عقود مليئة بالأحداث والمواجهات، وتاريخ يأبى النسيان ويؤكد أن فلسطين لا تزال تنبض بالحياة، ونزيف الألم لن يوقف النضال في سبيل استعادة الحقوق، ولن تستسلم لوعود ممنوحة ممن لا يملك إلى من لا يستحق.
وبالتزامن مع احياء ذكرى النكبة الكبرى، تتواصل جهود المجتمع الدولي لوضع نهاية لأقدم صراع في المنطقة، حيث تستضيف العاصمة الفرنسية في ٣٠ مايو/ آيار الجاري اجتماعا دولياً لبحث سبل العودة الى مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في ظل محاولات إسرائيلية بدعم أمريكي لإفشال اي جهد يمكن ان يساعد في حلحلة الوضع الراهن.
يشارك في الاجتماع ما يقرب من ٢٠ دولة الى جانب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، من دون مشاركة فلسطينية أو إسرائيلية تجنباً لفشل الجهود الفرنسية في ظل الإعلان الرسمي للحكومة الإسرائيلية — الطرف الرئيسي في النزاع — برفض المبادرة بينما رحبت السلطة الوطنية الفلسطينية بجهود باريس في إطار المرجعيات الدولية لعملية السلام والتي تفضي الى حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية على حدود ما قبل عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
تراجع فرنسي
ترى الدبلوماسية الفرنسية في استمرار الجمود الذي تشهده القضية الفلسطينية، تهديد بتصاعد حدة الصراع في ضوء المشهد غير المستقر إقليمياً ودولياً، ومن هنا جاءت المبادرة التي تستهدف العودة سريعاً إلى المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع وتحت رعاية دولية من خلال مجموعة دولية تضم دولا عربية والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي، والاتفاق على إطار زمني مدته عامين للانتهاء من المفاوضات والتوصل إلى اتفاق نهائي يُنهي الصراع ويعلن عن دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
ترفض اسرائيل المبادرة بذريعة موقف باريس المؤيد لقرار المجلس التنفيذي لليونيسكو في الرابع عشر من ابريل/ نيسان الماضي عن "فلسطين المحتلة" ويهدف الى "الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني والطابع المميز للقدس الشرقية" في حين أن الرفض الإسرائيلي له أسباب أخرى تدركها كافة القوى الإقليمية والدولية.
رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، الذي يستعد لزيارة تل أبيب خلال الفترة من ٢١الى ٢٤ مايو/آيار الجاري، في مهمة احتواء الغضب الإسرائيلي ومحاولة إقناع نتنياهو بالمبادرة، وصف قرار اليونسكو ب "المؤسف" مشيرا الى أن " فرنسا لن تنكر الوجود اليهودي في القدس لا اليوم ولا غدا"، ونتمسك بسياستنا تجاه النزاع الإسرائيلي الفلسطيني".
اسرائيل ترفض أي مبادرات غير أمريكية
يدفع الارتباط التاريخي بين إسرائيل والولايات المتحدة، الحكومات المتعاقبة منذ ظهور الدولة العبرية برفض أي جهد او مساع او مبادرات يتم صياغتها من دون تنسيق مباشر معها أو على أقل تقدير مع واشنطن التي اتسمت سياستها واستراتيجيتها في المنطقة بتعزيز مواقف إسرائيل السياسية وقدراتها العسكرية في المواجهة مع الدول العربية.
وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أعلن أن بلاده تدرس الاقتراح الفرنسي، واشترط مشاركته في الاجتماع المقبل بتعديل بنود المبادرة وبالتالي تأجيل انعقاد الاجتماع، في الوقت الذي يطالب فيه الكونغرس إدارة أوباما بالتصدي لأي محاولة دولية لما قالوا عنه "فرض الحل على طرفي الصراع" وطالبوا بزيادة المساعدات العسكرية السنوية لإسرائيل.
التعديلات التي تريدها واشنطن وتل أبيب على المبادرة الفرنسية هي أن تتضمن اعترافا فلسطينياً بإسرائيل دولة يهودية، وهذا ما أكد عليه نتنياهو في تصريحاته مؤخراً والتي دعا من خلالها إلى لقاء الرئيس الفلسطيني، وقال إنه يدعم حل "دولتين لشعبين دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية".
الاعتراف بيهودية إسرائيل سيترتب عليه القضاء على حق عودة ما يزيد عن ٥ مليون فلسطيني الى بيوتهم واراضيهم التي سلبها منهم وعد بلفور القديم، كما تدفع فلسطيني الداخل الى الهجرة القسرية، فضلا عن القبول بكافة الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال لمحو الهوية العربية في الاراضي المحتلة وتكريس الطابع اليهودي، خصوصا في المدينة المقدسة، ويقضي على الأسباب الحقيقية للصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل.
سياسة واشنطن تجاه اسرائيل؛ لا تتغير بتغير الادارة ما بين الجمهوري والديمقراطي، وهي سياسة داعمة لتوجهات الإسرائيليين، وتظل السبب في فشل كافة الجهود الدولية الرامية الى إنهاء الصراع، وتقتل عن عمد حل الدولتين، ومن منا لا يتذكر ما عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش عند افتتاح مؤتمر" أنابوليس" للسلام في الشرق الأوسط عام ٢٠٠٧؛ باعترافه بإسرائيل "كوطن قومي للشعب اليهودي" وتأكيد الحكومة الإسرائيلية آنذاك على أن أي مفاوضات يجب ان تنطلق من هذا الاعتراف.
الخلاصة:
التعنت الاسرائيلي المتواصل؛ وقدرة اللوبي اليهودي على ممارسة الضغوط السياسية على الغرب، السبب الحقيقي في اجهاض كافة جهود العودة لمفاوضات تفضي الى دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وكأن هناك وعد جديد على غرار "وعد بلفور" يمنح الإسرائيليين مزيد من الوقت للاستيلاء على ما تبقى من اراض بالتوسع الاستيطاني والاعتراف بيهودية الدولة، والرضوخ لمطالبهم والصمت على ما يرتكبون من انتهاكات ومخالفة كافة المواثيق الدولية والاتفاقيات، بينما تواصل فلسطين التمسك بحقها في الحياة رغم تلك الأشواك المزروعة في طريق الآلام.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها