ومنذ استجابة موسكو لطلب السلطة الشرعية المعترف بها دوليا في سوريا التدخل عسكرياً لمساعدة الشعب السوري، أعلن الكرملين أن الهدف من العمليات يتركز في القضاء على الاٍرهاب وبؤر التطرّف التي تسعى إلى تدمير مقدرات الدولة السورية، وحماية الأمن القومي الروسي من خطر انتشار العنف والإرهاب.
والهدف الاستراتيجي للعمليات العسكرية، هو عدم السماح بتصدير التطرف إلى مناطق أخرى خصوصاً آسيا الوسطى، أو شمال القوقاز، وسد الطريق أمام عودة آلاف المسلحين المتطرفين الذين ينتمون إلى منطقة القوقاز، ودفع المسار السياسي لتسوية تحافظ على وحدة الأراضي السورية، من خلال حوار سوري- سوري بعيداً عن الإملاءات الخارجية.
عجز المعارضة السورية عن الاتفاق واستمرار الانقسام، يعود في الأصل إلى غياب أجندة سورية نابعة من معاناة البشر والحجر من دوامة العنف والتطرف التي تضرب البلاد، ويمثل عقبة حقيقية أمام عودة سوريا إلى دورها الإقليمي والدولي.
وبنظرة شاملة إلى الموقف الروسي من الأزمة السورية، فإن موسكو كتبت النهاية الحتمية لنظام القطب الواحد المتفرد بصياغة مستقبل العالم وفق مصالح ورغبات واشنطن، وأن التعاون والاحترام المتبادل سبيلا أكثر إيجابية من المواجهة والصراع، كما أن الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية تبنت رؤية الكرملين في ضرورة الحفاظ على المؤسسات السورية، وأن صيغة التغيير يجب أن تكون سورية، ومن هنا ظهرت مباحثات "جنيف" و"فيينا"، فضلا عن المشاورات المتواصلة بين الأطراف المؤثرة في الأزمة الساعية إلى إنقاذ المنطقة من خطر التقسيم.
وإعلان موسكو عن بدء انسحاب القوات الرئيسية من سوريا بالتزامن مع الزخم الكبير الذي تحظى به المفاوضات السياسية بين كافة الأطراف خاصة موسكو وواشنطن، يحمل الكثير من الدلالات التي لا يمكن النظر إليها بعيداً عن مجريات الأحداث في المنطقة والعالم، ورسالة سلام إلى كل الأطراف بعد تلك الرسالة التي وصلت إلى كل التنظيمات الإرهابية ومن يتعاون معهم في استهداف مستقبل الشعوب المستقرة بالفوضى والطائفية والتقسيم.
وتظل الرسالة الأهم والأبرز هي أن العالم قد تغير، ولم يعد بوسع أحد فرض السيطرة والهيمنة، انطلاقاً من منظور سياسي ضيق يتجاهل مصالح المجتمع الدولي في الاستقرار والأمن وحوار الحضارات والثقافات، وأن روسيا ستظل جزءاً من استراتيجية مواجهة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة والعالم.