يرحل أوباما تاركا إرثا ثقيلا من الكذب والخداع والمناورة والفشل، وبعد أن خلقت سياسته مزيد من التوترات والأزمات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي، من دون ان تستثني المصالح الأمريكية في الداخل أو حول العالم.
أوباما الذي استهل سياسته بالتوجه إلى العالمين العربي والإسلامي، وحاول أن يتجمل كثيرا في خطابه بجامعة القاهرة، واستمعت النخبة لمقطوعة موسيقية شاذة وتخللها عبارات ومصطلحات وكلمات، استهدفت تضليل النخبة ومن ثم المجتمع، وكأنك أمام رجل قادم من عالم آخر غير المجتمع الأمريكي، حتى ظن البعض أنه عاد إلى الإسلام مدافعا عنه بآليات الثقافة الأمريكية.
اعتقدت النخبة أن مرحلة تاريخية جديدة تبدأ مع أول رئيس للولايات المتحدة يحمل إرث أفريقي وإسلامي، ومتصدرا المشهد في الحراك السياسي العالمي، كان في إطار التضليل الأكبر القادم من خلف الأطلنطي، بهدف محو عار العنصرية الذي يطاردهم، والتخلص من وصم المجتمع بقيامه على إرث من العبودية والتمييز الذي لا تزال يضرب المجتمع المتشدق بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.
استمرت السياسة الأمريكية في الانحياز الكامل للمصالح الإسرائيلية والدعم الشامل عسكريا وسياسيا واقتصاديا وعدم اتخاذ اي خطوات جادة تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة، ولم تظهر إدارته أي جدية في تسوية عادلة بل تراجعت القضية الفلسطينية أمام تلك الفوضى التي خلقتها سياسة أوباما في المنطقة وانتشار للإرهاب والتطرف العنيف، والعبث بالثقافة العربية الإسلامية، والعمل على تقسيم المنطقة على أساس ديني وطائفي.
ويواصل أوباما التضليل عندما يزعم خلال لقاء مع شبكة تلفزيون "سي بي إس" بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعتبر أوروبا الموحدة تهديداً لبلاده، وأضاف" ينظر السيد بوتين عادة إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والشراكة عبر الأطلسي بأنها تهدد السلطة الروسية… أظن أنه مخطئ." بالتالي وفق رؤية أوباما فإن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الاوروبي بمثابة تهديد للقوة الروسية.
السيد أوباما يقدم للعالم صورة خادعة لما يجري من أحداث في أوروبا وخاصة الشرق القريب من الحدود الروسية، ولم يذكر أن حلف شمال الأطلسي، هو حلف عسكري تم تأسيسه في مقابل حلف "وارسو" وكان يتعين الإعلان عن تفكيك هذا الكيان بعد زوال حلف المعسكر الشرقي بانهيار الاتحاد السوفيتي، لكن واشنطن تمسكت باستمراره في إطار استراتيجية المواجهة، والتوسع شرقاً واستقطاب دول الاتحاد السوفيتي السابق سواء من خلال ما يعرف بـ "الشراكة الشرقية" أو تقديم الدعم السياسي لأنظمة الحكم الموالية ودفعها للمواجهة مع روسيا وعدم المشاركة مع تلك الدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية، وتلك المخططات بدأ تنفيذها مع الثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا، وكانت سببا في خلق صراعات داخلية، وفوضى وتوتر وعدم استقرار، بينما الشعوب الباحثة عن التنمية والأمن والاستقرار وحدها التي تدفع الثمن.
روسيا تسعى إلى تعزيز التعاون والشراكة على أساس من الاحترام المتبادل بين الدول وتحقيق المصالح المشتركة، ولا تسعى للمواجهة مع أوروبا أو الحلف العسكري للغرب، فهي لم تتوسع وتقترب من حدود أوروبا، وهي تحافظ على مصالحها في مواجهة سياسة التوسع التي لا أساس لها في القانون الدولي المعاصر أو مواثيق الأمم المتحدة.
السيد أوباما يضلل المجتمعات، ويكذب على شعبه وعلى شعوب العالم، فهو لم يكن مختلفا عمن سبقوه، وشعوب العالم ستظل ساخطة عليه، لأنه لم يف بوعوده، ولم يبذل الجهد اللازم لتسوية قضايا خارجية بحكم ما يملكه من نفوذ وأوراق ضغط سياسي قادرة على تحقيق تسوية عادلة للقضايا الشرق أوسطية والاقتصادية الدولية وتنمية المجتمعات وتعزيز الاستقرار. لم يكن لديه الإرادة، كان ضعيفا عاجزاً، واليوم يحاول أن يتجمل بالكذب والخداع والتضليل.
المقال يعبر عن رأي الكاتب