وللاقتراب أكثر من الجهود المصرية المبذولة في هذه الملفات، فضلا عما يمكن وصفه بشروط القاهرة لتحسين العلاقات مع تركيا، الى جانب عودة السياحة الروسية واستئناف حركة الطيران بين البلدين، كان هذا الحوار الذي أجراه مراسل "سبوتنيك" مع المتحدث باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد.
سبوتنيك: لا تزال جولة وزير الخارجية سامح شكري الى رام الله وتل أبيب، تحظى باهتمام الكثير من الدوائر الرسمية والشعبية إقليما ودوليا، ما هي طبيعة التحرك المصري؟
أبو زيد: توقيت الزيارة جاء بعد الرؤية التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، حينما تحدث عن رؤية سيادته عن حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية وكيف أن السلام إذا تحقق سيكون له عائد على استقرار المنطقة بشكل عام وعلى السلام بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، واستندت الرؤية هنا على التجربة المصرية في السلام مع إسرائيل وكيف أثبت التاريخ والواقع أن السلام يمكن أن يتحقق وأن تكون له ثمار حقيقية على الأرض تستشعرها الشعوب ويمكن بناء الثقة على أساس هذا السلام بين الشعوب.
أعتقد أن الزيارتين حققتا الهدف المرجو في الوقت الحالي، حيث تم معرفة العناصر التي يستند إليها كل طرف وتقييم المبادرات الأخرى المطروحة على الساحة وفي مقدمتها المبادرة الفرنسية وكذلك الموقف الأمريكي الذي يعبر عنه وزير الخارجية من الحين إلى الآخر، والمقترحات التي يطرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وموقف الرباعية الدولية، وبالتالي فإن الهدف هو تقييم الموقف الحالي والوقوف على عناصر ومحددات أن تكون أساسا لاستئناف المفاوضات، وكذلك الفرص المتاحة ومحاولة البناء عليها والتأكيد على أن مصر تكون بجدية على استعداد لدعم الطرفين لأجل استئناف المفاوضات.
سبوتنيك: كيف كان رد فعل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على التحرك المصري؟
أبو زيد: أولا، مواقف الطرفين معروفة وواضحة ومعلن عنها، الموقف الفلسطيني واضح فيما يتعلق بأهمية تنفيذ الالتزامات السابقة بضرورة وقف الاستيطان وفيما يتعلق بمقررات الشرعية الدولية والالتزام بها كأساس للاتفاق، والموقف الإسرائيلي معلن وواضح بأنه مطلوب إجراءات لبناء الثقة ومطلوب مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وهذا يبدأ بلقاءات مباشرة متدرجة تستهدف بناء الثقة وطرح كل الموضوعات على طاولة التفاوض.
الجهد الدولي والإقليمي والجهد المصري يستهدف الوصول إلى أرضية مشتركة بين الجانبين تؤهل الطرفين للجلوس سويا. والموقف المصري بالطبع ثابت وهو الالتزام بتنفيذ مقررات الشرعية الدولية وضرورة وقف الاستيطان وأهمية العمل على بناء الثقة ووقف الحصار الاقتصادي والإنساني للشعب الفلسطيني ووضع حد له، ولكن الممثلين عن الطرفين، كيف نصل الى نقطة التقاء بينهم وليس الإعلان عن مواقف أو ثوابت أو شروط بقدر ما هو مطلوب تشجيع الطرفين على الجلوس سويا على أسس معينة متفق عليها.
سبوتنيك: كيف تقيم مصر الوضع في حلب وهل تعتقد أن الهدنة والممرات الإنسانية ستساعد في تخفيف معاناة سكان حلب؟
سبوتنيك: استضافت مصر عددا من اجتماعات المعارضة السورية، هل هناك خطوات جديدة لمصر في هذا الشأن ؟
أبو زيد: مصر على اتصال دائم بمجموعة القاهرة للمعارضة السورية وتشجعها دائما على الانخراط الإيجابي في المفاوضات السياسية وطرح أفكار ومقترحات وهي مجموعة في الواقع لديها بالفعل رؤية محددة تتعلق بمستقبل سوريا طرحتها في مباحثات جنيف، وتشجعها على التواصل مع مجموعات المعارضة الأخرى سواء في موسكو أو مجموعات أخرى. المطلوب من المعارضة هو توحيد موقفها ورؤيتها وأن تكون لديها طروحات جادة وموضوعية تسهم في خروج سوريا من الأزمة الحالية.
سبوتنيك: بالعودة إلى ملف القضية الفلسطينية، هناك جهد مصري وآخر روسي في ظل علاقات متوازنة للقاهرة وموسكو مع طرفي الصراع، هل يمكن أن يكون هناك جهد مشترك لتمهيد الأرضية المشتركة لاستئناف المفاوضات، بعيدا عن الانحياز الواضح للولايات المتحدة الأمريكية؟
أبو زيد: هذه القضية تحتاج لجهود كثيرة إقليمية ودولية، وإلى رؤية واضحة للمجتمع الدولي لكيفية المساعدة في حلها، وبالتالي لا شك في أن الاتصالات المصرية الروسية والتواصل المصري الروسي للوصول إلى تلك الأرضية المشتركة هو شيء إيجابي ومطلوب ويسهم في الحل. لا يجب إغفال المبادرات الأخرى الموجودة والتي من بينها المبادرة الفرنسية. الولايات المتحدة لم تكشف عن رؤية متكاملة وواضحة، ولكن توجد أفكار مطروحة.
سبوتنيك: وزير الخارجية أنهى مؤخرا زيارة إلى لبنان، هل هناك استعداد مصري للتواصل مع إيران من أجل التوصل إلى حل الأزمة اللبنانية وملء الفراغ السياسي؟
أبو زيد: الالتزام المصري تجاه استقرار لبنان هو التزام مصري تجاه دولة عربية شقيقة واستقرار وسلامة المنطقة العربية وصيانة الأمن القومي العربي وبالتبع الأمن القومي المصري.
العلاقات الثنائية المصرية اللبنانية علاقات تاريخية وقوية وبالتالي فإن تفسير زيارة الوزير سامح شكري يكون من خلال هذا المنطلق، مصر تتفهم الطبيعة الخاصة للمجتمع اللبناني والحياة السياسية اللبنانية وانطلاقا من هذا الفهم العميق للوضع الداخلي اللبناني، ترى أن الحل يجب أن يكون ذا شقين؛ الأول هو الداخل اللبناني وكيفية مساعدة الأطراف والتيارات السياسية المختلفة للتوصل إلى نقطة اتفاق وحلول توافقية للخروج من أزمة فراغ المنصب الرئاسي.
النقطة الثانية هي أن ننقل حالة القلق المصرية العميقة تجاه استمرار الوضع اللبناني الحالي على ما هو عليه، فعلى الرغم مما قد يبدو أنه استقرار أمني وسياسي واجتماعي حاليا؛ إلا أنه مؤقت ويبدو طافيا على السطح، بينما هناك الكثير من التفاعلات تحت هذا الهدوء والتي يمكن ان تنفجر في أي لحظة إذا ما تبدلت التوازنات أو تغيرت بشكل لا يؤدي إلى استمرار الوضع الحالي، فكانت الرسالة هنا أن مصر تشعر بالقلق وأن الوضع الإقليمي وضع مشتعل ولا يتحمل أزمة أكثر عمقا في لبنان لاسيما في ظل التركيبة الخاصة التي تقتضي التعامل بأكبر قدر من التوازن والفهم للطبيعة الخاصة للمجتمع اللبناني.
