لم تكن أم حسين تدري ماذا ينتظرها، وهي التي خرجت من منزلها صباحاً أملاً في أن تجد في ما تبقى من السوق، شيئاً تبتاعه، لمن تركتهما جائعتين.
تحول المشهد إلى ذعر وفوضى، وكان الغزاة يتراكضون في أزقة المخيم، يقتادون البشر، الذين لا يشبهونهم، الى المجهول.
وقالت أم حسين، وهي تتحدث بحسرة، لمراسل "سبوتنيك"، كانوا ملتحيين، شعورهم مجعدة وطويلة، ويرتدون رداءات سوداء، يمتشقون سلاحاً وذخيرة على أكتافهم. شرعوا باقتحام المنازل والمحلات التجارية واعتقال الشباب، وبخاصة هؤلاء الذين اتهموهم بتبعيتهم لتنظيم "أكناف بيت المقدس" المتشدد، مثلهم، والذي لا يختلف عنهم بشي، لا في فكره ولا مظهره.
واقتادوا أعدائهم إلى شارع المدارس، وكان هناك خيار واحد فقط، إما البيعة أو الموت. قطعت الرؤوس ورميت أمام البيوت، لكي يراها المشككين في قدرتهم على تنفيذ تهديداتهم.
في مدرسة زينب الهلالية في حي "التضامن" قصص كثيرة تروى أمام كاميرات المصورين الصحافيين، الذين تسابقوا لنيل صورة أو قصة ترويها العائلات الفارة من المخيم المنكوب.
وتؤكد "أم حسين" أنه لولا إتمام الاتفاق بين تنظيم "أكناف بيت المقدس" مع الجيش السوري، الذي ساعد الأهالي على الخروج، لما استطاعت هي والآخرين الخروج من حارتين فقط، عبر شارع لوبية، في حين بقى الكثيرون، وبينهم أطفال، محاصرين قابعين في منازلهم من دون طعام. كما أن مسلحو "يلدا" و "ببيلا" منعوا اللاجئين الفلسطينيين من الخروج بحجة أنه لا يسمح إلا "لابن البلد"، كما استغلوا أهالي المخيم برفع أسعار الخضار والمواد الغذائية بأكثر من خمسة أضعاف سعرها الحقيقي.
أما أماني التي حالفها الحظ بعدم رؤية "تلك الوجوه"، بينما كانت تسمع أصواتهم تتصاعد وهم يدخلون إلى ساحة "الريجة"، إلا أن تقدم الجيش السوري والفصائل الفلسطينية ساعدهم على الخلاص من مصير مجهول.
نظرت، وهي تتحدث وعينيها شاحبتين، وبدأت تصرخ من القهر والذكريات التي مرت بها، منذ أن أغلق طريق المخيم. كانت تذهب لشراء حاجياتها من "يلدا" و"بيت سحم"، حيث تعرضت كغيرها للاستغلال، فسعر كيلو الأرز وصل الى عشرة آلاف ليرة سورية، وهذا رقم كبير بالنسبة لها، فما كان منها إلا أن تبدل غرضها وتستعيض عن ذلك بشراء نوع من الخضرة البرية الرخيصة، التي تسمى "رجل العصفور"، وبثلاثة آلاف ليرة أيضاً! وقال مسئولون في الصحة أن هذه النبتة التي تسببت بتسمم الأطفال، وأدت الى الموت في بعض الأحيان.
ولم يسلم من مشاهدة همجية داعش المواطن علي حسن زغموت، وهو إمام وخطيب مسجد، وقد تجاوز الـ 70 من العمر، وروى أنه شاهد أربعة رؤوس مقطوعة، مرمية أمام الناس لترويعهم، ونيل تأييدهم.
وأفاد عز الدين يوسف، مسؤول الإغاثة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أنه تم إجلاء العائلات من مخيم اليرموك في المناطق التي قامت عناصر داعش باستخدامهم كدروع بشرية للوصول إلى مناطق الاشتباك، من جامع صلاح الدين إلى ثانوية اليرموك للبنات، واستطاعت اللجان الشعبية الفلسطينية بالتعاون مع الجيش السوري والدفاع الوطني إنقاذ 60 عائلة، بينهم 50 طفلاً، إلى المنطقة الآمنة عن طريق معبر البلدية حتى الوصول إلى مدرسة زينب الهلالية.
ولم يخف مسئول الإغاثة اكتشاف حالات مرضية بين الفارين من الخيم، حيث قامت "النقطة الطبية" بمعالجة بعض حالات الالتهاب الفيروسي ونقلها إلى مستشفى يافا، بالتعاون مع جمعيتي الهلال الأحمر الفلسطيني والسوري، إضافة إلى قيام مندوب من وزارة الصحة السورية بتوزيع الحالات المرضية على المشافي السورية، كما قامت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) بتوزيع الفرشات والأغطية للعائلات، وتولت جمعيتي "النور" و"الجفرة" توزيع المواد الغذائية .
وأوضح يوسف أنه يوجد حوالي 200 عائلة خرجت إلى يلدا و ببيلا، بينما بقي قسم من العائلات محاصرة في المخيم، ووضعهم مأساوي ويحظر عليهم التجول. كما قام "داعش" باعتقالات بين الشباب الفلسطيني وتنفيذ الإعدمات بحق الذين لا ينضمون إليهم.
وأوضح محمد شربجي مسؤول قسم المتطوعين في جمعية "نور للإغاثة والتنمية"، أن الأطفال في حالة نفسية مزرية، وتظهر بينهم حالات الانطوائية والانعزالية والخوف، علماً بأنه يتم تقديم بعض أنواع الدعم النفسي للأطفال، عن طريق أنشطة غير منهجية كالرقص والغناء، وينفذ برنامج الجمعية هذا، دوريا لمدة ثلاثة أشهر.