وتطرح هذه الخطوة تساؤلات مهمة حول مستقبل الشراكة الليبية الباكستانية، وحدود تأثيرها على المشهد الليبي داخليًا وعلى توازنات المنطقة بشكل عام.
اتفاقيات ثنائية
من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، أن الجيش الباكستاني يصنَّف ضمن أقوى الجيوش في العالم، إذ يحتل المرتبة الثانية عشرة عالميًا من حيث القوة العسكرية، كما تعد باكستان واحدة من بين تسع دول فقط تمتلك التكنولوجيا النووية والسلاح النووي، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك هذه القدرات الاستراتيجية.
وأوضح العبدلي في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن باكستان تمتلك منظومة عسكرية متكاملة تشمل قوات برية وبحرية وجوية ذات كفاءة عالية، ما يمنحها مكانة متقدمة بين القوى العسكرية الكبرى على مستوى العالم.
وتعد هذه المعطيات مجتمعة عوامل تمنح باكستان امتيازات كبيرة كقوة عسكرية وازنة ومؤثرة في موازين الردع الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن باكستان خاضت مؤخرًا مواجهة عسكرية مع الهند، تمكنت خلالها من إسقاط خمس طائرات تابعة لسلاح الجو الهندي، من بينها ثلاث طائرات من طراز "رافال" فرنسية الصنع، والتي تعد من أكثر الطائرات تطورًا ضمن المنظومة الجوية الهندية.
ولفت إلى أن تلك الاشتباكات لفتت أنظار المتابعين للتكنولوجيا العسكرية، لا سيما في المجال الجوي، حيث حمل إسقاط طائرات "رافال" دلالات مهمة على مستوى التوازنات العسكرية، ووضع الصناعات الدفاعية الفرنسية أمام تساؤلات لدى حلفائها، خاصة في ظل الترويج لهذه الطائرات باعتبارها من بين الأكثر تطورًا وكفاءة في العالم.
وأضاف العبدلي أن أول مواجهة جوية قتالية مباشرة بين باكستان والهند، والتي شهدت إسقاط هذه الطائرات، أسهمت في إعادة تقييم مكانة باكستان العسكرية دوليًا، ودفع العديد من الدول إلى السعي لبناء تحالفات عسكرية معها باعتبارها قوة صاعدة ومؤثرة.
وتابع أن هذه التطورات أعقبتها، بفترة وجيزة، زيارة نائب القائد العام للجيش الوطني الليبي، الفريق صدام حفتر، إلى باكستان، حيث التقى بعدد من القيادات العسكرية الباكستانية، إضافة إلى رئيس الوزراء الباكستاني، وأسفرت تلك الزيارة عن توقيع اتفاقيات تعاون مشترك بين الجانبين في ذلك التوقيت.
ولفت إلى أن من أبرز ملامح تلك الزيارة مشاركة رئيس أركان القوات الجوية الليبية، بهدف توقيع عدد من الاتفاقيات ذات الصلة بالتعاون العسكري، خُصُوصًا في المجال الجوي.
وفي المقابل، قام قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، بزيارة رسمية إلى ليبيا، أفضت إلى الاتفاق على جملة من التفاهمات المشتركة، وهو ما يؤكد توجّه القيادة العامة للجيش الوطني الليبي نحو تعزيز التعاون العسكري، لا سيما في مجال سلاح الجو، ودعم منظومة القيادة الجوية، سواء من خلال برامج التدريب، أو تبادل الخبرات، أو إمكانية اقتناء معدات وطائرات باكستانية، إلى جانب تنويع منظومات التسليح الجوي، بما في ذلك بعض الصواريخ الجوية، فَضْلًا عن توسيع التعاون في المجال البري.
وأكد العبدلي أن التعاون الليبي الباكستاني في هذا التوقيت يعد تعاونًا قويًا وذا أبعاد استراتيجية، إذ يمنح باكستان نفوذًا عسكريًا خارج حدودها ويعزز حضورها الدولي من خلال امتلاكها لحلفاء في مناطق جديدة، خاصة وأنها من الدول القليلة التي تربطها علاقات عسكرية بدول مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط.
