وفي مقابلة مع "سبوتنيك"، أكدت الوزيرة أن إسرائيل تتنصل من التزاماتها وتعطل الانتقال للمرحلة الثانية المتعلقة بإعادة الإعمار، داعية الوسطاء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، إلى ممارسة ضغوط حقيقية لضمان وقف إطلاق النار شامل ومستدام، والسماح بدخول آلاف شاحنات المساعدات العالقة على الحدود المصرية.
وأكدت أن السلطة الفلسطينية هي المرجع الشرعي والإداري والقانوني الوحيد لإدارة قطاع غزة، محذرة من خطورة التحركات الإسرائيلية الرامية لفرض واقع جغرافي جديد عبر ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" أو بناء مستوطنات داخل القطاع، أو في الضفة الغربية.
وإلى نص الحوار..
بداية.. كيف تصفين الوضع في قطاع غزة في ظل التطورات الأخيرة من غرق الخيام واستمرار القتل والعدوان الإسرائيلي؟
الوضع في غزة لا يزال خطيرًا جدًا؛ فاليوم نرى الخيام وهي تغرق في مياه الأمطار والسيول. لدينا وقف إطلاق النار، لكنه ليس شاملًا؛ فمنذ توقيع اتفاقية وقف الحرب في شرم الشيخ، سقط أكثر من 420 شهيدًا فلسطينيًا، وثلاثة أمثال هذا العدد من الجرحى، أي قرابة 2000 شخص بين شهيد وجريح.
إذا كان هناك وقف لإطلاق النار، فيجب أن يكون شاملًا ومستدامًا، ولا بد للوسطاء الذين عملوا على الاتفاق، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، أن يضعوا حدًا لهذا الأمر، يجب أن يكون هناك وقف شامل يترافق معه إدخال المساعدات، فالمساعدات لا تدخل بالكميات المطلوبة للقطاع، وهناك آلاف الشاحنات التي لا تزال عالقة على الحدود المصرية.
ليس من المقبول أن يشاهد العالم الأطفال والنساء وكبار السن وهم يغرقون في المياه في ظل فصل الشتاء القارس بقطاع غزة، بينما تنتظر "الكارافانات" على الحدود، إن المطلوب في قطاع غزة عمل كبير حتى يصبح الوضع كما نصت عليه الاتفاقية على الأقل، والتي تضمنت بنودها وقفًا شاملًا ومستدامًا لإطلاق النار، وإدخال المساعدات، والبدء بمسألة التعافي في القطاع.
في ظل ما ذكرته من تعنت إسرائيلي في تنفيذ اتفاق شرم الشيخ.. إلى أي مدى تتوقعين الانتقال إلى المرحلة الثانية المتعلقة بإعادة إعمار غزة؟
من الواضح أن إسرائيل تتملّص وتعطل الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ، وهذا أمر معروف ومتوقع؛ إذ دائمًا ما يضع الاحتلال الكثير من التحديات والعراقيل أمام كل الاتفاقيات التي يتم توقيعها من أجل عرقلة تنفيذها، والمطلوب الآن هو المضي قدمًا حسب ما نص عليه الاتفاق من إعادة كل المحتجزين الإسرائيليين ورفاتهم، واليوم لم يبق سوى شخص واحد فقط على قائمة الانتظار.
لا يمكن لإسرائيل أن توقف المرحلة الثانية في ظل ما يعانيه الشعب في قطاع غزة، الذي يواجه الموت جوعًا وعطشًا وبردًا، وقد شاهدنا أطفالًا تجمدوا بسبب البرد الشديد. نريد الانتقال للمرحلة الثانية، حيث لم يتحقق من المرحلة الأولى فعليًا سوى إعادة الرهائن، بينما باقي البنود التي تم التوقيع عليها لم تنفذها إسرائيل.
تحاول إسرائيل تثبيت ما يعرف بـ "الخط الأصفر" ليصبح الحدود الجديدة مع غزة، وتحدث مسؤولون إسرائيليون عن بناء مستوطنات في القطاع.. ما خطورة هذه التحركات؟
دائمًا ما ننظر إلى أي تصريحات إسرائيلية بخطورة بالغة، في ظل العقلية التوسعية الاستعمارية التي نعرفها منذ عقود، وما يصرح به المسؤولون الإسرائيليون هو ما يجول بخاطرهم فعليًا. اليوم إسرائيل تقول ما تشاء، وبالنسبة لنا فإن قطاع غزة بأكمله جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأي تغيير في هذه الجغرافيا أو الديموغرافيا الفلسطينية هو مخالف للقانون الدولي، ولن يتم قبوله من قبل السلطة الفلسطينية، ويجب ألا تقبله أي دولة صادقت على اتفاق شرم الشيخ.
