بهذه الفقرة التي وردت في الإعلان المشترك الصادر في ختام الاجتماع الذي شاركت فيه دول الجوار الليبي والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، والسعودية، والإمارات وألمانيا والأردن وإيطاليا ومالطا والمغرب وإسبانيا، تكون ليبيا قد بدأت مرحلة جديدة في ظل استمرار الانقسام السياسي وانتشار بؤر التطرّف والإرهاب، وتكون القوى الدولية قد سحبت بساط الشرعية من تحت أقدام البرلمان المنتخب من الشعب الليبي.
الغرب نجح في خلق مناخ من عدم الثقة بين الأطراف الليبية المختلفة، في الوقت الذي تتمدد فيه التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة وتسيطر على مزيد من الأراضي، كما أنه تعمد تجاهل دعوات الجيش الليبي، بقيادة الجنرال خليفة حفتر، والبرلمان، في المرحلة السابقة لرفع حظر توريد السلاح لمواجهة العناصر الإرهابية التي باتت تشكل خطرا حقيقيا ليس على الليبيين فقط بل على دول الجوار والمجتمع الدولي.
بينما يواصل الجيش الليبي بقيادة حفتر، مواجهة التنظيم الإرهابي في شرق البلاد، ومع اقترابه من مشارف مدينة "سرت" معقل التنظيم، يتم الإعلان عن تشكيل حكومة وفاق قوامها 18 وزيرا من دون موافقة البرلمان، كما تم الإعلان عن تشكيل ما يُعرف بـ"الحرس الرئاسي" في محاولة لإضفاء الشرعية على المليشيات المسلحة والتي ينتمي أغلبها إلى جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية الأخرى التي تنضوي تحت ما يعرف بـ "فجر ليبيا".
اللافت أن التشكيل الوزاري الذي أعلن عنه المجلس الرئاسي الليبي جاء قبل اجتماع فيينا، وكأن هناك توافق بين المجلس الرئاسي مع الولايات المتحدة وإيطاليا لسحب الشرعية من البرلمان إلى السراج الذي فتحت أمامه أبواب طرابلس التي تسيطر عليها قوات "فجر ليبيا" وتأتمر بأوامر قيادات الجماعات الإسلامية خصوصا هؤلاء العائدين من أفغانستان.
البرلمان المنتخب يطالب بضرورة حضور المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المقترحة من بعثة الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج، بكامل أعضائه لجلسة التصويت الرسمية التي سيعقدها مجلس النواب في الموعد الذي يتم تحديده لحسم منح الحكومة الثقة المطلوبة، كذلك يطالب الوزراء بعرض السيرة الذاتية لكل عضو بالحكومة وبرامجهم.
تساؤلات عديدة حول موقف الدول والأطراف التي تدعم الميليشيات المسلحة أو تغاضي الغرب عن نشاطها خارج إطار القانون والشرعية، وصل إلى استهداف قيادات من الجيش والشرطة في العاصمة طرابلس، وهل يمكن اعتبار هذه العناصر التي احترفت الاغتيالات والتطرف والإرهاب، نواة للحرس الرئاسي، ومن ثم الجيش الذي تعتزم الحكومة تشكيلها وتسليحها بدعم من القوى الغربية.
شرعية الحكومات تستمد من الثقة الممنوحة من البرلمان المنتخب من الشعب، لا من القوى الخارجية التي تسعى إلى فرض سياسة محددة على دول المنطقة، وبالتالي فإن اعتماد السراج وحكومته على ثقة القوى الغربية، غير كاف، وأن تجاهل الحصول على ثقة البرلمان من شأنه تصاعد حالة التوتر والانقسام في البلاد، وهو ما تستغله القوى التي لا تريد الخير لهذا البلد العربي، ولا تسعى إلى تحقيق التوافق الذي يصب في صالح الشعب الليبي.
الغرب الذي منح حكومة السراج شرعية تمثيل الشعب الليبي أمام المجتمع الدولي، واستعداده إلى تسليح جيش ملامحه هي عناصر من الجماعات الإسلامية، إنما يكرس لحالة الانقسام التي تعيشها البلاد، ويعزز من مخطط التقسيم إلى ثلاث مناطق هي "برقة ـ طرابلس ـ فزان"، ولكل منطقة جيشها ومؤسساتها السياسية، وتتسع هوة الخلافات وفقدان الثقة بين الأطراف الليبية، كذلك يطرح السؤال المهم، من يملك الشرعية هل هو الغرب أم البرلمان أم المجلس الرئاسي أم الشعب الليبي الذي يرفض التدخلات الأجنبية وسيطرة الإسلاميين؟!
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)