كان لمقولة ماكس فايبر "نزع السحر عن العالم" تأثيرا كبيرا على حياة الكثيرين من المفكرين والحركات التي أثرت في قطاعات عريضة من الناس في كافة أنحاء العالم، ويمكننا اعتبار الوهابية والكالفينية مثالان على هذا. وقد تأثر المفكر السعودي في بداية حياته بأفكار ماكس فايبر، بل وكان من أكبر مؤيدي الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية.
وقد شارك القصيمي في حملات الدفاع المستميت عن الوهابية ضد أي هجوم، مثلما فعل عندما قام الشيخ يوصف الدجوي بالهجوم على الوهابية في مجلة "نور الإسلام"، من خلال عدة مقالات: توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، التوسل وجهالة الوهابيين، التوسل والاستغاثة، فكان رد القصيمي من خلال مؤلفه "البروق النجدية في اجتياح الظلمات الدجوية" عام 1931، وقد استعان القصيمي في رده على الشيخ يوسف الدجوي بأقوال ابن تيمية، ابن القيم، ومحمد ابن عبد الوهاب. لكن أكثر مواقف القصيمي تطرفا، كانت في تأييده لفكرة الإجراءات القمعية ضد المخالفين مثل موسوليني وهتلر.
يرى القصيمي كذلك أن وضع المرأة في المجتمعات الإسلامية سيء للغاية، في كثير من الأوساط الاجتماعية، حيث تتحمل أعباء فوق طاقتها، إضافة إلى حرص بالغ على حرمانها من التعليم، كما أن هناك تركيز كبير على الفصل بين الجنسين، وكأن المرأة خلقت للجنس فقط، واقتصار دورها على الأعمال المنزلية وإنجاب الأطفال. ومن المشاكل التي يراها القصيمي حقا عويصة مشكلة الجمود والاعتبار أن الماضي هو كل شيء، وأن ما فعله الأجداد والآباء أمر لا يمكن تجاوزه، ولا يجب التجرؤ عليه. وقد دفع ذلك القصيمي إلى اعتبار أن العقل الإسلامي لا يزال يعيش في مرحلة الطفولة، وما ذاهب إليه القصيمي في كتابه، تناوله من قبل فرويد من خلال كتابه "مستقبل وهم". كما هاجم القصيمي الأفكار الدينية الخاطئة التي تشجع على الكسل، التواكل، التسويف، التأجيل، القدرية، غياب التفكير السببي، الإيمان بالسحر، الجبرية.
ومن ناحية أخرى، ورغم أن جميع الأديان السماوية تنادي بالتسامح والتفهم والرحمة، إلا أن الكثير من المجتمعات التي تؤكد مرارا وتكرارا على أنها تمثل أرقى القيم، إلا أنها في حقيقة الأمر ليست كذلك. وبما أن القصيمي في الأصل مفكر سعودي، فلو أخذنا المملكة العربية السعودية مثالا، وهي مركز الدعوة الوهابية، فهي تعتبر من النماذج التي تعكس قدرا كبيرا من التناقض في تعاملها مع البشر، وفي مواقفها السياسية كذلك، وقد يصل الأمر إلى حد الوحشية والتجبر، كما حدث في العديد من القضايا التي اتهم فيها سعوديون باغتصاب أطفال من قبل رجال سعوديين، أو بالتعدي الجنسي على نساء أجنبيات. هنا يكون التناقض في أوج صوره. إن السعودية تطبق قوانين دينية صارمة، تحارب الاختلاط بين الجنسين، تدعي أنها تحارب الفساد في شتى صوره، لكنها تغض الطرف عنه في الكثير من الأحيان. السعودية تحرّم المثلية الجنسية، رغم أنها من الظواهر الشائعة، فالسعودية تحتل المرتبة الثانية في العالم على محرك البحث جوجل في البحث عن المثليين.
الغريب أن المجتمع السعودي لا يدين المثلية الجنسية طالما تقوم بدور إيجابي في العلاقة، إنما العيب والعار على صاحب الدور السلبي في العلاقة. وما ينطبق على التعامل مع البشر يسري على السياسة، فللدولة السعودية مواقف غريبة تنافي القيم التي تدعو لها، فنظرة بسيطة على الوضع في اليمن، تجعل عينك تدمع دما من هول المأساة التي يعيشها اليمن، وليست سوريا أو فلسطين ببعيد عن هذا المشهد التراجيدي المؤسف.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)