كيف تنظر السلطة الفلسطينية إلى "اليوم التالي" في قطاع غزة، وما هي الشروط التي تضعها الحكومة الفلسطينية للعودة لتولي زمام الأمور هناك بالكامل؟
بالنسبة للحكومة الفلسطينية، من الطبيعي جدًا أن تمارس سيادتها على الأرض الفلسطينية المحتلة إداريًا وقانونيًا وسياسيًا؛ فالسلطة الفلسطينية هي الذراع العملي لمنظمة التحرير، ومن الطبيعي أن تتولى زمام الأمور في القطاع، لكن يجب أن يتوفر الأمن والأمان حتى تستطيع الطواقم العمل بحرية.
لدينا موظفون في قطاع غزة في قطاعات مختلفة: الكهرباء، والمياه، والتعليم، والصحة، وهم موظفون يتبعون للسلطة الوطنية الفلسطينية، ويمكن تحضيرهم لاستلام زمام الأمور في القطاع.
وإذا كانت هناك مجموعة من "التكنوقراط" أو أي مجموعة أخرى، فيجب أن تعمل بشكل وثيق وحثيث مع السلطة الفلسطينية؛ لأن كل ما يجري في القطاع ينعكس مباشرة على الضفة الغربية. فإذا أردنا تطوير قطاع التعليم وسن القوانين الناظمة له، يجب الرجوع لوزارة التربية والتعليم في الضفة الغربية؛ فكل شيء يعود للأساس، ومن المهم والطبيعي أن تكون السلطة هي المرجع الأساسي لهذه القطاعات.
هل هناك حوارات جارية مع القوى الفلسطينية الأخرى من ضمنهم حماس لضمان سلاسة تسلم المهام الإدارية والأمنية في القطاع دون اصطدامات داخلية؟
هناك وسطاء يتواصلون مع الفصائل الفلسطينية المختلفة، وأعتقد أن هناك تفاهمات سيتم التوصل إليها وفقًا لاتفاق شرم الشيخ؛ ولأن من وقع على الاتفاق هي حركة حماس، فإن هناك نقاشات جارية مع الفصائل، ومن ضمنهم حماس، حول آلية الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية.
في ظل الدمار الهائل.. ما خطة الوزارة لحشد الدعم الدولي لإعادة إعمار غزة، وهل هناك مؤتمر قريب لطرح هذا الملف؟
من المفترض أن يكون هناك مؤتمر لإعادة الإعمار تقوده مصر، ونأمل أن يعقد هذا المؤتمر في القريب العاجل. وبالنسبة لنا في السلطة والحكومة الفلسطينية، فنحن نحشد منذ اليوم الأول الرأي العام العالمي للتوعية بحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة، وللتأكيد على أهمية إجراءات التعافي ومن ثم إعادة الإعمار.
وما هي خططكم بالنسبة لقطاع غزة؟
لدينا خطة حظيت بدعم عربي وإسلامي وعالمي، تتضمن بنودًا مختلفة لكيفية الانتقال خلال الستة أشهر الأولى في القطاع، ثم خلال عامين، ومن ثم في السنوات الخمس والعشر القادمة. الخطة تسير على مراحل تبدأ بالتعافي المبكر، ثم التعافي وإعادة الإعمار الخفيف، ومن ثم البدء بإعادة الإعمار بشكل موسع وشامل.
ذهب نتنياهو للقاء ترامب وهو محمل بالكثير من المخططات الاستيطانية في الضفة وغزة وملف تهجير الفلسطينيين.. كيف ترين خطورة هذه التحركات وإلى أي مدى يمكن أن تستجيب لها الإدارة الأمريكية؟
نأمل ألا يستجيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأي من المطالب الإسرائيلية؛ لأن اتفاقية شرم الشيخ واضحة، ولها متطلبات وبنود محددة يعلمها كل الأطراف. ونأمل أن يطلب ترامب بشكل صريح من الجانب الإسرائيلي الالتزام ببنود الاتفاق، والانتقال إلى مرحلته الثانية بعد انتهاء المرحلة الأولى.
بالانتقال إلى الضفة الغربية، هناك تسارع غير مسبوق في تعميق الاستيطان وبناء المستوطنات.. ما استراتيجيتكم الدبلوماسية لوقف عملية الضم الفعلي التي تقودها الحكومة الإسرائيلية الحالية؟
نحن مستمرون في التأكيد على أن أي تغيير في جغرافيا وديموغرافيا الأرض المحتلة هو إجراء باطل، لأنه ينتهك القانون الدولي. وسنستمر في قول ذلك رغم ما نراه على أرض الواقع من قضم للأراضي الفلسطينية على مدار عقود، والتي زادت وتيرتها في العامين الأخيرين وبالتحديد في العام الأخير؛ أي إضافة إسرائيلية للمستوطنات هي انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتضاف إلى سجل جرائم الاحتلال.
اليوم تقع المسؤولية على عاتق القانون الدولي، وعلى كاهل كل الدول التي صادقت على "وثيقة نيويورك" التي أكدت بشكل صريح أن هذه الأراضي هي أراض محتلة، ويجب لجم الاستيطان وكل ما يقوم به المستوطنون.
لدينا كذلك الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية التي نوهت لمسألة الاستيطان وقالت إنه غير شرعي، وشددت على ضرورة تفكيك منظومة الاحتلال بالكامل؛ وبالتالي نحن نحتكم لهذا القانون الدولي الذي يجب أن ينصف الشعب الفلسطيني، الذي لا يطالب بشيء سوى تطبيق العدالة الدولية.
بحديثكم عن إرهاب المستوطنين وما يشكله من خطر وجودي على القرى الفلسطينية.. هل هناك توجه لطلب حماية دولية فعلية على الأرض، وما هي العقبات التي تواجه هذا الملف؟
نحن بحاجة لحماية دولية في كل الأوقات، فالشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال وتمارس بحقه كافة الانتهاكات التي لا يمكن أن يتخيلها عقل. إذا وضعنا مبادئ حقوق الإنسان ميزانًا، سنكتشف أن الشعب الفلسطيني تنتهك بحقه كل الحقوق المنصوص عليها في القوانين الدولية.
نحن نطلب الحماية الدولية لشعبنا في غزة والضفة والقدس المحتلة، باعتبار أن كل هذه المناطق وحدة واحدة تمثل دولة فلسطين المحتلة.
أموال المقاصة المحتجزة لدى إسرائيل.. كيف تؤثر قرارات القرصنة المالية الإسرائيلية على قدرة الخارجية في تمويل بعثاتها الدبلوماسية والقيام بمهامها في فضح الانتهاكات؟
قرصنة الأموال الفلسطينية جريمة تضاف لجرائم الاحتلال، فهذه الأموال هي أموال فلسطينية من حق الشعب وحده، وهي منصوص عليها في الاتفاقيات المبرمة. وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، دأبت إسرائيل على قرصنة أجزاء من هذه الأموال، لكنها في الأشهر السبعة الماضية صعدت من هذا الإجراء ومنعت مجمل الأموال عن الحكومة الفلسطينية.
هذه الأموال حيوية جدًا فهي تغطي 65% من المصروفات الحكومية، ومن خلالها ندفع رواتب الموظفين ومعاشاتهم، ونمول الخدمات التعليمية والصحية وقطاعات الكهرباء والمياه.
إن منع هذه الأموال يؤثر على كافة مناحي الحياة، وعلى عمل الحكومة في الداخل، كما يؤثر على بعثاتنا في الخارج، فالسفراء والبعثات والعاملون في الخارج لا يحصلون على الدعم المطلوب، في مقابل الماكينات الإعلامية الإسرائيلية التي تعمل بكل قوتها؛ نحن نريد أن نكون على ذات المستوى من التأثير، لكننا نواجه تحديات كبيرة بسبب هذه القرصنة.
أين وصل ملف الدعاوى المرفوعة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهل تشعرون بوجود تباطؤ من قبل المدعي العام بسبب الضغوط السياسية أو لأسباب أخرى؟
المحكمة تنظر في هذه الدعاوى، ولكن من الواضح أن هناك ضغوطًا سياسية كبيرة تمارس عليها، ونأمل أن تواصل المحكمة عملها في متابعة كافة الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه.
نعم، العديد من الدول انضمت لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.. ما أهمية هذه الخطوة؟
بالطبع، إن انضمام أي دولة جديدة للدعاوى المرفوعة ضد الاحتلال الإسرائيلي وقياداته هو خطوة في غاية الأهمية، لأنها ترسخ مبدأ سيادة القانون الدولي وفعالية المحاكم الدولية.
