ومن الأسباب الخارجية المحورية التي دفعت الدب الروسي نحو دور فاعل على الساحة الدولية كانت حاجة العالم إلى التوازن الذي أصابه الخلل نتيجة نظام القطب الواحد، وهو ما وافق الطموح الروسي في هذه المرحلة، كما لبى احتياج الساخطين، ممن فاض بهم الكيل، على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد تسيدت الولايات المتحدة العالم وفرضت عليه قانونها، مما خلق أوضاعا كارثية في مناطق مختلفة من العالم. لذا كانت عودة روسيا للعالم بمثابة طوق نجاة، وتحجيما لسيطرة الولايات المتحدة على مقادير العالم. وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، هناك العديد من الخطايا التي ارتكبتها الإدارة الأميركية في التعامل مع قضايا عديدة، وبالأخص القضايا التي تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، منها كيفية تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الملف الفلسطيني، وحالة الانحياز الكامل للجانب الإسرائيلي، مع تجاهل كامل للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني.
قد ارتكبت إدارة أوباما العديد من الخطايا التي أضرت بمصالح الشعب السوري ولم تخدمها على الإطلاق، أدت لتقوية شوكة الجماعات الإرهابية داخل الأراضي السورية، والتي خلقت وضعا كارثيا هناك، ولم يحقق الشعب السوري سوى الخراب والدمار والتشريد. فكان لجوء بشار الأسد إلى روسيا طالبا العون منطقيا، وبالطبع استجابت موسكو معلنة عودة الدب الروسي لمنطقة الشرق الأوسط، مما أحدث نقلة نوعية للمنطقة على المستوى السياسي والاستراتيجي والعسكري، فباعت روسيا غواصات عسكرية لمصر، وستقوم ببناء مفاعلات نووية في مصر، وللسعودية والأردن، إضافة إلى أنها عقدت عدة صفقات تسليح للعديد مع الدول العربية. وكان لصعود التيار الإسلامي (الخريف الإسلامي) عام 2012، الذي تلا اندلاع موجات التظاهرات في العديد من الدول العربية، ما يعرف بـ "الربيع العربي" عام 2011، جاء العامان 2013، 2014 ليفتحا الأبواب على مصراعيها لعودة الروس بقوة للمشهد السياسي والاستراتيجي في المنطقة. وقد أحدث التدخل العسكري الروسي ربكة حقيقية لإدارة أوباما المرتبكة بالفعل، وكشف العديد من الأسرار التي تم التعتيم عليها، وزاد من موقف الرئيس أوباما صعوبة، كما لقي قبولا وترحيبا متزايدا من الشعوب العربية التي رأت في التدخل الروسي طوق نجاة للمنطقة من تجبر وتسلط وعجرفة الولايات المتحدة الأمريكية.
.وبعد زوال حكم الإخوان في مصر، دخلت الدولة المصرية مرحلة جديدة من العلاقات مع روسيا. وكان هذا بسبب عدم ثقة القاهرة في الولايات المتحدة، التي دعمت حكم الإخوان ووصفت ما قام به السيسي انقلابا عسكريا. وكانت الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات العربية، قد خصصت معونات كبيرة لدعم جمهورية مصر العربية كي تقف على رجليها بعد الهزة الاقتصادية العنيفة التي تعرضت لها جراء حالة الركود التي صاحبت الحراك الثوري. اتجهت مصر نحو روسيا لتنويع مصادر السلاح، عقدت صفقات سلاح لتطوير الجيش المصري، وامداده بأحدث الأسلحة الروسية، غواصات وطائرات حربية من طراز "ميغ 29"، كما تخطط مصر وروسيا لتوقيع اتفاقات عسكرية طويلة المدى. كما ستقوم روسيا ببناء مفاعل لدولة الأردن بغرض استخدامه في توفير الطاقة. إذاً فإدارة أوباما أصبحت أمام عدة مآزق ستضعها على المحك، فقد فقدت الولايات المتحدة ثقة الشارع والإدارات على السواء تماما، وانكشفت مخططاتها التي تستهدف تمزيق الدول العربية إلى دويلات متناحرة، ودعمها لأشرس الجماعات الإرهابية التي عرفها العالم في الفترة الأخيرة، ولا تدرك الإدارة الأمريكية التي خلقت "داعش" من العدم أن هذا التنظيم المتطرف قد يتحول ضدها فيما بعد، وضد فريقها من الحلفاء، موجها ضرباته القاتلة، كما حدث في أحداث باريس الأخيرة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)