معابر خارج السيطرة.. كيف تحول التهريب إلى اقتصاد مواز في إقليم كردستان؟

تشهد معابر إقليم كردستان الحدودية مع إيران وتركيا تدفقا واسعا للبضائع خارج الأطر الرسمية، في عمليات تصنف على أنها تهريب منظم، تجرى بعيدا عن الإجراءات الحكومية والرقابة المالية، وتدر على جهات حزبية نافذة عشرات ملايين الدولارات شهريا، في وقت تعاني فيه حكومة الإقليم أزمة مالية خانقة تعيق قدرتها على دفع رواتب الموظفين.
Sputnik

اقتصاد الظل عبر 30 منفذا

ويؤكد تجار لحوم ومواد غذائية، خلال تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن جزءا كبيرا من اللحوم المجمدة المعروضة في أسواق الإقليم، بما فيها الدجاج، مصدره دول الجوار، إذ يدخل قسم محدود منها عبر الاستيراد الرسمي، بينما تمر الكميات الأكبر عبر طرق غير شرعية دون تسديد ضرائب أو رسوم، ما يسمح ببيعها بأسعار تقل كثيرا عن كلفة الإنتاج المحلي، الذي يواجه صعوبة متزايدة في تسويق منتجاته.
وتجرى عمليات إدخال البضائع غير القانونية أحيانا داخل أو قرب نحو 30 منفذا ومعبرا حدوديا، 20 منها غير معترف بها رسميا من حكومتي بغداد وأربيل، وتخضع لسيطرة جهات حزبية تمتلك أذرعاً أمنية خاصة.
وتفرض هذه الجهات "رسوما" أقل بنسبة تتراوح بين 20 و50% مقارنة بالضرائب الرسمية، ما يشجع التجار على اللجوء إلى هذه المسارات، وفقاً لنفس التجار.
وبحسب تقديرات تجار وموردين، تؤمّن هذه الشبكات غير الرسمية ما يقارب نصف احتياجات سكان الإقليم من المواد الغذائية، لا سيما اللحوم، إضافة إلى مواد البناء وقطع الغيار والأدوية وسلع أخرى.
بعد استهدافه... حكومتا إقليم كردستان والعراق تعقدان اجتماعا لبحث مستقبل حقل كورمور للغاز

من خزينة الحكومة إلى خزائن الأحزاب

ومنذ تأسيس إقليم كردستان عام 1991، شكّلت المنافذ الحدودية أحد أهم مصادر تمويل الحكومة، وفي الوقت ذاته إحدى أبرز نقاط الخلاف بين الحزبين الحاكمين.
ورغم أن القوانين النافذة تُسند إدارة المعابر لوزارة المالية والاقتصاد، إلا أن الواقع يشير إلى غياب إدارة موحدة بفعل النفوذ الحزبي والانقسام الأمني.
ويؤكد اقتصاديون، خلال حديثهم لـ"سبوتنيك"، أن الإقليم بات مركزا لأنشطة تجارية غير قانونية، تُدار بعيدا عن الأنظمة الضريبية، ما يحرم الخزينة العامة من إيرادات كبيرة، ويسهم في تراجع الموارد الشهرية للمنافذ الرسمية.
ويأتي ذلك في ظل غياب شبه كامل للرقابة البرلمانية، بسبب تعطّل المؤسسة التشريعية منذ نحو ثلاث سنوات، واستمرار عمل حكومة غير مكتملة الصلاحيات، بعد فشل القوى السياسية في تشكيل حكومة جديدة رغم مرور أكثر من عام على الانتخابات، بحسب أحمد عيد، الخبير الاقتصادي.

أرقام صادمة من داخل البرلمان

كشف عضو برلمان كردستان والرئيس الأسبق للجنة المالية فيه، علي حمه صالح، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "الأحزاب الحاكمة انتهجت أشكالا متعددة من التهريب عبر المعابر، بدعم من أجهزة أمنية تابعة لها، ما يدرّ عليها واردات مالية ضخمة".
وأشار إلى أن "الإيرادات الرسمية لبعض المنافذ، مثل برويزخان وباشماخ في السليمانية، تراجعت بنسبة تصل إلى 70%، ما انعكس سلبا على تمويل قطاعات حيوية كالصحة والتعليم"، وأوضح أن "الإيرادات الشهرية المعلنة للمحافظة انخفضت من نحو 150 مليار دينار إلى ربع هذا الرقم خلال الأشهر الأخيرة".
كما لفت صالح إلى فرض "ضرائب غير رسمية" على الشاحنات، تصل إلى 8 آلاف دولار لشاحنة البيض، و6 آلاف للدجاج، وهي أقل بكثير من كلفة الاستيراد النظامي.
كردستان تطالب بغداد بإجراءات "رادعة" بعد تحديد هوية منفذي هجمات المسيرات على منشآت الطاقة

رسوم بلا سند قانوني

في معابر ثانوية مثل معبر "بشته" في محافظة حلبجة، تُفرض مبالغ إضافية تحت عناوين غير واضحة على مواد البناء والمواد الغذائية، بحسب شهادات سائقين وموظفين.
وأكد أحد العاملين في المعبر، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "مئات الشاحنات تعبر يوميا، وتُستحصل منها رسوم لا تدخل خزينة وزارة المالية".
كما تُفرض رسوم “دعم مرضى السرطان” وعمولات مصرفية ورسوم وزن الشاحنات دون وجود آليات رقابية تضمن توجيه هذه الأموال إلى وجهتها المعلنة، بحسب قوله.
وأثار عدم خضوع معابر الإقليم لإشراف الحكومة الاتحادية أزمات مالية متكررة بين بغداد وأربيل، خاصة بشأن تسليم الإيرادات غير النفطية، وتقدّر بغداد هذه الإيرادات بنحو 300 مليار دينار شهريا، يفترض تسليم نصفها للحكومة الاتحادية، إلا أن المبالغ المحوّلة فعليا كانت أقل بكثير خلال عام 2025.
وأدى ذلك إلى قرار وزارة المالية الاتحادية إيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم في أيار 2025، ما فجّر أزمة سياسية انتهت باتفاق مؤقت يقضي بتحويل 120 مليار دينار شهريا من الإيرادات غير النفطية، وتسليم 230 ألف برميل نفط يومياً لشركة "سومو".
العراق.. توقف عملية إنتاج الغاز من حقل كورمو بإقليم كردستان بسبب هجوم بمسيرتين

خسائر بمئات الملايين

ويعترف مسؤول رفيع في وزارة مالية الإقليم بوجود فساد واسع في المنافذ، مقدّرا الخسائر الشهرية بأكثر من 100 مليون دولار.
وأكد المسؤول، في تصريحات صحفية تابعتها "سبوتنيك"، أن حجم الإيرادات الممكن تحصيلها "كبير جدا"، نظرا لأن هذه المعابر لا تخدم الإقليم فقط، بل تمثل شريانا تجاريا لملايين العراقيين.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن إيرادات المنافذ المعترف بها تصل إلى أكثر من 4 تريليونات دينار سنويا، في حين تحقق المعابر غير الرسمية ما بين 1.6 و2 تريليون دينار، خارج أي إطار قانوني.
مناقشة