وأكدنا أنه إذا استمرت الأزمة وعجزت الأطراف اللبنانية عن التوصل إلى حلول فإن المجتمع اللبناني بأكمله معرض لمخاطر كبيرة تتجاوز الخلاف السياسي، وقد تنزلق إلى مخاطر تهديدات اجتماعية واقتصادية أخرى وهذا ليس في مصلحة الشعب اللبناني ولا مصر ولا الإقليم ولا المجتمع الدولي.
النقطة الثالثة ان مصر تستطيع من خلال اتصالاتها مع الأطراف الإقليمية المؤثرة أن تتشاور معها فيما يتعلق بالشأن اللبناني وتنقل رؤيتها وانطباعاتها وتقييمها لكيفية الخروج من الأزمة الحالية.
سبوتنيك: في ضوء مظاهر تغير السياسة الخارجية التركية، وتحسين العلاقات مع روسيا، هل من المتوقع تحسين العلاقات المصرية التركية في المرحلة القادمة؟
فيما يتعلق بالعلاقات التركية المصرية، نحن أشرنا الى أكثر من مرة إلى أن، أولا ليس لدينا مشكلة تتعلق بالعلاقات مع الشعب التركي والعلاقات المصرية التركية علاقات تاريخية وهناك تقدير متبادل لمصر تجاه الشعب التركي.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع الحكومة التركية، فهناك محددات لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، أولى تلك المحددات هي احترام الإرادة الشعبية المصرية والتي تمخضت في ثورة 30 يونيو. ثانيا، الالتزام بمبادئ العلاقات الدولية المتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام علاقات حُسن الجوار بين الدول. إذا رصدنا أي تطور أو تحول إيجابي في الموقف التركي في هذين الموضوعين فستكون مصر على استعداد دائم لتحسين العلاقات.
سبوتنيك: تصريحات المسؤولين الأتراك تشير إلى تنحية الخلافات السياسية، والعمل على تطوير علاقات التعاون الاقتصادي، فهل مصر مستعدة لقبول وجهة النظر التركية في تحسين العلاقات مع مصر؟
سبوتنيك: كيف تنظر مصر الى بعض الضغوط الداخلية التي تمارسها بعض القوى السياسية أو رجال المال والأعمال على الحكومة التركية لتحسين العلاقات مع مصر؟
أبو زيد: مصر ترحب بأي جهد حقيقي وجاد من جانب تركيا يستهدف تحسين العلاقات، لأن بقاء الوضع الحالي ليس وضعا دائماً، هذا وضع استثنائي. عودة الأمور إلى وضعها الطبيعي بما يتسق مع خصوصية العلاقات التاريخية هو شيء طبيعي، وبالتالي إذا كانت هناك قوى داخل المجتمع التركي تسعى للدفع نحو تحسين العلاقات مع مصر فهذا شيء إيجابي.
تحسين العلاقات له محددات ومقومات وله أسس، وإن التعاون بالأسلوب البراغماتي ليس بالضرورة يكون مفيداً، لأن هناك مبادئ والسياسة الخارجية والعلاقات الخارجية لا تقتصر على المصلحة أو البراغماتية، لكنها تقوم على قدر من المبادئ وأهم مبدأ هنا هو عدم التدخل في الشأن المصري واحترام القضاء المصري، واحترام الإرادة الشعبية المصرية.
سبوتنيك: تعددت زيارات الوفود الروسية الى مصر للوقوف على الإجراءات الأمنية في المطارات، في رأيكم، هل حان الوقت لعودة الرحلات الجوية والسياحة الروسية؟
نحن نرى أن السلطات المصرية قامت بالفعل بإجراءات جادة وحقيقية للارتفاع بمستوى الأمن في المطارات المختلفة، ونأمل أن تكون تلك الإجراءات التي تمت كافية كي يتخذ الجانب الروسي القرار الإيجابي في هذا الشأن سمعنا أن هناك احتمالات لعودة السياحة قريبا، ونأمل في ذلك لأنه وكما أشرت من قبل فإن التأثير الاقتصادي كبير جدا على مصر.
