أوباما اضطر لاستخدام سلم الطوارئ في مؤخرة طائرته الرئاسية، لأن السلطات الصينية لم تقدم له سلماً خاصاً في مطار خوانجو، ولم يفرش له السجاد الأحمر أسوة بالزعماء الآخرين الذين شاركوا في القمة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لم يسمح أمن المطار لمستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي سوزان رايس بالمرور، ومنع الصحفيين المرافقين لأوباما من تجاوز منطقة حددت لهم، وصراخ ضابط أمني في وجوههم على مسمع من الرئيس أوباما: "هذه بلادي.. هذا مطاري".
الرئيس الفلبيني رودريغو ديوترتي خرج عن طوره في التعبير عن استيائه من اللغة المتعالية التي استخدمها أوباما قبل الاجتماع الذي كان من المفترض أن يجمعهما، على هامش القمة، أوباما أعلن أنه سيثير مع الرئيس الفلبيني "مسألة القتل دون محاكمة في القضايا المتعلقة بالمخدرات، الذي تشهده الفلبين"، فردَّ عليه ديوترتي بالقول: "إذا فعل (ابن العاهرة) ذلك فإنني سأشتمه.."، وأضاف موجهاً كلامه للرئيس أوباما: "سألعنك في المنتدى…سنتمرغ معاً في الوحل كخنزيرين إذا فعلت ذلك بي"، فكان أن ألغى أوباما اجتماعه مع نظيره الفلبيني.
لم يكن الرئيس أوباما يأمل أن تكون خاتمة مشاركاته في "مجموعة العشرين" على هذا النحو، وربما يتحمل هو شخصياً جزءاً من تراجع هيبته كرئيس لدولة كبرى، لعدم إدراكه أوباما أن العالم قد سئم من أسلوبه في محاولة أعطاء دروس أخلاقية تفتقر لها السياسات الأمريكية، فضلاً عن استخدامه في كثير من الأحيان للغة متعالية في تعليقاته الإعلامية، حول نشاطات سياسية تتعلق بعلاقات مع رؤساء دول، أو محاولة توظيف حركات مسرحية معينة لها إيحاءات مستفزة، المثال على ذلك محاولته التربيت على كتف نظيره الكوبي راؤول كاسترو، ما اضطر كاسترو إلى منعه وتعريضه لموقف لا يحسد عليه.
بيّْد أن السبب الجوهري في تراجع هيبة أوباما يكمن في توجهاته السياسية والاشتقاقات التي بنيت عليها، إذ أطلق العنان في خطاباته لوعود تعهد فيها برسم سياسات أمريكية جديدة ومختلفة، لكن حصاد ثماني سنوات من وجوده في البيت الأبيض جاء مخيباً لمن بنوا آمالاً على أقواله، وليس من قبيل المبالغة أن إدارته فقدت مصداقيتها واحترامها أمام العالم، لإصرارها على المضي في نهج الإدارات الأمريكية السابقة، في السباحة ضد تيار الخارطة الجيوسياسية الدولية، التي لم تعد فيها الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك عصا غليظة تهدد بها العالم.
المسألة إذاً ليست بروتوكولية بحت، ولا تتعلق كلياً بالرئيس أوباما شخصياً، بل هي تعبير عن أن الصين ضاقت ذرعاً بالسياسات الأمريكية، وأن بكين ربما أرادت أن تلقن الرئيس الأمريكي درساً لم يتعلمه خلال ثماني سنوات من توليه سدة الرئاسة، مفاده العالم يريد أفعالاً لا أقوالاً، وأن الولايات المتحدة يجب عليها أن تتعامل بندية مع الدول الأخرى، حتى لا تتلقى المزيد من الإهانات، مرموزاً لها بإهانة رئيسها، وعلى هذه المسطرة يمكن قياس الإهانات الأخرى التي تلقاها أوباما.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)