مؤخرًا كانت هناك اعترافات متتالية من دول أوروبية بدولة فلسطين.. ما هي وجهتكم القادمة؟ ومن هي الدول التي تتوقعون أن تتخذ خطوات مشابهة في القريب العاجل؟
هناك أكثر من 30 دولة لا تزال لا تعترف بالدولة الفلسطينية، منها 15 دولة في آسيا والمحيط الهادئ، و15 دولة أوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة وبنما ودولتين في أفريقيا. نحن مستمرون في العمل مع جميع الدول، فكل دولة تحترم القانون الدولي يجب أن تعترف بفلسطين التي تستمد شرعيتها من هذا القانون، لكن نعرف أن بعض الدول قد لا تعترف الآن، والبعض الآخر جاهز للاعتراف لكنه بحاجة إلى قوة دفع أكبر، ونحن نقوم بما يلزم في ظل التحديات الدولية والإقليمية التي تواجه هذه العملية.
وإلى أي مدى ترجم الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين إلى خطوات عملية؟
العديد من الدول التي اعترفت بفلسطين بدأت بوضع شروط على تعاملها مع دولة الاحتلال، خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات والمستوطنين، وكذلك في مجالات التعاون التجاري والعسكري. نأمل أن تكون هناك إجراءات أوسع، لكن في النهاية، هذه الدول تسير في الاتجاه الصحيح.
حدثينا عن الخطوط الحمراء التي لا يمكن للسلطة الفلسطينية القبول بتجاوزها في أي مسار سياسي قادم؟
خطوطنا الحمراء واضحة وثابتة: رفض التهجير القسري، والتمسك بالقدس، ورفض عمليات الضم، وحماية حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير وعودة اللاجئين؛ فهذه حقوق أساسية لا يمكن التنازل عنها.
بحديثكم عن التهجير، بذلتم جهودًا كبيرة لمنعه.. إلى أي مدى نجحتم في هذه الخطوات برأيك؟
لقد نجحنا إلى حد كبير. إذا نظرنا لقطاع غزة اليوم، نجد أن أكثر من مليوني فلسطيني لا يزالون صامدين فوق أرضهم رغم المآسي والقتل والوحشية؛ فكل فلسطيني يفضل العيش فوق الركام على الهجرة خارج وطنه. شعبنا يتمتع بصلابة استثنائية، ونحن نعول على هذا الصمود، ونعلم أن الشعب الفلسطيني لن يترك أرضه.
لقد هجرنا في عام 1948، وحتى اليوم لا يزال أكثر من 14 مليون فلسطيني في الشتات والمخيمات ينتظرون حقهم في العودة، وهو حق مكفول دوليًا.
في ظل الاستقطاب العالمي الحالي.. كيف تصفون مستوى التنسيق والتعاون مع روسيا؟
العلاقة بين فلسطين وروسيا علاقة تاريخية ومتينة، روسيا لاعب دولي وازن، وقد وقفت مع الشعب الفلسطيني على مدار عقود، وتدعمنا بقوة في المحافل الدولية، لا سيما في مجلس الأمن؛ لذا فلدينا علاقات متميزة جدًا مع موسكو.
استضافت موسكو جولات للحوار الوطني الفلسطيني.. ما الذي يميز الوساطة الروسية عن غيرها، وهل هناك جولة قريبة تجمع الفصائل هناك؟
تتمتع روسيا بعلاقات جيدة مع القيادة الفلسطينية ومع كافة الفصائل، وقد استضافت العديد من جولات الحوار الوطني بنجاح، وهي تنطلق في جهودها من مبدأ "دولة واحدة، قانون واحد، وسلاح واحد".
إن لروسيا دور كبير ومهم في هذا الإطار، لكن لا أظن أن هناك موعدًا محددًا قريبًا لحوار وطني، لكننا نحرص دائمًا على استمرار الحوار الفلسطيني بقيادة روسية، لما تتمتع به موسكو من قبول وعلاقات متوازنة مع كل الأطراف.
كيف تقيمين عمل وكالة وإذاعة "سبوتنيك" في ظل الهيمنة الغربية على الرسائل الإعلامية؟
من المهم جدًا أن تتوفر الموضوعية لدى وسائل الإعلام في طرح السردية وإيصال الرسالة، "سبوتنيك" وكالة عالمية لها مكانتها المرموقة، ونحن نثمن دائمًا دورها في إيصال صوتنا ورسالتنا إلى العالم.