر يوم نخسر أكثر، لذلك لابد من العودة للحكمة والعمل بمنطق الأخلاق والإنسانية وإعلان وقف الحرب والعمل بجدية لإنهائها وإلى الأبد".
الاستسلام أو الهزيمة
من جانبه، يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "من ينظر إلى طبيعة جغرافيا و تضاريس الأراضي السودانية، مع الأخذ بالاعتبار المقدرات القتالية الحالية للجيش السوداني من ناحية العتاد و العدة، يجد أنه من شبه المستحيل أن يتمكن الجيش من حسم أو القضاء على قوات الدعم السريع بصورة نهائية في جميع المحاور، هذا بالطبع مع الإمداد غير المنقطع الذي يتلقاه الدعم السريع، و أيضا تحول العزيمة القتالية لدى معظم مقاتليه من رغبة في إحداث تغيير سياسي إلى رغبة في الاستمرار على قيد الحياة بصورة كريمة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الاستسلام أو الهزيمة تعني تحول الحرب لغرض القضاء على مكونات الحواضن الاجتماعية و كسر شوكتها تماما، لانعدام الثقة في امكانية التعايش معها حال قهرها عسكريا،هذا ما يدور في خلد من يحمل السلاح مقاتلا إلى جانب الدعم السريع، وأيضا لابد من الاعتراف بكل جرأة أيضا، أن هناك قوى مؤثرة تدور حول مكتب الرئيس البرهان لها مصلحة مباشرة في استمرار هذه الحرب".
المستفيدون من الحرب
وتابع علي: "لا اتكلم عن الحركة الإسلامية رغم حقيقة وجودها و فعلها في هذه الحرب، لكن اتحدث عن الطبقة المستفيدة من أزمة الحرب في مصالحها الاقتصادية، و هي لوبي لا يحمل أي تعريف لجهة سياسية بل مجموعة موظفين دولة و رجال أعمال يصنعون ثروات غير منظورة، لكنها ضخمة من تجارة الدواء و السلاح و الابتزاز، هؤلاء أشد خطورة على مستقبل السودانيين من الحركة الإسلامية و الدعم السريع و القوى المدنية بكل تباين مواقفها".
أكد رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان،الاثنين الماضي، رفضه القاطع لأي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع.
وقال البرهان، خلال مؤتمر عن قضايا المرأة في مدينة بورتسودان، عاصمة البلاد المؤقتة، إن "التسوية الوحيدة التي تقترحها الحكومة هي أن تقوم قوات الدعم السريع بنزع سلاحها والتجمع في أماكن محددة، ومن ثم يتم تحديد مصيرها من قبل الشعب السوداني".
وشدد على أن الجيش سيواصل جهوده للقضاء على "الميليشيا المتمردة"، مهما طال الزمن، مشيرا إلى أن التقارير المتداولة بشأن التوصل إلى تسوية مع الدعم السريع غير صحيحة، حسب وكالة الأنباء السودانية - سونا.
وأضاف البرهان، أن الحديث عن دعوة مجلس السيادة للمؤتمر التفاوضي في مدينة أركويت ليس دقيقاً، مشددًا على أن "باب التوبة مفتوح"، لكن التوبة تتطلب شروطًا محددة.
وذكر أن "الجيش والقوات النظامية الأخرى يسعون بكل إصرار للقضاء على ميليشيا آل دقلو، في إشارة إلى عائلة قائد "قوات الدعم السريع" الفريق محمد حمدان دقلو، "حميدتي".
وفي وقت سابق، وجه قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، خطابا للسودانيين، بعد تحقيق "انتصار كبير وعظيم"، وذلك بعدما وصل البرهان،السبت الماضي، إلى مدينة سنجة، وأعلن عن "تحريرها من قوات الدعم السريع"، واستعادة قيادة الفرقة 17 مشاة.
وأكد في كلمة له "عزم القوات المسلحة السودانية على تحرير كل شبر دنّسه العُملاء والخَوَنة، ودحر المليشيا الإرهابية التي تستهدف وحدة السودان".
واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل/ نيسان 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني - قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.