عصابات المشتقات النفطية... كيف تسرق أموال الشعب العراقي؟

في خضم الفوضى الاقتصادية والتهريب المستمر، يبرز ملف المشتقات النفطية كأحد أكبر التحديات التي تواجه العراق اليوم، حيث يمتد نشاط عصابات منظمة بين المحافظات، بصورة تهدد الاقتصاد الوطني وتسرق من أموال الشعب بشكل منهجي.
Sputnik
وفي ذات الوقت تحاول الجهات الأمنية الوطنية كسر شوكة هذه الشبكات وحماية الموارد الحيوية للدولة، التي تحتل المرتبة الثانية بين أعضاء منظمة "أوبك" من حيث إنتاج النفط الخام بمتوسط إنتاج يومي يتجاوز 3 ملايين برميل.
ويشكل النفط أكثر من 90 في المئة من إجمالي صادرات العراق، كما يعتبر مصدرا أساسيا لتمويل الموازنة العامة ومشاريع التنمية الاقتصادية في العراق.

إنهاء تهريب النفط

في غضون ذلك، يقول مدير عام شرطة الطاقة ظافر الحسيني، إن المديرية أنهت خرق الأنابيب وخفضت عمليات التهريب بنسبة 98 في المئة.
وفي حديث لـ "سبوتنيك"، يضيف الحسيني أن "نشاطات المديرية أسفرت عن ضبط 995 عجلة، و58 وكرا معدا للتهريب، أما كمية المشتقات النفطية المصادرة وتمت إعادتها للدولة فبلغت أكثر من 27 مليون لتر، فيما بلغ عدد المتهمين الملقى القبض عليهم المشتركين بالتهريب 1182 متهما".
ويشير المسؤول العراقي إلى "إدخال التكنولوجيا الحديثة في مراقبة الأنابيب النفطية والمنشآت والحقول من خلال الكاميرات الحرارية وأيضا مراقبة خطوط الأنابيب بالطائرات المسيرة".

حملات ملاحقة واسعة

في المقابل، يكشف الخبير الاقتصادي النفطي، حيدر الشيخ، خلال حديثه لـ "سبوتنيك"، عن تسجيل انخفاض ملحوظ في عمليات تهريب المشتقات النفطية داخل العراق، نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التي اعتمدتها الحكومة العراقية خلال العام الحالي.
ويوضح الشيخ أن الفترة من شهر يناير/ كانون الثاني 2025 حتى ديسمبر/ كانون الأول الجاري، شهدت ضبط نحو 995 عملية تهريب للمشتقات النفطية، كانت محملة بكميات مختلفة، جرى إحباطها عبر المنافذ غير الرسمية وطرق التهريب المنتشرة في المناطق النائية، إضافة إلى محاولات تهريب باتجاه بعض الدول المجاورة.
وبحسب الشيخ، فإن حجم المشتقات النفطية التي كانت تهرب سنويا يقدّر بنحو 30 مليون لتر، مؤكدًا أن هذه الكميات كانت تشكل خسائر مالية كبيرة على خزينة الدولة، فضلا عن تأثيرها السلبي على السوق المحلية.
اقتصاد العراق في خطر.. اعتماد شبه كامل على النفط يهدد المستقبل المالي
ويضيف أن الحكومة العراقية تتجه خلال عام 2026، إلى تشديد الرقابة أكثر على عمليات تداول وتوزيع المشتقات النفطية، من خلال تطوير أنظمة التعريف والمتابعة، بهدف تقليل نسب التهريب إلى أدنى مستوياتها وضمان وصول الوقود إلى مستحقيه بشكل قانوني ومنظم.

هجوم على إجراءات الحكومة

إلى ذلك، يقول المواطن علاء خضير، لـ "سبوتنيك"، إن عدم تشكيل حكومة قوية وقادرة على فرض القانون أسهم بشكل مباشر في تفشي الفساد على نطاق واسع، الأمر الذي انعكس سلبا على الدخل القومي وعلى أوضاع الفئات الفقيرة في البلاد.

