واعتبرت هذه المنظمات أن الخطوة قد تلحق أضرارًا بطالبي اللجوء، الذين قد يجدون أنفسهم أمام تسريع في إجراءات البت في مطالبهم ورفضها، ما قد يفضي إلى ترحيلهم نحو تونس، خاصة بعد تصنيفها دولة "آمنة" من قبل الاتحاد الأوروبي.
ولا يزال اعتماد النصّين بصفة نهائية رهين المفاوضات الجارية مع الدول الأعضاء، في وقت عبّرت فيه منظمات حقوقية عن قلقها من احتمال تعرض المهاجرين لسوء المعاملة، لا سيما في حال إحداث مراكز استقبال خارج حدود الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك، تؤكد المفوضية الأوروبية أن أي إجراءات من هذا القبيل يجب أن تتم مع احترام الحقوق الأساسية والمعايير الدولية.
وكانت 19 دولة أوروبية قد دعت المفوضية الأوروبية إلى تخصيص موارد مالية لتمويل إنشاء مراكز استقبال خارج حدود التكتل، في إطار سياسة أكثر تشددًا في التعامل مع ملف الهجرة غير النظامية.
انعكاسات سلبية على تونس
وفي حديثه لـ "سبوتنيك"، أفاد النائب السابق في البرلمان الإيطالي والناشط في مجال الهجرة، مجدي الكرباعي، أن القرار الأوروبي سيكون له انعكاسات سلبية عديدة على سياسة الهجرة في تونس، وفي مقدمتها ما يتعلق بطالبي اللجوء، الذين قد يجدون أنفسهم أمام تسريع في إجراءات رفض مطالبهم وترحيلهم نحو تونس، بعد أن اعتبر الاتحاد الأوروبي طلباتهم غير مستوفية لشروط الحماية.
وأوضح الكرباعي أن معالجة مطالب اللجوء ستصبح "أكثر تقييدًا وأقل وقتًا للمراجعة الفردية، وهو ما يقلص من فرص قبولها"، وفق تعبيره.
وأكد أن النصّ الثاني الذي صادق عليه البرلمان الأوروبي يتيح ترحيل طالبي اللجوء ليس فقط إلى بلدانهم الأصلية، بل أيضًا إلى أي دولة أخرى تصنف ضمن "الدول الآمنة"، متى اعتبر هذا البلد قادرا على توفير حماية كافية لهم.
وبيّن الكرباعي أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع دول من بينها تونس والمغرب ومصر، تتعلق بتسلم المهاجرين وإعادة الذين رُفضت مطالب لجوئهم، قائلا: "قد تتضمن هذه الخطوة حوافز مالية أو تعاونًا في مجالات أخرى، لكنها تزيد في المقابل من الضغوط المسلطة على تونس لتكون شريكا في سياسات الهجرة الأوروبية".
كما لفت مجدي الكرباعي إلى أن هذا التوجه الأوروبي قد ينعكس على النقاش العام داخل تونس حول ملف الهجرة، وقد يُضعف المطالب الحقوقية المتعلقة بالتساؤل حول مدى صحة تصنيف البلاد كـ"دولة آمنة"، ومدى كفاية سياساتها الداخلية في ضمان حماية حقوق المهاجرين، سواء طالبي اللجوء أو العابرين عبر الأراضي التونسية.
تقييد لطالبي اللجوء
وفي هذا السياق، أفاد المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن القرارات الأوروبية الأخيرة ستكون لها تداعيات سلبية عديدة على ملف الهجرة في تونس.
وأوضح بن عمر أن تصنيف تونس "بلدا آمنا" يعني أن المواطنين التونسيين المتقدمين بطلبات لجوء سيكونون عرضة للإجراءات العاجلة، التي تفرض على السلطات الأوروبية البت السريع في مطالبهم دون منحها الوقت الكافي للمراجعة الجدية والفردية، باعتبار أن تونس تُصنف كدولة تتوفر فيها، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، كل الضمانات المتعلقة بحماية الحقوق والحريات. وأضاف أن مآل أغلب هذه المطالب سيكون الرفض، وهو ما اعتبره "تنكرًا لحق اللجوء".
وتابع بن عمر أن تصنيف تونس بلدا آمنا يتيح لدول الاتحاد الأوروبي إعادة ترحيل كل من ثبت مروره عبر الأراضي التونسية من المهاجرين، بما في ذلك طالبي اللجوء من جنسيات أخرى.
كما ذكّر المتحدث بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وبالتخوفات المتزايدة المرتبطة بملف الهجرة وطالبي اللجوء، قائلا: "هذا القرار يمهد لمزيد من الضغوطات على تونس لإعادة ترحيل المهاجرين الذين ثبت مرورهم عبر أراضيها".
ويشار إلى أن عددا من المنظمات الحقوقية التونسية الناشطة في مجال البحث والإنقاذ، إلى جانب المنظمات الداعمة لها، طالبت الاتحاد الأوروبي بسحب اتفاقيات الهجرة المبرمة مع تونس، ومراجعة تصنيفها دولة منشأ آمنة وملاذا آمنا للأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر، سواء من المهاجرين القادمين من تونس أو من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
تخوف من تصنيف الموانئ التونسية موانئ آمنة
وأعرب بن عمر عن تخوف السلطات التونسية والمنظمات الحقوقية من إقدام الاتحاد الأوروبي على تصنيف الموانئ التونسية كموانئ "آمنة"، وذلك بهدف إلزام بواخر الإنقاذ العاملة في البحر الأبيض المتوسط بالتوجه نحوها.
وقال بن عمر، في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن "الاتحاد الأوروبي يعد العقل المدبر لما وصفه بالسياسات الإجرامية في مجال الهجرة بمنطقة المتوسط، وفي عدد من الدول الأخرى، من بينها تونس، التي لا تعد سوى منفذ لهذه السياسات والخطط".
وأضاف أن أوروبا، ومنذ سنوات، نجحت في إرساء منظومة تقنية تتيح جمع المعطيات البيومترية للمهاجرين واللاجئين في تونس، مشيرا إلى أن هذه المعطيات كانت تحت تصرف الجانب الأوروبي باعتباره صاحب المبادرة.
واعتبر أن ذلك مكّن الاتحاد الأوروبي من امتلاك "أدلة" على مرور هؤلاء اللاجئين عبر تونس، وهو ما يتيح له ممارسة ضغوط إضافية على السلطات التونسية لإعادة استقبالهم.
ويرى بن عمر أن الاتحاد الأوروبي خطط مبكرا لمختلف المسارات المرتبطة بملف الهجرة، في إشارة إلى الوثيقة الخاصة الممضاة بين تونس وليبيا سنة 2020، وكذلك الوثيقة الداخلية للاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتعاون مع تونس وليبيا في مجال الهجرة، والتي لا تزال سارية إلى غاية سنة 2027، وتتضمن، وفق قوله، مختلف هذه السياسات التي شرع الاتحاد الأوروبي في تطبيقها.
وكان وزراء الداخلية في الدول الأوروبية قد اتفقوا على ما يعرف بـ"آلية التضامن"، التي تعد أحد أبرز بنود الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء، وذلك في إطار مقاربة شاملة تهدف إلى الحد من تدفقات الهجرة نحو القارة الأوروبية.