سبوتنيك: هل تأثرت العلاقات المصرية الروسية في مجملها بقرار حظر الطيران؟
أبو زيد: اعتقد السيد الرئيس تحدث بوضوح مؤكدا أنه لم يكن هناك أي تأثير لحادث الطأئرة على مجمل العلاقات بين البلدين. العلاقات المصرية الروسية هي علاقات راسخة ومتجذرة ولها مجالات كثيرة سياسية واقتصادية وعسكرية ومتشعبة وتعكس بالفعل أولا إرادة سياسية لدى الطرفين في أن تكون تلك العلاقة على مستوى خاص وعلاقة ذات طبيعة خاصة وتعكس مصلحة مشتركة في تحسين هذه العلاقة وتطويرها وإدراكا مشتركا للأهمية الاستراتيجية الإقليمية والدولية لكل طرف، وبالتالي لا أعتقد أن تداعيات حادث الطائرة كانت لها تأثير كبير على العلاقات بين البلدين، ولكن يوجد للحادث تأثير اقتصادي على مصر، وتأثير معنوي على المواطن المصري الذي ينظر إلى العلاقة مع روسيا على أنها ذات طبيعة خاصة وقادرة على تجاوز الأزمات بشكل أكثر سرعة وحفاظا عى مصالح كل طرف.
سبوتنيك: هناك جهد مصري يتعلق بالوضع في ليبيا والتوفيق بين عناصر المعادلة السياسية الليبية، إلى أين وصل هذا الجهد، وكيف يمكن لمصر مواجهة الاٍرهاب في ليبيا التي تمتد حدودها مع مصر إلى 1200 كم؟
أبو زيد: السلطات المصرية وقوات حرس الحدود تؤمن الحدود مع ليبيا وبما يضمن عدم وحود أي خروقات أمنية تؤثر على الأمن القومي المصري، فهناك اهتمام ويقظة عالية جدا من جانب القوات المسلحة المصرية في هذا المكان.
المطلوب هو تنفيذ البنود المختلفة لهذا الاتفاق، والدعم الدستوري لحكومة الوفاق الوطني من خلال اعتماد مجلس النواب لها. لا تزال هناك عائق يتمثل في عدم قدرة مجلس النواب على الانعقاد بكامل عضويته لاتخاذ هذه الخطوة الهامة حتى تضطلع حكومة الوفاق بدورها المتكامل سواء دورها التنموي والخدمي تجاه المواطين الليبيين أو دورها الأمني المرتبط بمكافحة الاٍرهاب واتخاذ إجراءات جادة على الأرض لمكافحة الاٍرهاب وانتشار السلاح. المطلوب هنا التوافق والدور المصري هو رعاية الحوار الليبي بشكل إيجابي، باعتبار أن مصلحة مصر في استقرار ليبيا والقضاء على الاٍرهاب، وبالتالي فهي تفرد مساحة للأطراف الليبية وتضع جهودها الدبلوماسية لمساعدة الأشقاء الليبيين للتوصل إلى الحلول المرجوة والتوافقات المطلوبة.
سبوتنيك: كيف تقرأ مصر وجود قوات أجنبية في ليبيا؟
أبو زيد: أكدنا أكثر من مرة على ضرورة احترام سيادة ليبيا، ووحدة الأراضي الليبية، وفي الوقت ذاته نتفهم إذا كانت حكومة الوفاق الوطني أو المجلس الرئاسي الليبي باعتباره يترأس هذه الحكومة إذا كانت لديه مطالب محددة من دول معينة لتدعم جهود مكافحة الإرهاب والدور الذي يقوم به الجيش الوطني الليبي وتوفير غطاء جوي لبعض العمليات، فهذا شيء نتفهمه وندعمه باعتباره خيارا ليبيا بالأساس وليس خيارا مفروضا على الشعب الليبي.
أجرى الحوار — أشرف كمال