الطائرة تحطمت في أجواء البحر المتوسط الذي يعج بالقوات البحرية لعديد من الدول في ضوء ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من توترات وأوضاع أمنية غير مستقرة، خصوصاً بعد اندلاع أحداث ما يُعرف بـ "الربيع العربي".
الانتهاء من التحقيقات وإعلان كافة النتائج بشفافية وحده الكفيل بالكشف عن الغموض الذي يحيط بالحادث الأليم، وحتى يتم ذلك فإن كافة الفرضيات في أسباب الحادث تكون واردة منها العمل الإرهابي، الخطأ البشري، العواصف والجيوب الهوائية، والأعطال الفنية وعيوب التصنيع خاصة تلك التي لا تسمح لقائد الطائرة بإرسال الاستغاثة.
بالعودة قليلا إلى ذاكرة حوادث الطيران والتي تتعلق بمصر، نلاحظ أن الطائرة القادمة من الولايات المتحدة عام 1999، ومن طراز "بوينغ" في مياه المحيط الأطلنطي بعد إقلاعها من مطار لوس أنجلوس، وآنذاك روجت سلطات التحقيق الأمريكية إلى أن سبب سقوط الطائرة هو إقدام الطيار الثاني على الانتحار. واليوم في حادث الطائرة القادمة من باريس وهي من طراز" إيرباص" تروج شبكات الأخبار الغربية خاصة الأمريكية "سي إن إن" لأسباب سقوط الطائرة إلى انتحار الطيار، وهنا تبدو المحاولات غير الأخلاقية للشركات المصنعة للطيران التي لن تتوانى عن اتخاذ ما تراه مناسبا للتنصل من المسؤولية.
هنا تبرز جهود الشركة المصنعة بالترويج لأسباب غير منطقية أو الضغط لإطالة أمد التحقيقات والمراهنة على ذاكرة الرأي العام، التي باتت ضعيفة أمام التحقيقات التي لا تكشف عن حقيقة الكثير من الأحداث المثيرة للجدل، خاصة تلك التي تتعلق بمصالح الكبار في الدول الأفريقية أو المنطقة العربية.
الشركة المصنعة للطائرة المصرية هي فرنسية أوروبية، وبالتالي فهي معنية بالوقوف على أسباب الحادث الذي يمكن أن يؤثر على سمعة هذا الطراز من الطائرات في ضوء البيانات والإحصائيات التي تشير إلى المنافسة القوية بين إيرباص Airbus وبوينغ Boeing الأمريكية، كأحد أكبر شركات تصنيع الطائرات في العالم، وفي ضوء بيانات الاتحاد الدولي للطيران "AITA"، والتي تقول إن اليوم الواحد يشهد ما يقرب من 100 ألف رحلة طيران لنقل الركاب والبضائع إلى أماكن مختلفة من العالم، وسط توقعات بزيادة عدد الركاب لهذا العام، كما أن النقل الجوي يستحوذ على ثلث حجم التجارة الدولية، وأن 3.4 % من حجم الاقتصاد العالمي يعتمد على النقل الجوي، فضلا عن أن 58 % من مصادر الدخل مرتبط بالنقل الجوي.
إن انتشار العناصر الإرهابية في أوروبا ونجاحهم في تنفيذ عدد من العمليات في العاصمة الفرنسية، فضلا عن ارتباط هذه العناصر بالتفجيرات التي جرت في بعض العواصم الأوروبية، يجعل فرنسا أمام تحد كبير في مواجهة الإرهاب، خاصة وهي تمثل القاطرة السياسية للاتحاد الأوروبي، وعلاقاتها مع مصر تتنامى بشكل ملحوظ، وهي تحاول أن يكون لها دور في حلحلة مفاوضات السلام لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
السلطات الفرنسية تتحمل المسؤولية الكاملة عن تأمين رحلة الطائرة المنكوبة، والتأمين بمعناه الشامل التقني والأمني، وهذا ما يفسر الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي لمجلس الأمن القومي فور العلم بالحادث الذي وقع بعد أيام من تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، باتريك كافار، بأن بلاده "مستهدفة بوضوح من تنظيم "داعش" الذي يمكن أن يشن حملة إرهابية بزرع عبوات ناسفة في أماكن يتجمع فيها حشد مهم من الناس".
فرنسا في ورطة، وهي تستعد لاستضافة بطولة أمم أوروبا لكرة القدم "يورو 2016" ـ اللعبة الشعبية الأولى في العالم ـ والمقرر لها يونيو/حزيران المقبل، والتي ترتبط بمصالح كثير من الشركات الراعية، فضلا عن المشاهدة من قبل الملايين من عشاق الساحرة المستديرة حول العالم، الذين يراقبون عجز التحالف الدولي بقيادة واشنطن في مواجهة "داعش" وروافده و"القاعدة"، وحماية المجتمع الدولي من خطر التطرف والإرهاب.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)