ويرى خضير أن عمليات تهريب النفط والمشتقات النفطية، إلى جانب تهريب المخدرات وبكميات كبيرة لا تزال مستمرة، مبينا أن هذه الأنشطة غير القانونية تسببت بخسائر مالية جسيمة وأثّرت على السيولة المالية والموارد الاقتصادية للدولة، في ظل غياب القوانين الرادعة وعدم تطبيق التشريعات الداعمة لتقدم الشعب العراقي.

ويؤكد أن حجم الفساد في ملف المشتقات النفطية، ولا سيما في إقليم كردستان، بات واضحا، حيث يتم تهريب النفط دون وجود رقابة أو محاسبة حقيقية، بسبب ضخامة الأموال المتداولة، ما أدى إلى نشوء شبكات وشخصيات نافذة تتسم بالفساد وتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني والدخل القومي.
ويشير خضير إلى أن قانون النفط والغاز ما زال معطلًا منذ أربع دورات برلمانية، متسائلًا عن أسباب عدم إقراره وتطبيقه، خصوصاً وأن بعض النواب، متورطون في هذا الفساد، ما يعرقل تمرير القانون ويبقي ملف النفط مفتوحا أمام التجاوزات، بحسب تعبيره.
لتحقيقه الاكتفاء الذاتي.. العراق يعلن وقف استيراد المشتقات النفطية الرئيسية
وقبل أشهر قليلة، قالت وزارة النفط العراقية إنها تحمل حكومة إقليم كردستان المسؤولية القانونية عن استمرار تهريب النفط من الإقليم إلى خارج البلاد، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية في هذا الصدد.

إشادة بالجهود الأمنية

بينما يشيد الناشط المدني فلاح البرزنجي بالدور الذي تقوم به القوات الأمنية، ولا سيما جهاز الأمن الوطني، في ملاحقة عصابات تهريب المشتقات النفطية، مؤكدًا أن هذه الجهود تمثل خطوة مهمة في حماية الاقتصاد العراقي والحفاظ على المال العام.
ويقول البرزنجي، في حديث لـ "سبوتنيك"، إن عمليات تهريب المشتقات النفطية لم تعد حوادث فردية، بل تحولت خلال السنوات الماضية إلى عمليات منظمة ومنهجية، تقف خلفها عصابات تمتد نشاطاتها بين عدة محافظات، من بينها البصرة وكركوك، وكانت تحظى بحماية شخصيات نافذة ومؤثرة في المشهدين السياسي والحكومي.
ويلفت إلى أن هذه العصابات كانت تعمل منذ أكثر من عامين بمستوى عالٍ من التنظيم، ما صعّب عملية ملاحقتها، إلا أن جهاز الأمن الوطني تمكن مؤخراً من توجيه ضربات مؤثرة أسفرت عن إلقاء القبض على عدد من المتورطين وإحالتهم إلى محاكم مختصة، في إنجاز يحسب للأجهزة الأمنية.
ويضيف البرزنجي أن المرحلة المقبلة تتطلب موقفا حازما من الحكومة والجهات ذات العلاقة، عبر التعامل مع هذه العصابات بيد من حديد، لما تشكله من خطر مباشر على الاقتصاد الوطني، مبيناً أن تهريب المشتقات النفطية لا يضر بالدولة فقط، بل يعد سرقة صريحة لأموال الشعب العراقي بجميع فئاته.
وفي وقت سابق، قال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، إن بلاده تجري مفاوضات مع منظمة "أوبك" لمراجعة حصتها الإنتاجية، مشيرا إلى أن العراق يمتلك طاقة إنتاجية تصل إلى 5.5 مليون برميل يوميا، في حين تبلغ حصته الحالية 4.4 مليون برميل يوميا.
مناقشة