وشهدت سواحل جزيرة "لامبيدوزا" الإيطالية، فاجعة جديدة يوم الأربعاء الماضي، بعد غرق قارب يقل عشرات المهاجرين، الذين غادروا سواحل محافظة صفاقس (جنوب البلاد)، منذ أيام، ما أسفر عن فقدان جميع راكبيه باستثناء طفلة وحيدة، بحسب منظمة "مدستارينا" الإيطالية لإنقاذ المهاجرين.
واقع يشجع على الهجرة
أفاد المتحدث الرسمي باسم "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "السواحل التونسية تعتبر منطلقا لأعداد كبيرة من الهجرات غير النظامية سواء من التونسيين أو من الأفارقة جنوب الصحراء".
وأضاف: "رغم الاتفاقيات المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي، إلا أن الظاهرة متواصلة وتتغذى على عدة عوامل منها الاجتماعية والاقتصادية"، على حسب تعبيره.
ولفت بن عمر إلى أن "المهاجرين العالقين في تونس يتعرضون إلى العديد من الممارسات القمعية والتي من بينها المنع من التنقل بين المدن التونسية والعمل والزج بهم في غابات الزيتون بمحافظة صفاقس (جنوب البلاد)، إضافة إلى التهديدات المستمرة التي يتعرضون إليها على غرار طردهم نحو الحدود البرية الجزائرية أو الليبية أو نقلهم إلى الصحراء، ما أجبرهم على الإقامة في المخيمات"، على حد قوله.
وتابع: "هذه الأسباب دفعت بالمهاجرين إلى الفرار من هذا الواقع بأي ثمن ومهما كانت الطريقة حتى ولوكانت خطيرة وهو ما استغلته شبكة تهريب المهاجرين لمراكمة أرباحها".
كما أوضح بن عمر بأن "تتالي محاولة الاجتياز أثبت عدم قدرة السلطات التونسية على التقليص من هذه الظاهرة نظرا لعدم امتلاكها معدات واضحة وكافية للقيام بعمليات الإنقاذ"، قائلا: "الإمكانيات المادية واللوجستية مخصصة فقط لعمليات المنع وهو ما يفسر ارتفاع عدد الضحايا والفواجع على طول السواحل التونسية".
وفي تعليق حول تكتم السلطات التونسية عن عدد المهاجرين غير النظاميين، الذي اجتازوا الحدود، بيّن رمضان بن عمر أن "السلطات أصبحت ترفض تقديم هذه الأرقام".
ويشيرمحدثنا أيضا إلى أنه أصبح "من المفارقات وأن الجانب الإيطالي هو من يقدم هذه الإحصائيات والتي تفيد بأن أكثر من 61 ألف مهاجر تم منعهم من الوصول إلى أوروبا، منذ بداية العام الجاري".
أرقام موجعة
وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، حول عدد المهاجرين المفقودين، أوضح رئيس "المرصد الوطني لحقوق الإنسان"، مصطفى عبد الكبير، بأن "أرقام المفقودين والجثث التي وقع انتشالها في عرض البحر تعتبر موجعة هذه السنة"، قائلا : "اليوم نتحدث عن أكثر من 700 مهاجر مفقود ومئات الجثث التي لفظها البحر و20 ألف مجتاز للحدود، وهو رقم كبير جدا".
وأضاف :"نزيف الهجرة غير النظامية لم ينته سواء في صفوف المهاجرين من جنسيات جنوب الصحراء أو من جنسيات تونسية".
وتابع: "الوضع خرج عن السيطرة وأصبحنا أمام ظاهرة هجرة العائلات من نساء وأطفال وهذا الأمر بات معقدا وعلى الدولة التونسية أن تكون حذرة في التعاطي مع هذه الظاهرة".
ودعا إلى "ضرورة تفكيك شبكات الاتجار بالبشر في المناطق التي تعتبر بؤرة للهجرة غير النظامية على غرار مدينة قرقنة وصفاقس (جنوب البلاد)، وتكثيف الدوريات الأمنية على مستوى السواحل البحرية وتعقب المهاجرين غير النظاميين ومراقبة أموالهم المرصودة من الخارج"، على حد قوله.
وبحسب إحصائيات قدمها "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، في سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا في 2024، قد بلغ 5772 مهاجرا يتوزعون حسب الجنس والفئة إلى 3893 رجلا و430 إمرأة و919 قاصرا دون مرافقة و530 قاصرا مع مرافقة.
يذكر أن منظمة "ميديترانيا" لإنقاذ البشر، أعربت عن قلقها من احتمال وجود حطام 3 سفن غادرت تونس في أيام مختلفة، في نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكانت كل واحدة تقل أكثر من 40 مهاجرا.
دعوات إلى إلغاء مذكرة التفاهم مع أوروبا
ويعتبر المتحدث الرسمي باسم "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر، أن "المسار الذي اتخذته الدولة التونسية في السنتين الأخيرتين بعد إمضائها مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي، لم يراع مصلحة الدولة التونسية ولم يضمن حقوق المهاجرين"، على حد تعبيره.
وتابع: "المطلوب اليوم هو إيقاف مسار التعاون في مجال الهجرة بين تونس والاتحاد الاوروبي بعد أن تبين عدم احترامها لكرامة المهاجرين".
ومن جانبه، وصف رئيس جمعية "الأرض للجميع"، عماد السلطاني، في تصريح لـ"سبوتنيك"، السياسات التي يعتمدها الاتحاد اللأوروبي مع تونس في معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بـ"السياسات غير الشرعية" حسب المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، على حد قوله.
وقال السلطاني: "ندعو السلطات التونسية إلى إلغاء هذه الاتفاقيات والتي ترضي فقط الجانب الإيطالي والاتحاد الأوروبي".
وفي يوليو/ تموز 2023، وقّع الاتحاد الأوروبي وتونس مذكرة تفاهم من أجل "شراكة استراتيجية شاملة" حيث يقدّم الاتحاد الأوروبي بمقتضى هذه الاتفاقية مساعدة مالية لتونس لدعم إقتصادها الوطني مقابل تعزيز جهودها في معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية.
يذكر أن وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي أعلن خلال الجلسة المخصصة لمناقشة مُهمة وزارته لسنة 2025 مؤخرا بالبرلمان التونسي بأن السلطات التونسية وضعت خطة عاجلة متعددة الجوانب تشمل التنسيق الأمني والدبلوماسي واللوجستي والاجتماعي والصحي والإنساني لمعالجة هذه الظاهرة من خلال التشجيع على العودة الطوعية لهؤلاء المهاجرين في وضعية غير نظامية.