أيام الحرب الوطنية العظمى حدثت واقعة، لو لم يذكرها العقيد الألماني غيرخارد راوس الذي كان شاهدا عليها في مذكراته، لما صدّقها الكثيرون. فقد استطاع طاقم دبابة سوفييتية أن يؤخر لمدة يومين تقدم فرقة دبابات ألمانية من نخبة الفرق.
في 22 يونيو/ حزيران من عام 1941، هاجمت ألمانيا النازية الاتحاد السوفييتي بغتة وبدون إعلان حالة الحرب عليه. وجرت معارك ضارية على الحدود الغربية. في اليوم الثاني من الحرب، سيطرت فرقة الدبابات الألمانية السادسة على مدينة راسينياي الليتوانية، وتابعت وحداتها تقدمها نحو الشمال، لتصل إلى نهر دوبيسا مشكّلة رأس جسرعلى ضفته.
24 يونيو/ حزيران، قصفت هذه الدبابة رتلا من الشاحنات الألمانية المحملة بالوقود والذخيرة، فأحرقت منها 12 سيارة. بعد ذلك شغلت الدبابة موقعا على الطريق ولم تتحرك منه، لربما بسبب عطل المحرك أو نفاذ الوقود. كان بإمكان أفراد طاقم الدبابة السوفييتية "ك ف" تركها والانسحاب إلى الغابة، لكنهم قرروا البقاء وخوض معركة غير متكافئة — ستة مقابل فرقة بكاملها.
مر اليوم التالي من المعركة غير المتكافئة. لليوم الثاني، أفراد طاقم الدبابة السوفييتية بدون طعام وبدون ماء في قمرة الدبابة التي تحولت إلى ما يشبه الفرن من حرارة الشمس وانفجارات القذائف، يقفون بوجه فرقة كاملة. لم يعد يصدق الألمان ما يشاهدونه. قائد الفرقة السادسة الجنرال فرانتس لاندغراف كان غائظا جدا، فبدلا من أن تتقدم فرقته وتتابع هجومها، ها هي لليوم الثاني على التوالي تراوح مكانها، تقاتل دبابة سوفيتية واحدة وبدون جدوى. أمر الجنرال تدمير الدبابة بأي ثمن كان.
في يوم 25 حزيران، جلب الألمان من مدينة راسينياي عدة مدافع من عيار 88 مم، ولكي لا يلاحظها طاقم الدبابة السوفييتية، افتعل الألمان هجوما بالدبابات، ولكنهم لم يجرأوا على الاقتراب من الحصن السوفييتي. نجحت خدعة الألمان، لم يلاحظ أفراد الدبابة السوفييتية وجود المدافع خلف ظهرهم لأنهم كانوا يتابعون تحركات الدبابات الألمانية. وصمتت الدبابة السوفيتية "ك ف".
وجد الألمان داخل الدبابة جثث ستة جنود سوفييت. مأثرتهم البطولية أدهشت الألمان فقاموا بدفنهم وفق المراسم العسكرية.
بعد انتهاء الحرب الوطنية العظمى، نقلت رفات الأبطال إلى المقبرة العسكرية في مدينة راسينياي، حيث كتب على اللوحة التذكارية: هنا يرقد يورشوف ب.ي، وسميرنوف ف.أ، و بطل حروف اسمه ش.ن.أ، وثلاثة جنود مجهولون. من يدري، ربما ذات يوم نستطيع أن نعرف أسماءهم.