مع الأيام القليلة المقبلة سيتعرف العالم مع الشعب الأمريكي على المرشحين لخوض المرحلة الأخيرة من الانتخابات بين مرشحي الحزبين الأكبر "الديمقراطي" و"الجمهوري" والمقرر إجراءها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على أن يتسلم الرئيس الجديد مهام منصبه في يناير/كانون الثاني من العام 2017 ليسدل الستار على شخصية "باراك أوباما" الذي ترك إرثاً ثقيلا من الملفات المعقدة، ووضع الإدارة الجديدة أمام تحديات خارجية وداخلية.
لا يمكن التنبؤ بنتائج الانتخابات، فهي بالفعل تشهد منافسة قوية، بينما اللافت أن من بين المرشحين وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، وفي حال فوزها تكون أول امرأة تتقلد هذا المنصب الرفيع في الولايات المتحدة، خاصة وأنه من المرجح ان يكون الطريق ممهداً حتى تصبح مرشحة الحزب الديمقراطي.
ويعود اهتمام المجتمع الدولي بالانتخابات الأمريكية إلى محاولات التعرف على شخصيات المرشحين وما يخملونه من برامج وآرائهم المتعلقة بعدد من الملفات ذات الطابع الدولي، ورؤيتهم لمسار القضايا الإقليمية والدولية، حتى يمكن التعرف على ملامح الخطوط العريضة لسياسة الإدارة الجديدة وكيف سيكون حال البيت الأبيض مع سكانه الجدد.
الحملات الانتخابية للمرشحين الدمقراطيين تتناول القضايا الداخلية أكثر من تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية، في حين أن الحزب "الجمهوري" اعتاد على طرح رؤيته للقضايا الخارجية، مستفيداً بنتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى ثقة المواطنين في الجمهوريين عند إدارة ملفات تتعلق بالسياسة الخارجية أكثر من الديمقراطيين.
يرى الجمهوريون أن أوباما فشل في السياسة الخارجية وترك إرثاً مثقل بالملفات المعقدة، خصوصا تلك التي تتعلق بالشرق الأوسط، والعلاقات مع أفريقيا، وروسيا والصين، وأوروبا، فضلا عن انتشار الإرهاب والتطرف، بينما يعول الديمقراطيون على ما تتمتع بها وزير الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، من خبرة في إدارة ملفات السياسة الخارجية، وفرصة جيدة للفوز والاحتفاظ بالمنصب الأرفع في البلاد لولاية ثالثة على التوالي.
يرحل أوباما تاركاً العالم يعيش أزمات، ساهمت سياسته في خلق بعضها وفي تصاعد وتيرة المواجهات، خصوصا الشرق الأوسط، حيث أزمات سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، لبنان، فضلا عن القضية الفلسطينية التي تراجعت في سلم أولويات التحرك الجاد من جانب المجتمع الدولي، بحجة أن انتشار تنظيم "داعش" الإرهابي، وما يمثله من خطر على السلم والأمن والدوليين، متجاهلين أن عدم البحث عن تسوية عادلة للقضية الفلسطينية يفتح الباب أمام تصاعد العنف والمواجهة وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم.
كذلك فإن الاتفاق النووي مع إيران، أصبح أحد أبرز الملفات الحاضرة في سباق الرئاسة، فالديمقراطيون يؤيدون الاتفاق، وبالتالي فلن يكون هناك أي قلق من التزام الإدارة الجديدة بالاتفاق في حال فوز الديمقراطيين بالمنصب، بينما وصول رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض يجعل الملف يعود إلى المربع الأول، خاصة وأن الحزب أعلن عن رفضه للاتفاق وعن نية الانسحاب منه في حال تولي منصب الرئيس.
يتفق كل من الجمهوريين والديمقراطيين، على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل واستقلاليتها ودفاعها ومصالحها ينبغي أن يشكل جزءاً أساسياً من السياسة الأمريكية الخارجية، ولك يختلفون في سبب تدهور العلاقات خلال المرحلة السابقة، فالجمهوريون يحملون أوباما مسؤولية هذا التدهور، في حين ان الديمقراطيون لا يعتبرونه مسؤولا عن أي تعقيدات شهدتها العلاقات بين الجانبين.
لاشك أن السياسة الخارجية الأمريكية لها ثوابت لا يمكن أن ترتبط بشخصية الرئيس أو الحزب الذي ينتمي إليه، وبالتالي فإن على المجتمع الدولي عدم التفاؤل تجاه احتمالات تغيير الولايات المتحدة من سياستها، وان القاسم المشترك بين الحزبين هو تحقيق مزيد من التمدد والنفوذ، خصما من مصالح وحقوق الشعوب الأخرى، وعدم الاكتراث بالمواثيق الدولية.