وتدور على ألسنتهم العديد من الأسئلة حول حقيقة ما يدور، ومستقبل المنطقة في ظل تدهور الأوضاع في سوريا، ليبيا، العراق، اليمن، وعدم وضوح الرؤية كذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية — وهي قضية محورية ذات تأثير كبير رغم تراجعها إلى خلفية المشهد بعد استيلاء حركات الربيع العربي على كل الاهتمام منذ بدايتها عام 2011- وعدم حسم أمر الصراع العربي الإسرائيلي.
لكن إذا خرجنا من دائرة الشرق الأوسط إلى دائرة أوسع تضم العالم، سنتمكن حينها من فهم طبيعة الأمور في عصر ما بعد سيطرة القطب الواحد، الذي تحاول الولايات المتحدة الحفاظ عليه بكل ما أوتيت من قوة، في محاولة للحيلولة دون دخول أطراف جديدة تشاركها السلطة، خاصة مع عودة روسيا للمشهد العالمي بقوة في الفترة الأخيرة.
وبعد نجاح الولايات المتحدة في انهاء الوجود السوفييتي في أفغانستان، ثم انهيار الاتحاد السوفييتي، احتلت الولايات المتحدة العراق تحت سمع وبصر الجميع، تحت ذريعة حيازة صدام حسين لأسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت عدم صحته فيما بعد. وخططت لنشر الفوضى في منطقة الشرق العربي — بالتعاون مع بعض القوى العربية إضافة لتركيا — وحققت مرادها بعزل معمر القذافي وغيابه عن المشهد بقتله، وصولا إلى الحرب في سوريا، مدعية أن سوريا ستكون أفضل بدون بشار الأسد وأن هذا في مصلحة الشعب السوري. كل هذا من خلال حرب وكالة وظفت فيها قوى إسلامية متطرفة، حصلت على كل أشكال الدعم لتدمير سوريا، تفتيت العراق وليبيا. ولم تكن مصر بعيده عن هذا المشهد، وما نراه في سيناء والغرب المصري ليس إلا استمرارا لمحاولة الولايات المتحدة فرض واقع جديد تسوده الفوضى، يخدم مصالحها ومصالح الحلفاء، وعلى رأسهم إسرائيل.
ومع استعادة الدب الروسي لبعض عافيته في بداية الألفية الجديدة، تحت قيادة فلاديمير بوتين، شرعت روسيا في تعزيز وجودها في سياق منطقة النفوذ السوفييتي السابق، في حاولة لإعادة إحياء نفوذها السياسي، وتقوية موقفها الاقتصادي والاستراتيجي على النحو الذي يعود بها فاعلة في المشهد الدولي. ومع توقيع شركة غازبروم الروسية اتفاقية تفاهم مع أهم شركة غاز طبيعي في الجزائر — شركة سوناتراك — عام 2006، بدا وكأن موسكو قد عقدت العزم على توسيع دائرة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وكان اختيارها للجزائر ليس من قبيل المصادفة، نظرا لأن الجزائر من أهم موردي الغاز لأوروبا. ثم كانت محاولة روسيا لدعم علاقتها مع حركة حماس تقدما آخر على صعيد وجودها في المنطقة.
ثم شرعت روسيا في تنفيذ خطوات أخرى جادة لدعم وجود فعال في منطقة الخليج العربي، من خلال بروتوكولات تعاون مع دول السعودية، والإمارات، والكويت، وغيرها. كما تحاول روسيا إعادة علاقتها بمصر —هذه الدولة المحورية في منطقة الشرق الأوسط- إلى مرحلة ما قبل أنور السادات.
ومع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وفريقها كطرف أساسي في المسألة الأوكرانية للحيلولة دون إضافة جديدة للقوة الاستراتيجية الروسية، خرجت روسيا لدائرة أوسع لتقديم العون للحليف السوري من خلال المشاركة في حملة عسكرية لضرب الإرهاب المدعوم من الولايات المتحدة ومعسكر الحلفاء، الغربي والعربي، لينكشف تماما المخطط الأمريكي القائم على تخريب المنطقة العربية ونهب ثرواتها، مستغلة عددا من الأمور: الصراع المذهبي كما في سوريا والعراق، الصراع القبلي في ليبيا، أوهام المعسكر السني الغني، أطماع الوهابية.
ولم يكن التحرك الروسي نحو سوريا إلا محاولة للدفاع عن أمنها القومي، نظرا لخطورة تمدد وجود هذه الجماعات الإرهابية مثل داعش إلى الداخل الروسي، سواء في الجمهوريات الإسلامية داخل روسيا، أو في منطقة الطوق الإسلامي حول روسيا.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)