أجرت "رويترز/اسبوس" استطلاعاً للرأي على الانترنت في الولايات المتحدة حول النظام الانتخابي الأميركي، في الفترة الممتدة ما بين 21- 26 نيسان أبريل الجاري، أكد غالبية المستطلعة آراؤهم فيه (51%) أنهم يعتقدون أن "نظام المندوبين يزوَّر لصالح بعض المرشحين"، ورأى 71% أنه من الأفضل اختيار المرشحين بالتصويت المباشر وإلغاء دور المندوبين الذين يلعبون دور الوسيط، في حين قال ما يقارب 30% إنهم لا يفهمون النظام الانتخابي الأميركي، وعبّر 44% عن عدم فهمهم لسبب وجود مندوبين وسطاء في انتخاب المرشحين، وجاءت الآراء متقاربة بين أنصار الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي" على حد سواء.
وعندما يتوجه الأميركيون لانتخاب رئيس جديد لبلادهم فإنهم عملياً لا يختارون رئيسهم مباشرة، بل يمنحون أصواتهم لأحد المندوبين في الولاية التي يصوت فيها، وذلك لأن نظام انتخابات الرئاسة الأمريكية يقوم على ما يدعى بـ"المجمع الانتخابي"، ويحتاج المرشح للرئاسة الأمريكية إلى 270 صوتا — أي النصف زائد واحد — على الأقل من مجمل أصوات أعضاء "المجمع الانتخابي" البالغ عددهم 538 مندوباُ. ومن غير المفهوم أن المواطنين في العاصمة واشنطن لا تحتسب أصواتهم في الانتخابات، كما أن واشنطن غير ممثلة في مجلس الشيوخ، وفشلت كل المحاولات في تصويب هذا الخلل وإعطاء سكان واشنطن حقهم في التصويت والتمثيل.
ومن مساوئ النظام الانتخابي الرئاسي الأميركي أنه لا يعبر عن تصويت الناخبين، والمثال الأبرز على ذلك في انتخابات عام 2000 فاز جورج بوش الابن بالانتخابات (آنذاك)، على الرغم من أنه حصل على أصوات أقل من منافسه الديمقراطي آل غور بفارق 540 ألف صوت، وذلك لأن بوش حصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي (271 صوتاً) ليصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
ناهيك عن معضلة النظام السياسي في الولايات المتحدة، لجهة الثقافة السياسية السائدة لدى الرأي العام الأميركي، والدور الذي تلعبه الاحتكارات المالية والشركات الكبرى و"جماعات الضغط" المختلفة في العملية الانتخابية، وتوجيه الرأي العام من خلال وسائل الإعلام المملوكة لها، وقدرة المجتمع على الوصول إلى المعلومة الصحيحة، واضمحلال الفوارق العملية والجوهرية بين سياسات الحزبين الأكبر، "الديمقراطي" و"الجمهوري"، والخلل في بنية النظام الانتخابي بما ينقض أصول الديمقراطية.. الخ.
لكن ذلك لا يمنع الماكينة الإعلامية الأميركية الضخمة من مواصلة التشدق بأن الولايات المتحدة هي "الديمقراطية الأكبر في العالم"، ووصف النظام السياسي الأميركي بأنه "الأكثر رسوخاً وريادية"، واعتباره قدوة يجب على شعوب العالم أجمع أن تقتدي بها في بناء أنظمتها السياسية والتعبير عن إرادتها الحرة، بزعم أن "النظام السياسي الأمريكي يجسد إرادة أمة ديمقراطية ويعبر عن تطلعاتها"، على الرغم من تشكيك 51% من الأميركيين أنفسهم بنزاهة النظام الانتخابي الأميركي.. مفارقة أميركية بامتياز في بلد تاريخه ونظامه السياسي قائم أساساً على المفارقات.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)




