وتضمن الاتفاق نقاطا رئيسية عدة تهدف إلى تهيئة الأجواء السياسية والأمنية لتحقيق الانتخابات، ومن أبرز ما جاء فيه تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، يتم العمل من خلالها على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، لضمان تنفيذ القوانين الانتخابية واستكمال المرحلة التمهيدية.
يرى المحلل السياسي الليبي محمد امطيريد، أن "اللقاء الذي جمع بين أعضاء مجلس النواب وأعضاء المجلس الأعلى للدولة جاء كرد فعل متأخر على مبادرة مبعوثة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا"، مشيراً إلى أن "هذه المبادرة جاءت متأخرة جداً، وكان الأجدر بالمجلسين البحث عن حلول حقيقية للأزمة السياسية بدل التناحر والتناكف فيما بينهما".
مبادرة ميتة
وأضاف في تصريحه لـ"سبوتنيك": "لقد أُتيحت لهذين المجلسين فرص عديدة سابقاً لم يتم استغلالها بالشكل المطلوب"، وأكد أن "المبادرة الأخيرة لن تحظى بقبول بعثة الأمم المتحدة، على الرغم من أن مخرجاتها جاءت من بوزنيقة في إطار الجهود المغربية الدولية لحل الأزمة الليبية، إلا أن هذه المبادرات أثبتت فشلها المتكرر ولم تحقق أي نجاح ملموس على الأرض"، وأشار إلى أن "توقيت هذه المبادرة غير مناسب، حيث جاءت بعد فترة طويلة من الجمود السياسي، وهي فرصة ضاعت في وقت سابق كان من الممكن خلالها تقديم حلول جادة".
وأوضح امطيريد أن "هذه المبادرة قُدمت ميتة من الأساس، لأنها لن تلقى قبولاً من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، كما أن المجتمع الليبي نفسه لن يقبل بأي حلول تهدف إلى تشكيل حكومة جديدة دون السعي لإجراء انتخابات حقيقية".
وأضاف المحلل السياسي أن "الأطياف السياسية بدأت تميل إلى تأييد مبادرة بعثة الأمم المتحدة، خاصة مع الدعم الذي تحظى به هذه المبادرة من الرأي الدولي والأطراف التي تستمد شرعيتها من المجتمع الدولي"، وبيّن أن "مجلسي النواب والدولة لن يتمكنا من تنفيذ أي مشروع جديد دون الحصول على موافقة دولية"، مستشهداً بما حدث في عام 2019 مع حكومة فتحي باشاغا، التي تم التوافق عليها محلياً من أطراف الصراع مثل المشير خليفة حفتر ومجلس النواب، لكنها قوبلت برفض المجتمع الدولي ولم تُنفذ ولم يعترف بها.
وأشار إلى أن "توقيت الخطوة التي قام بها مجلسي النواب والدولة كان خاطئاً، حيث أظهرت ردود أفعالهم تناقض واضح مع مواقف الأمم المتحدة، التي بات من الواضح أنها لا ترغب في أي دور لهذين المجلسين في المرحلة القادمة".
وأضاف أن "الأمم المتحدة تُظهر جدية أكبر في الإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة، وهو الأمر الذي يتخوف منه المجلسان، باعتبار أن الانتخابات قد تُنهي وجودهما في المشهد السياسي".
واعتبر امطيريد أن "مواد الاتفاق في بوزنيقة تناولت عدة مواضيع وتم على أساسها تشكيل لجنة يفترض أن تقدم مخرجاتها بحلول يناير المقبل"، لكنه وصف هذه السيناريوهات بـ"المكررة"، متهماً المجلسين بـ"السعي لإفشال أي مبادرة تقودها مبعوثة الأمم المتحدة ستيفاني ويليامز".
وأكد امطيريد أن "البنود التي أعلنها المجلسان هي بنود قديمة سبق الحديث عنها"، مشيراً إلى أن "المجلسين عادة ما يتحركان فقط عندما يستشعران تهديداً لبقائهم في المشهد السياسي، لكن هذه المبادرة غير جادة وغير حقيقية".
وأوضح أن "البند الأهم الذي خرج من لقاء بوزنيقة هو الحديث عن الانتخابات"، لكنه شكك في جدية المجلسين في تنفيذ هذا البند، قائلاً: "هذه الأجسام السياسية منتهية الشرعية، وليس لديها صلاحيات للعمل في هذا التوقيت، خاصة مع تزامن مبادرتها مع مبادرة الأمم المتحدة".
وأكد أن "إشراف المجلسين على أي مبادرة جديدة لن يحظى بثقة بقية الأطراف السياسية"، مشيراً إلى أن "المجلسين يفتقران للنية الحقيقية لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة".
ويرى أن "هذه اللقاءات غير مجدية ولن تكون مخرجاتها جدية في هذا التوقيت تحديداً"، واعتبر أن "ما يحدث الآن هو مجرد رد فعل لنقص مبادرة خوري، التي قُدمت أمام مجلس الأمن، وليس سعياً حقيقياً لحل الأزمة".
تعثر الاتفاقات التي رعتها الأمم المتحدة
وعن أسباب تعثر الاتفاقات التي رعتها الأمم المتحدة في ليبيا، قال المحلل السياسي الليبي سالم بعيص: "تضمنت المادة الاولى من ميثاق الأمم المتحدة مقاصد هذه المنظمة الدولية التي نصت على حفظ السلم والأمن الدوليين وحل النزاعات الدولية، وتم إعطاء مجلس الأمن الدولي مهمة حفظ السلم والأمن الدولي، ولضمان أداء وظائفه بشكل فعال تم إنشاء هيئات فرعية بموجب المادة 29 من ميثاق الأمم المتحدة، ويمكن أن تتراوح من لجان الجزاءات (مثلاً لجنة الجزاءات المعنية بليبيا) وفرقة العمل المكونة من ممثلي أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر كافة إلى محاكم أو إلى بعثات لحفظ السلام والبعثات السياسية (مثلاً بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)".