وأشار إلى أنه رغم وجود تقارب سابق بين باكستان وبعض دول شمال أفريقيا، فإن تلك العلاقات لم تُترجم إلى اتفاقيات استراتيجية مؤثرة، بعكس التعاون الحالي مع القيادة العامة للجيش الوطني الليبي.
مؤكّدًا أن هذا التقارب يعكس سياسة تنويع الشراكات العسكرية التي تنتهجها القيادة العامة، في إطار بناء علاقات متوازنة شملت التعاون مع روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وقيادة القوات الأمريكية في أفريقيا، إضافة إلى تركيا، وَصُولًا إلى الشراكة المتنامية مع باكستان، بما يسهم في تعزيز قدرات الجيش الوطني الليبي وتوسيع خياراته الاستراتيجية.
شراكات جديدة
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الليبي عبد الله الديباني، أن زيارة رئيس أركان الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، والوفد العسكري رفيع المستوى المرافق له إلى مقر القيادة العامة في مدينة بنغازي، تحمل دلالات سياسية وعسكرية بالغة الأهمية، تتجاوز الإطار البروتوكولي، وتعكس تحولات نوعية في تَوَجُّهات المؤسسة العسكرية الليبية وعلاقاتها الخارجية، وكذلك في موقعها ضمن الخارطة الإقليمية والدولية.
وأوضح الديباني، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن باكستان تصنَّف ضمن الدول ذات القدرات العسكرية المؤثرة، وتمتلك خبرات واسعة ومتراكمة في مجالات التدريب العسكري، ومكافحة الإرهاب، والعمل الاستخباراتي، وحماية الحدود.
وبناءً على ذلك، تعكس الزيارة توجّه القيادة العامة للجيش الوطني الليبي نحو توسيع قاعدة شراكاتها العسكرية والانفتاح على نماذج وتجارب جيوش محترفة خارج الأطر الإقليمية والغربية التقليدية.
كما تشير إلى رغبة مشتركة في تبادل الخبرات، خصوصًا في مجالات مكافحة التنظيمات المتطرفة وبناء المؤسسات العسكرية النظامية، وهي ملفات تحتل أولوية بارزة في ظل التحديات الأمنية التي واجهتها ليبيا خلال السنوات الماضية.
وأضاف أن الزيارة تحمل، من الناحية السياسية، مؤشرات الاعتراف بدور القيادة العامة للجيش الوطني الليبي باعتبارها فاعلًا رئيسيًا في المشهد الليبي، وقوة منظمة قادرة على إقامة علاقات عسكرية رسمية مع جيوش دول ذات ثقل دولي.
كما تبعث برسالة واضحة إلى الأطراف الدولية مفادها أن مدينة بنغازي باتت نقطة ارتكاز دبلوماسية وعسكرية فاعلة، ولم تعد خارج معادلات التفاعل الإقليمي والدولي.
وعلى الصعيد الإقليمي، تندرج الزيارة في إطار التحولات الجارية في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تسعى دول مثل باكستان إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي والعسكري في شمال أفريقيا، في مقابل توجه ليبي لبناء شبكة علاقات متعددة الاتجاهات تقلل من الارتهان لمحاور بعينها.
وأكد الديباني أن هذه الزيارة تعكس توجّه القيادة العامة نحو اعتماد سياسة تنويع الشراكات الدولية، وعدم حصر التعاون العسكري في نطاق قوى تقليدية محددة.
معتبرًا أن الشراكة مع دولة مثل باكستان، التي تتمتع بعلاقات متوازنة مع قوى دولية مؤثرة، تمنح ليبيا مساحة أوسع للمناورة وتعزز من استقلالية قرارها العسكري.
وتعاني ليبيا من نزاع بين حكومتين، واحدة منحها البرلمان المنعقد في طبرق، أقصى شرق البلاد، ثقته، والثانية حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة، ويترأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة، إلا عبر انتخابات.