وحكومة الوفاق التي تم تشكيلها برئاسة فائز السراج، تواجه صعوبات وتحديات كبيرة، أمام الشروط المفروضة عليها من جانب البرلمان الذي يملك وحده حق منح الثقة، بينما يظل الخلاف حول مصير حقيبة وزارة الدفاع وقيادة الجيش الليبي، الملف الأكثر تعقيداً بين الطرفين ــ المجلس والبرلمان.
انتقال المجلس الرئاسي إلى "طرابلس" لم ينه الانقسام السياسي والعسكري بين الشرق والغرب، ورغم نجاح المجلس حتى الآن في تثبيت أقدامه وتأكيد وجوده على الأقل سياسياً، وإزالة كافة العقبات التي يمكن أن تساهم في تقليص حدة التوتر والخلافات مع القوى التي كانت تسيطر على الغرب الليبي، خصوصاً قادة ما يعرف بـ"فجر ليبيا" التي تتكون من قوى إسلامية متشددة، فإن البرلمان متمسك بالبقاء في طبرق ويرفض الانتقال على غرار المجلس الرئاسي.
وجهود المجلس في الوصول إلى مرحلة الوفاق وتسوية الخلافات مع القوى المسيطرة في الغرب، تتزامن مع محاولات إزالة جبل الجليد مع الشرق الذي يرفض ترشيح، مهدي البرغوثي، لحقيبة الدفاع وعزل "حفتر" المدعوم من عدد من أعضاء المجلس الرئاسي، ومن أبرزهم "علي القطراني" و"عمر الأسود" بإعلان انسحابهما من المجلس احتجاجاً على تغيير قائد الجيش.
البرلمان الليبي المعترف به دولياً يدعم الجيش بقيادة حفتر، ويشترط حضور الحكومة بكامل تشكيلها المقترح أمام البرلمان صاحب القرار والشرعية في منح الثقة لهذه الحكومة، كذلك فهناك قوى إقليمية مؤثرة تساند البرلمان في موقفه وترفض عمل حكومة الوفاق في حماية مليشيات عسكرية مدعومة من الخارج بالعناصر والمال والسلاح.
وبسبب تلك الأخطاء الفادحة للغرب، يزداد المشهد الليبي تعقيداً بانتشار الجماعات الإرهابية وتنظيم "داعش" الذي بدأ يستقطب عناصر متطرفة ومرتزقة من مناطق مختلفة من العالم، خاصة الهاربين من واقع العمليات العسكرية الروسية في سوريا، وأصبحت تمثل قوة عسكرية مخيفة، حيث ينتشر ما يقرب من 5000 مقاتل وتسيطر على مناطق "سرت" و"درنة" ومناطق من "بنغازي"، الأمر الذي يثير مخاوف مصر التي تدعم برلمان "طبرق" والجيش وحفتر، وقامت بتعزيز الإجراءات الأمنية بنشر القوات الخاصة بطول الحدود، كما أغلقت الحدود تحسبا لتسلسل العناصر الإرهابية.
وتستعد القاهرة لعقد جلسة مشاورات مع الفرقاء الليبيين خلال المرحلة المقبلة، للبحث عن حل للأزمة، وسبل تجاوز معضلة قائد الجيش الحالي بمشاركة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، عضو المجلس الرئاسي علي القطراني، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ونائبه أحمد معتيق، وعدد من أعضاء البرلمان.
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أكد خلال اجتماع دول الجوار الليبي الذي عقد بتونس نهاية مارس/آذار الماضي، على بقاء مجلس النواب ممثلا لآمال وتطلعات الشعب الليبي في الوحدة والأمن والاستقرار، كما دعا إلى "مواصلة التمسك بدور مجلس النواب كونه يظل الظهير الشرع الوحيد للاتفاق السياسي، والذي بدونه لن يكتمل البناء المؤسسي الليبي، ولن يتسنى استكمال باقي خطوات الانتقال السياسي من إقرار التعديلات المطلوبة للإعلان الدستوري، وإصدار التشريعات المنظمة لحياة المواطن الليبي، واعتماد خطط الحكومة وميزانيتها، وممارسة الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية".
وشدد على ضرورة الحفاظ على تماسك المؤسسات الليبية ومن بينها القوات المسلحة الليبية وتجنيبها مخاطر أية خطوات من شأنها شق صف هذه المؤسسة وإضعافها، كما تواصل مصر حثها المجتمع الدولي على تقديم أشكال الدعم للمؤسسات الأمنية الليبية ومنها توفير التدريب والتأهيل وكذلك رفع الحظر عن تصدير السلاح للقوات المسلحة الليبية حتى تتمكن من القيام بدورها في مكافحة الإرهاب.
رؤية مصر للمشهد الليبي — ربما تكون رؤية مشتركة مع دول الجوار — يظهر فيها الجيش بقيادة اللواء خليفة حفتر، كصمام أمان في مواجهة الجماعات المتطرفة المنتشرة في البلاد خصوصا المناطق الشرقية المتاخمة للحدود المصرية، ولكن تظل معضلة اللواء خليفة حفتر "مثيرة للقلق" مع استمرار الخلاف بين المجلس الرئاسي والبرلمان الذي تعتبر القاهرة الظهير الشرعي الوحيد لاتفاق الصخيرات والذي بدونه لن يكتمل البناء المؤسسي الليبي.