ما حقيقة ما يجري في العاصمة السودانية الخرطوم..وهل يملك أي من طرفي الصراع القدرة على الحسم العسكري؟
بداية، يقول الدكتور ربيع عبد العاطي، المستشار السابق للحكومة السودانية، إن "التقدم الذي حققه الجيش يشير بما لايدع مجالا للشك بأن تطهير الخرطوم العاصمة من بقايا التمرد قد أصبح قاب قوسين أو أدنى".
استراتيجية عسكرية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "وفقا لمصدر عليم بأن الجيش لو أراد سحق التمرد في ساعة من ليل أو نهار لتحقق ذلك، لكنه يسير بخط مرسوم و استراتيجية عسكرية دقيقة تستهدف عدم تدمير المنشآت و المساكن وحماية المدنيين و عدم خسران الجنود، لأن المسألة مسألة وقت ولا تستدعي تقديم أرواح، خاصة وأن بقايا التمرد تعتصم بالمباني وتتخذ من المدنيين دروعا بشرية".
وتابع عبد العاطي: "إن كان هناك انقلاب في الأوضاع داخل الخرطوم والذي تتحدث عنه بعض التقارير الإعلامية في الأيام الماضية، فعما قريب سنشهد هروبا و تسللا للتمرد في جنح الظلام بأثواب مدنية كطوق أخير للنجاة من زحف الجيش المتتابع والمهاجم لكهوف التمرد،والحرب في نهايتها وليس من مفر للتمرد من المصير الحتمي والأسود المعلوم".
الوضع أكثر تعقيدا
في المقابل، تقول لنا مهدي، الخبيرة وباحثة في الشأن الأفريقي والسوداني: "إن الجيش السوداني لم يحرز أي تقدم يذكر خلال الفترة الماضية على الرغم من تصريحاته المتكررة عن تحقيق إنجازات ميدانية، الوضع في العاصمة الخرطوم يبدو أكثر تعقيداً في ظل التفوق التحصينات التي أقامتها قوات الدعم السريع".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "الدعم السريع يواصل تحقيق تقدم في عدة محاور داخل السودان بما في ذلك العاصمة الخرطوم، حيث بات يسيطر على مواقع استراتيجية ويعزز مواقعه في مناطق حيوية هذا التقدم يأتي نتيجة لاستراتيجية تعتمد على المناورة والمرونة الميدانية والهجمات المباغتة التي أربكت الجيش السوداني وجعلته في موقع دفاعي، وأضعفت قدرته على الاحتفاظ بمواقعه، وكذلك تستفيد قوات الدعم من البنية التحتية المدنية التي حولها إلى مواقع دعم وتحرك ويبدو أن حضوره في المناطق الحيوية والسيطرة على الطرق الرئيسية مكنته من تأمين عمق استراتيجي يحمي قواته من الهجمات الجوية للجيش السوداني، هذا الواقع يعكس تغيراً في موازين القوى على الأرض حيث أصبح الدعم السريع اللاعب الأساسي في الصراع داخل الخرطوم".
وتابعت مهدي: "الجيش السوداني أصبح في موقع دفاعي داخل العاصمة الخرطوم بعد سلسلة من الهجمات المباغتة التي نفذتها قوات الدعم السريع حيث تراجع نفوذه في عدد من المناطق الحيوية، وبات يعتمد على تعزيز مواقعه المتبقية دون تحقيق أي تقدم يذكر، التحديات اللوجستية وضعف الإمدادات ساهمت في إضعافه، بينما استمرت قوات الدعم السريع في فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من المدينة والتحصن فيها".
ورقة ضغط
وأشارت الخبيرة في الشأن الأفريقي، إلى أن "هناك نقص حاد في الإمدادات العسكرية واللوجستية لدى الجيش مما أدى إلى تراجع قدرته على شن هجمات فعالة ضد قوات الدعم السريع في الخرطوم، هذا النقص لا يقتصر فقط على الذخيرة والوقود بل يمتد إلى نقص الإمدادات الغذائية والاحتياجات الأساسية الأخرى، في المقابل تستفيد قوات الدعم السريع من موارد محلية ومن خطوط إمداد أكثر مرونة في الخرطوم".
ولفتت مهدي، إلى أن "التطورات الأخيرة تضع الصراع في السودان أمام منعطف حاسم حيث يمكن أن تتحول السيطرة الميدانية لقوات الدعم السريع إلى ورقة ضغط سياسية قوية لفرض شروطه في أي عملية تفاوضية مستقبلية، لكن هذا السيناريو قد يتعقد مع تدخلات الأطراف الإقليمية والدولية التي ترى في استمرار النزاع تهديداً للاستقرار في المنطقة".
مفاجآت جديدة
بدوره، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور، أن "الحديث عن مفاجآت جديدة للدعم السريع في الخرطوم ضد الجيش السوداني بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش خلال الفترة الماضية غير وارد على الإطلاق، نظرا لأن مليشيا الدعم السريع اليوم في أضعف حالاتها وتبحث عن مخرج من المحرقة التي أدخلت نفسها فيها".
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن أعداد كبيرة من الشعب السوداني التي تمثل حواضن لأي حرب هى في صف القوات المسلحة، ومن المتوقع أن يعلن الجيش السيطرة على كامل ولاية الجزيرة بما في ذلك العاصمة (مدني) خلال الأيام القليلة القادمة".
وفيما يتعلق بداخل العاصمة الخرطوم، يقول تاور: "على الرغم من المسيرات التي يطلقها الدعم السريع لتصل إلى شندي وعطبرة وغيرها، إلا أن الوضع على الأرض يشير إلى أن الدعم السريع يفقد يوميا مواقعه على الأرض، واليوم وصل الجيش السوداني إلى مناطق واسعة في بحري، والآن تقود معارك شرسة، ووضع الدعم السريع في تلك المناطق لا يمكن أن يقلب الأوضاع بأي حال من الأحوال".
البحث عن هدنة
وأشار تاور، إلى أن "الأوضاع أيضا تسير لصالح الجيش خارج العاصمة الخرطوم وبالتحديد في ولاية كردفان، حيث أن الجيش يسيطر على الكثير من المناطق وقضى على الكثير من قيادات الدعم السريع في المنطقة، علاوة على ما يحدث من سيطرة في دارفور".
وأوضح الخبير العسكري، أن "الدعم السريع الآن يبحث قادته عن هدنة، البعض يقول للأغراض الإنسانية وآخرين يرون أنها لتنفيذ اتفاق جدة، واليوم هاجم الدعم السريع في ولاية النيل الأبيض بسيارات خاصة وخسر خسائر كبيرة بشرية ومادية، وبناء على ما سبق لا أتوقع أن تنقلب الأوضاع مجددا في الخرطوم أو غيرها لصالح الدعم السريع".
واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل/ نيسان 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني - قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.