١
والمشهد العام للتطورات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وما فيه من تحديات خطيرة تواجه مستقبل الدول العربية الكبرى؛ بداية من العراق إلى اليمن مروراً بسوريا ومصر وليبيا والسودان واليمن، فضلاً عن تصاعد التوتر بين العرب وإيران؛ تبدو سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعيش أكثر مراحل تاريخها هدوئاً واستقراراً، مع بداية تلاشي هاجس المخاوف والتهديدات التي كانت تؤرق قادة إسرائيل.
٢
الخلل في ميزان القوى داخل المنطقة، يساعد إسرائيل التي تسابق الزمن في طمس الذاكرة بل الهوية العربية عن الحجر والبشر، وتواصل مسلسل تهويد التاريخ والجغرافيا مستغلة مشاهد الصراع الدموي وانشغال دول المنطقة بمشاكلها الداخلية، وما ترتب على ذلك من ضعف سياسي في مواجهة ممارسات الاحتلال، حتى وضعت الهوية الثقافية للعرب في الاراضي المحتلة بين مطرقة التطرّف وسندان الاستسلام وضياع الحقوق المسلوبة.
٣
على غرار تنظيم "القاعدة" فإن ممارسات تنظيم "داعش" لا تستهدف أو تهدد قوات الاحتلال، ورغم خسارته لمساحات واسعة كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، فهو قادر على الانتشار فكريا في مناطق مختلفة واستقطاب عناصر جديدة تؤمن برؤيته المتطرفة للإسلام وهي على استعداد لتنفيذ عمليات تخريبية، وبالتالي فالعرب باتوا ولعقود طويلة في انشغال دائم بمواجهة هذه العناصر كأولوية عند إقرار عقيدتها الأمنية وسياستها الخارجية والداخلية، بالتزامن مع تصاعد النعرات الطائفية واشتعال الصراع العرقي، وتزايد المخاوف من التدهور الأمني والتقسيم.
٤
إسرائيل تعزف على وتر التوتر بين العرب وإيران، والاستفادة من هوة الخلافات بين الجانبين، وتسعى الى توسيع دائرة العلاقات السياسية مع الدول العربية الأخرى غير مصر والأردن، من خلال الترويج لما تقول عنه "تحقيق المصالح في مواجهة الخطر المشترك" وبدأت في تنفيذ سياستها من خلال بعض الاتصالات السرية مع هذه الدول والتي تشير إليها التقارير الصحفية والأخرى الصادرة من مراكز الدراسات الدولية المرموقة والتي تكشف عن مشاركة شخصيات عربية بارزة جنبا الى جنب مع قيادات سابقة وباحثين من إسرائيل في مناقشة مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
٥
في ضوء استمرار الانقسام الفلسطيني الذي يبدو وكأنه صورة مصغرة لانقسام عربي وإسلامي شامل، فلم يتقدم المجتمع الدولي خطوة واحدة في اتجاه الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل سياسة فرض الأمر الواقع على الجميع، وفشلت محاولات العودة الى المفاوضات؛ حتى المبادرة العربية التي يمكن ان تحقق لإسرائيل تطبيع سياسي كامل مع الدول العربية لا سيما المملكة العربية السعودية؛ لم تلق آذان صاغية في تل أبيب، وأصبح مصير المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي جديد، غامضاً بعد إعلان حكومة نتنياهو رفض المقترح الفرنسي.
٦
رغم الحروب والصراعات التي تشهدها المنطقة؛ وحالة الاستنفار التي تحولت اليها كثير من دول المنطقة والعالم، لمواجهة خطر الاٍرهاب والتطرف، نكتشف أن الحكومة الإسرائيلية لا تشعر بأي خطر أو تهديد عسكري مباشر. وتواصل تعزيز قدراتها العسكرية الهجومية والدفاعية؛ ولديها متسع من الوقت بعيداً عن الضغوط يساعدها في بسط سطوتها وتغيير خريطة الأرض، وربما التحكم في مصير ومستقبل المنطقة، بينما تُنهك الجيوش العربية في مواجهة الجماعات الإرهابية وتنخرط في صراعات طائفية مدمرة.
٧
يبدو أن المحيط الاستراتيجي لإسرائيل خالياً من أي تهديد في ظل ضعف وتفكك الدول التي كانت تعتبرها خطر يهدد وجودها، وهي غير مستهدفة من جانب الجماعات التي تتناحر من حولها. ولأول مرة في تاريخ المنطقة تكون إسرائيل خارج دائرة الصراع الجاري، وأن المخطط المعد مسبقاً واستهداف الدول العربية الكبرى بالتقسيم على أساس طائفي، يحقق في نهاية المطاف المصالح الإسرائيلية، ويجعل العرب أمام تحديات كبيرة.
المقال يعبر عن رأي الكاتب