المحادثات بين الوزير سرغي لافروف ونظيره الفلسطيني رياض المالكي التي انعقدت الآن، وصفتها مصادر في الخارجية الروسية لنا بأنها تجري في أجواء تفاهم كامل" ولا تشوبها أي خلافات".
ليس سراً أن الفلسطينيين لا يعقدون الآمال على الوساطة الأمريكية في تسوية النزاع مع الإسرائيليين، وأن دفع الأمور يعود إلى تفعيل دور مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي وعدت روسيا بمساعدة الفلسطينيين فيه.
فخلافاً للأمريكيين، لا يعارض الروس انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية في ربيع هذا العام. وإذا كان الأمريكيون والإسرائيليون يسعون إلى زرع الشقاق بين الفلسطينيين، فإن موسكو تعمل على لمّ صفوفهم، والحديث بالدرجة الأولى عن حركتي فتح وحماس، كما باقي المنظمات الفلسطينية.
كما علمنا أن المباحثات مع الوفد الفلسطيني تناولت أيضاً الوضع في المنطقة: الأزمتان في كل من سوريا وليبيا، وكذلك العلاقة مع مصر والمملكة العربية السعودية.
هذا ويجري الوزير لافروف محادثات اليوم مع مجموعة الاتصال في منظمة اتتعاون الإسلامي المختصة بفلسطين والقدس الشرقية. وقد وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى موسكو للمشاركة في مباحثات اللجنة مع الجانب الروسي.
ويعرب ممثلو الأمم المتحدة عن مخاوفهم من أن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية قد تنفجر في أي لحظة، والأسباب واضحة للعيان: استمرار الاحتلال الإسرائيلي والإجراءات الجديدة التي تتخذها تل أبيب للضغط اقتصادياُ على الفلسطينيين.
لكن جدول زيارة الوزير المصري لا يقتصر فقط على المباحثات في الملف الفلسطيني، على رغم أهميته، فالمصريون يأملون أن تساهم روسيا بصورة فعالة في محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط. بل أن الأحاديث تدور على إنشاء تحالف دولي جديد لعملية عسكرية أخرى في ليبيا. فعدم الاستقرار الذي تعيشه ليبيا يمثل تهديداً لجارتها مصر وخطرا أعمّ وهذا ما تتفهمه موسكو جيداً.
ومع ذلك، استشفيت من مصادر دبلوماسية روسية أن طريقة تعاطي موسكو مع الوضع في ليبيا لن تختلف عما نشاهده في العراق أو سوريا، بمعنى أن روسيا مستعدة للتعاون الثنائي مع الحكومات الوطنية وسوف تعمل على تقوية قدراتها أمام الخطر المتنامي لتهديدات الجماعات الإرهابية.
كذلك روسيا على استعداد لتقديم العون إلى مصر خاصةً في عملياتها لمكافحة الإرهاب، سواء بالسلاح أو بالمعلومات، غير أن موسكو لا تستعجل في منح الضوء الأخضر لعمليات تدخل أجنبي جديدة، ذلك أن مخاطر العواقب كبيرة سواء لدولة بعينها أو لمنظومة العلاقات الدولية برمّتها.
ويرى مدير المركز الروسي للدراسات السياسية — الاجتماعية الخبير العسكري فلاديمير يفسييف أن "روسيا سوف تعمل بحذر. ولن ننجر إلى تحالفات عسكرية خاصة تلك التي تلعب الدول الغربية دوراً رائداُ فيها، وعلى الأخص فرنسا". ويضيف يفسييف أن روسيا سوف تدعم مصر معنوياً وسياسياً وتقنياً في مبادراتها إزاء ليبيا، إنما بمحاذير معينة: بما يبقي الكلمة العليا لمجلس الأمن الدولي".
ويلفت محدثنا الانتباه إلى مسألة أخرى متعلقة بزيارة الوزير المصري إلى موسكو، وهي توقيتها مع زيارة الرئيس القبرصي نكوس أنستادياس الذي ناقش مع الرئيس فلاديمير بوتين القضايا التي لا تخص قبرص فحسب، بل قضايا بلدان حوض البحر المتوسط، بما فيها مصر وليبيا وغيرهما. ويوحي الأمر بشكل حلف إقليمي جديد يمكن أن يضم بعض البلدان الأوروبية والعربية، بما فيها تلك البلدان الميالة اليوم إلى روسيا. ويأتي هذا على الرغم من مساعي الولايات المتحدة إلى عزل روسيا بسبب الأحداث في أوكرانيا.
وتمثل كل من اليونان وقبرص ومصر أضلاع هذا الحلف. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، التأمت قمة ثلاثية في القاهرة لرؤساء هذه الدول، وقد أطلق عليها آنذاك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "الحلف الجديد".
ويقول يفسييف " إن روسيا تحتاج إلى نقاط ارتكاز على شواطئ البحر المتوسط، ويأتي التعاون مع قبرض واليونان ومصر بفائدة كبيرة في هذا المجال. فنقطة الخدمة التقنية العائدة لروسيا في ميناء طرطوس السوري أضحت قديمة، ولا تفي بالغرض كلياً، ولا بد من البحث عن أمكنة أخرى، والإمكانيات متوفرة لدى مصر وكذلك قبرص".
وتأكيداً لذلك أعلن الرئيس القبرصي من موسكو أن روسيا ستستطيع استخدام قاعدة "أندرياس باباندريو" الجوية، وكذلك بإمكان السفن الحربية الروسية الدخول إلى ميناء "ليماسول" بصورة دائمة.
وبهذا، فإن روسيا تطرح تحدياً آخر أمام الولايات المتحدة الأمريكية، إنما هذه المرة بمعونة قبرص واليونان ومصر. ما العمل إذا كان الأمريكيون يفتقرون إلى المحبة في هذه البلدان، كما في فلسطين!
إلينا سوبونينا