ولا شك أن تنامي الارهاب وانتشار الجماعات الارهابية — مليشيات اللا دولة — سببه انعدام الإرادة الدولية الحقيقية لمكافحة الإرهاب والتطرف، الذي يتلقى دعما وتمويلا غير محدود بالمال والأفراد، فضلا عن استمرار التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، وانتهاك حقوق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها، والاعتداء الصارخ على كل الأعراف والمواثيق الدولية، وازدواجية المعايير في مواجهة تحديات السلم والأمن الدوليين.
تواجه منطقة "الشرق الاوسط الكبير" أو "الشرق الأوسط الجديد"، مخطط آخر للتقسيم ولكن هذه المرة على أساس طائفي وديني، آلياته تلك العناصر لفصل المنطقة من هويتها الأصلية، و فرض وجودها من خلال تسهيل الاستيلاء على بعض المناطق، والوصول بالمنطقة إلى تلك الفوضى التي أعلنت عنها الولايات المتحدة للقضاء على الدولة الوطنية.
وفي هذا الإطار، تُستهدف كافة المواقع الأثرية الموجودة في سوريا بالتدمير، واكدت علي ذلك المديرة العامة لمنظمة التربية والعلم والثقافة، التابعة للأمم المتحدة، ايرينا بوكوفا، خلال اجتماع لجنة حماية التراث العالمي، نهاية يونيو/حزيران الماضي، عندما قالت "إن التراث مهدد في الوقت الراهن. ففي سوريا والعراق وليبيا واليمن ومالي، يتعرض التراث لتدمير وحشي ومتعمد، وذلك على نطاق غير مسبوق… وعلينا التصدي لمثل هذه الممارسات ".
وأدانت ممارسات الإرهاب في كافة المناطق الاثرية خصوصا، تلك التي تطال مدينة تدمر، شمال شرق دمشق، والتي تضم آثار مدينة كانت من أهم المواقع الثقافية في العالم القديم، وكانت مدينة تجارية تربط بين بلاد فارس والهند والصين والإمبراطورية الرومانية، وفي مفترق طرق بين حضارات متعددة في العالم القديم. وكانت المدينة في العصر الأموي مركز حضاريا يربط بين الثقافات والحضارات المختلفة، واحد المراكز التي عكست الهوية العربية الإسلامية.
لم تحصد سوريا على مدار السنوات الأربع الماضية، من ممارسات عناصر "اللا دولة" سوى الدمار والخراب وتهجير الملايين — بعد أن كانت الشام ملاذاً آمنا لكل اللاجئين من العرب- فتلك العناصر لا تهتم سوى بتنفيذ مخطط تدمير الدولة وتقسيم المجتمع على أساس عرقي وطائفي وديني، وانهاك سوريا الوطن والشعب، واضعاف الجيش الذي اعتبر احد اهم ركائز الامن القومي العربي.
ولم تتمكن المعارضة الخارجية من تقديم نفسها كمعارضة حقيقية قادرة على التوصل عبر الحوار السياسي إلى تحقيق استقرار نهائي للأوضاع، فهي منقسمة على نفسها منذ البداية، بسبب تداخل الاجندات الخارجية، وبرامجها انطلقت من واقع غير سوري، وخُلقت لإشعال مزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار، ودفع هذا البلد العربي الذي له أهميته الاستراتيجية عسكريا وسياسيا، إلى التقسيم، وتكرار سيناريو العراق.
اتفقت الولايات المتحدة وتركيا ودول إقليمية عربية على برنامج تدريب عسكري لمن قالوا عنهم "المعارضة السورية المعتدلة" كما توصلت انقرة و واشنطن إلى اتفاق يسمح بالتدخل العسكري في سوريا بحجة مواجهة تنظيم "داعش" وانشاء منطقة عازلة في الأراضي السورية، في انتهاك واضح لسيادة الدولة السورية ولكافة المواثيق الدولية.
يدرك الجميع ان هناك قوى اقليمية ودولية تحاول اسقاط الدولة السورية، وأن هذه القوى تعمل على تغيير الوضع والنظام السياسي، عن طريق تمكين عناصر "اللا دولة" والاستمرار في تنفيذ مخطط انتشار المنظمات الإرهابية وتفتيت الدولة، من شأنه تهديد الاستقرار في المنطقة والعالم.