ما يشهده المجتمع الدولي اليوم من صراعات ومواجهات، يدفع إلى العودة بالذاكرة إلى عام 2007، وإلى خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول قضايا الأمن الدولي، خلال مؤتمر ميونخ، حيث وضع الجميع أمام ضرورة تحمل مسؤولياتهم إزاء الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتجنب الصراعات الطائفية، وأهمية صيانة المصالح المشتركة لكافة الأطراف، في إطار من ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي المعاصر.
1
الرئيس فلاديمير بوتين يمثل رمزاً لشعب يمتد تاريخه إلى أكثر من ألف عام، ويتميز بسياسة خارجية مستقلة، أكد أن ما يواجه العالم من أزمات يعود إلى تمسك الغرب بالمواجهة لا المشاركة، وممارسة سياسة الهيمنة والسيطرة التي تجاوزت الحدود الوطنية في كافة الميادين في الاقتصاد والسياسة وفي الميدان الإنساني.
2
الإجراءات الأحادية الجانب وفي الغالب غير القانونية لم تحل مشاكل المجتمع الدولي، بل تحولت إلى مصدر لمآسي إنسانية وبؤر توتر جديدة. وكانت سببا في ظهور نزاعات متتالية الواحدة تلو الأخرى… "ظهرت أخطار لم تكن معروفة من ذي قبل، ولكنها اكتسبت اليوم طابعا عالميا مثل الإرهاب. وأنا على قناعة بأننا اقتربنا من النقطة الحرجة عندما يتوجب علينا التفكير مليا بجد بشأن كل بنيان الأمن العالمي".
"قضايا الأمن الدولي أوسع بكثير من قضايا الاستقرار السياسي العسكري. وهي تتمثل في ثبات الاقتصاد العالمي، والقضاء على الفقر، وكذلك الأمن الاقتصادي، وتطوير الحوار بين الحضارات. وينعكس هذا الطابع الشامل للأمن في مبدئه الأساسي "أمن كلٍ هو أمن الجميع".
3
دعا الزعيم الروسي إلى ضرورة الانطلاق من البحث عن توازن معقول بين مصالح كافة أعضاء المجتمع الدولي. وهذا لاسيما الآن عندما تشهد الساحة الدولية المتغيرات السريعة نتيجة التطور الديناميكي لعدد كبير من الدول والأقاليم، موضحاً أن الطاقات الاقتصادية لمراكز النمو العالمي الجديدة ستتحول بلا ريب إلى نفوذ سياسي وستعزز نزعة تعدد الأقطاب. وينمو بشكل ملموس دور الدبلوماسية المتعددة الأطراف. ولا بديل للصراحة والشفافية والوضوح في التنبؤ في السياسة. أما استخدام القوة فيجب أن يكون إجراء استثنائيا.
4
"الآلية الوحيدة لاتخاذ القرارات بشأن استخدام القوة العسكرية بمثابة الإجراء الأخير تتمثل في ميثاق الأمم المتحدة… ولا يجوز استبدال الأمم المتحدة لا بالناتو ولا بالاتحاد الأوروبي. وعندما ستوحد المنظمة الدولية قوى المجتمع الدولي التي بوسعها الرد على الأحداث في بعض البلدان وعندما يتم التخلص من الاستخفاف بالقانون الدولي، فمن الممكن أن يتغير الوضع ويتجنب المجتمع الدولي الدخول في طريق مسدود وتضاعف الأخطاء الجسيمة".
5
أوضح بوتين أن أجزاء جدار برلين الخرسانية تحولت إلى تحف تذكارية منذ أمد، مؤكداً "لا يجوز في نفس الوقت نسيان أن سقوطه تيسر، بما في ذلك، بفضل خيار شعبنا ـ شعب روسيا ـ التاريخي في صالح الديمقراطية والحرية والانفتاح والشراكة الصادقة مع كافة أعضاء الأسرة الأوروبية الكبيرة. أما الآن فيحاولون فرض جدران وخطوط تقسيم جديدة، ولتكن افتراضية، ولكنها تقسم قارتنا المشتركة. فياترى هل ستنشأ من جديد حاجة إلى سنين طوال وعقود وتغير عدة أجيال من السياسيين بغية "تحطيم وإزالة" هذه الجدران الجديدة؟".
6
سياسة روسيا في التعامل مع التحديات وفي العلاقات مع الخارج لن تتغير، فهي تقرأ بشكل جيد التغيرات التي تطرأ على المجتمع الدولي، وتقيّم بواقعية إمكانياتها وقدراتها، وتسعى للتفاعل مع شركاء مسؤولين ومستقلين أيضا، للعمل المشترك على إقامة نظام عالمي ديمقراطي وعادل يضمن الأمن والازدهار لا للنخب وإنما للجميع.
7
الدرس الذي ألقاه بوتين على صانعي السياسة الغربية، كان محاولة من زعيم روسيا المعنية بتحقيق الاستقرار والأمن، لتجنب المشهد الراهن وتفشي خطر قوى التطرّف والإرهاب، لكن يبدو أن الغرب لم يع الدرس جيداً، ولم يسع إلى الشراكة الحقيقية مع شعوب لن تقبل بعودة سياسة القطب الأوحد لإدارة شؤون المجتمع الدولي، وبالتالي عليه أن يتحمل عواقب اختياره.