وتابع بعيص في حديثة لـ"سبوتنيك": "تجدر الإشارة إلى أهمية التفرقة بين عمليات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة ومكاتب بناء السلام، حيث تعتبر جميعاً هيئات فرعية، لكنها تقودها شتىّ كيانات الأمم المتحدة التي أنيطت بها ولايات مختلفة، فعادةّ ما تدير عمليات حفظ السلام إدارة عمليات حفظ السلام".
وأوضح أن "العديد من عمليات حفظ السلام إن لم يكن كلها تقع ولايتها تحت طائلة الفصل السابع، وفضلا عن ذلك، فإن عمليات حفظ السلام على نقيض بعثات أخرى لها وجود عسكري أو شرطي دولي في الميدان، أما مكاتب بناء السلام والمكاتب السياسية تشرف عليها عموماً إدارة الشؤون السياسية، وتعد تلك البعثات جزءا من سلسلة متصلة من عمليات السلام للأمم المتحدة تقع حلقاتها على مراحل مختلفة من دورة النزاع".
وأردف: "شُكلت العديد من الهيئات الفرعية لمحاولة إيجاد حلول سياسية لبعض القضايا والأزمات والصراعات والنزاعات الدولية وغير الدولية التي شهدها العالم منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945م، بيد أن هناك الكثير من التحديات والصعوبات التي واجهتها وتواجهها المنظومة الأممية في هذا الاطار، بالإضافة إلى إخفاقاتها في عدّة مناسبات، لا سيما محادثات واتفاقيات السلام التي ترعاها، فأغلبهم لم تطبق أو تم تطبيق جزء بسيط منها، ولهذا تعالت الأصوات داخل منظومة الأمم المتحدة وخارجها للمطالبة بإصلاح هذه المنظومة".
وأضاف: "لازالت الأمم المتحدة تعتمد على النظام القديم الذي يُبنى على الحلول الخارجية (يتم إعدادها من بعض الدول والخبراء داخل الأمم المتحدة)، ومن ثم محاولة تطبيقها على الصراعات الداخلية للدول دون التواصل مع الأطراف الفاعلة والخبراء والأكاديميين والمثقفين والسياسيين المحليين، والبحث عن جذور المشكلة ومسببات الصراع وأخذ التصورات والحلول الناجعة منهم، وهذا هو السبب الرئيس لفشل جل الجهود الدولية الرامية لحلحلة الأزمات والصراعات".
ويعتقد بعيص أن "القضية الليبية لن تحل إلا في حال تم تطبيق الحلول (مَلْكيّة وطنية ليبية) التي تأتي من الأطراف الفاعلة والخبراء والأكاديميين والمثقفين والسياسيين في الداخل الليبي مع الأخذ في الاعتبار الخصائص التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية للأمة الليبية".
واعتبر أن "مهمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقتصر على عمليات الوساطة وتيسير الحوار، أما الحلول الخارجيّة التي تأتي بها البعثة الأممية ومن خلفها الدول المنخرطة في الشأن الليبي لن تنجح ولن تطبق، ولنا في اتفاق الصخيرات وملتقى الحوار السياسي الليبي الذي عقد في جنيف خير دليل ، بل على العكس تمامًا ازدادت وتيرة الصراعات والحروب والانقسامات".
مقاطعة برلمانية
وقال عضو مجلس النواب الليبي علي التكبالي لـ"سبوتنيك"، في وقت سابق، إن "هذه اللقاءات تأتي دائماً في الوقت الذي يكون فيه المبعوث الأممي في نهاية مهامه، ويحاول تحقيق أي نتيجة بشكل متسرع. ستيفاني ويليامز، على سبيل المثال، كانت موجودة منذ أكثر من عام، ولم نرَ منها أي إنجاز ملموس، لكنها الآن تريد إنهاء كل شيء قبل عطلة عيد الميلاد، وتسعى لإعادة ليبيا إلى مسار محدد بحلول يناير المقبل. هذا الأمر مستغرب ومثير للدهشة".
وأضاف التكبالي: "لا يمكن بناء دولة في شهر أو شهرين فقط، ثم تُطرح التناقضات من كل اتجاه، نحن ندرك جيداً أن العديد من النخب الليبية أكدت أن هذا المؤتمر محكوم عليه بالفشل".
وقال: "شخصياً، قاطعت العديد من المؤتمرات من قبل، وهذا المؤتمر ليس استثناءً، أعلم يقيناً أن النجاح لن يتحقق أبداً، لأن التناقضات أكبر من أن تُحل في يومين أو ثلاثة أيام، سواء على يد ستيفاني خوري، أو مجلس النواب، أو مجلس الدولة، بالتالي، هذا المؤتمر لن يُنتج شيئاً سوى هدر المال، والوقت، والجهد".
وتابع البرلماني الليبي: "لو كانت خوري جادة في تحقيق نتائج، لما قامت بعرقلة الحلول السابقة، لا أعتقد أنها ستنجح في تحقيق أي شيء يذكر، وستنتهي كسائر المبعوثين الذين سبقوها".
مؤكدا أن "هذا المؤتمر لن ينجح، أما الليبيون الذين شاركوا فيه دون وعي أو إدراك، فهم مطالبون بمراجعة مواقفهم، يجب أن يسأل كل من يندفع نحو هذه المؤتمرات أو يقبل دعوات الدول الأخرى: لماذا ذهبوا إلى هناك؟ وما الذي يمكن أن نحققه فعلاً؟".