غير أن قادة الغرب يتعمدون دائماً تقديم أدلة جديدة، وإن كانت فائضة عن الحاجة، بهدف إثارة الرعب في العالم، وإبقاء شعوب الغرب والبشرية جمعاء تحت تهديد سيف شبح نشوب حرب نووية، لا تخفي الحكومات الغربية بأنها لن تتردد في أن تكون البادئة فيها، وفي سبيل ذلك هي مستمرة في تحديث ترسانتها النووية وزيادتها، واختلاق أعداء وهميين لتبرير هذا النهج العدواني.
رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، تيريزا ماي، افتتحت عهدها في (10 دواننغ ستريت) بالتكشير عن أنيابها التي تخفيها وراء ابتسامة مخاتلة، بإعلانها في أول خطاب لها أمام مجلس العموم البريطاني أنها مستعدة شخصياً للترخيص بضربة نووية تقتل مئة ألف من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء، ودافعت ماي عن تجديد الترسانة النووية البريطانية، ورفضت رفضاً قاطعاً التخلص منها، وشدَّدت على أن من وصفتهم بـ"أعداء بريطانيا" يجب أن يعلموا بأنها مستعدة لاستخدام السلاح النووي إذا ما تعرضت لأي تهديد.
من الذي قد يهدِّد بريطانيا إلى الحد الذي يجعل رئيسة وزرائها تؤكد أنها لن تتورع عن استخدام السلاح النووي، حتى لو أدى ذلك إلى مقتل عشرات آلاف الأبرياء، وربما مئات الآلاف، ماي زعمت أن "التهديدات من دول مثل روسيا وكوريا الشمالية لا تزال واقعية للغاية"، دون أن تكلف نفسها عناء إثبات مصداقية ما تدعيه، لاسيما بالنسبة لروسيا، فروسيا كانت ومازالت تلتزم بضمان الاستقرار الدولي النووي الاستراتيجي، وهو ما أعاد التأكيد عليه المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي لفت أيضاً إلى أن "روسيا لطالما دعمت الحفاظ على علاقات الصداقة والتعاون في مجالي التجارة والاقتصاد وفى المجالات الحساسة.." مع بريطانيا، وأردف قائلاً في تعليق له على تصريحات ماي: "وهو أمر ضروري بالنسبة لنا جميعاً، في مكافحة الإرهاب أولا وقبل أي شيء،. كما أننا نؤيد دوما تحسين العلاقات بين البلدين، مع بريطانيا العظمى".
بالطبع رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة كان لابد لها من أن تغزل على منوال من سبقوها في (10 دواننغ ستريت)، باختلاق وجود أعداء وهميين، من أجل تمرير صفقة تجديد ترسانة الأسلة النووية البريطانية، بتكلفة ستصل إلى ما يقارب
إنه وهم التعامل من منطلق أن بريطانيا ما زالت تلك الدولة الاستعمارية الكبرى في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، والتعمية على ميزان القوى العالمي الجديد، الذي لم يعد يمكن فيه لدول حلف الناتو الإقدام بسهولة على استخدام الأسلحة النووية، على غرار الولايات المتحدة في قصفها لمدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين بقنبلتين ذريتين عام 1945، لمجرد إرهاب العالم.
وعليه؛ إن ما صرحت به تيريزا ماي يكشف عن روح عدوانية يخشى من أن تتسم به السياسات الخارجية البريطانية في عهدها، كما أنه يعطي دليلاً جديداً، فائض عن الحاجة، على أن ادعاءات الغرب بالامتثال لقيم الديمقراطية ومبادئها والدفاع عنها فريَّة ممجوجة، وإلا ماذا يعني عدم تورع ماي عن الترخيص بضربة نووية تقتل مئة ألف بريء.. إنها الديمقراطية على الطريقة الغربية الشوهاء.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)