أم أن تركيا بالفعل فهمت اللعبة الجديدة وشمعت الخيط كما يقال في المثل العربي، هرباً من الغوص في الكمين السوري الذي لم يتم وضع المصيدة فيه حتى اللحظة؟
وهذا يعود الجواب فيه إلى القيادة السورية وحلفائها والذين يعلمون تماماً دقة الظرف وكيفية اللعب على حافة الهاوية. هذا من جانب ومن جانب آخر قوة الموقف الإيراني الذي يستمر بالدعم الكبير للجبهات السورية ميدانياً وسياسياً وحتى حيوياً يرفده عناصر حزب الله والحرس القومي العربي، والدفاع الوطني السوري وغيرهم من قوى المقاومة في العراق وفلسطين.
وفي ظل تيهان التركي وعجزه عن عد سنوات الضياع، وعدم قدرته على إيجاد فتوى شرعية للحب المنوع للتنظيمات الإرهابية، وتخبطه في وادي الذئاب على صدى عواء بنات آوى، تهاوى حلفاء واشنطن في الخليج مع ظهور موقف مصري جديد كان منتظراً منذ زمن بعيد، لكن تأخر بفعل ظروف وعوامل وضغوط تفهمهما القيادتان السورية والمصرية بدقة متناهية، موقف عبرت فيه جمهورية مصر العربية بكل قوة وجرأة أنها غير آبهة بالضغوط الإقليمية والدولية التي سعت لتحجيمها والتقليل من دورها، رغم كل الترهيب الذي جرى وكان آخره مجزرة شهداء الجيش المصري في عملية إرهابية لتنظيم "داعش" الإرهابي في الأيام الماضية، وأثبتت بالخطوة الأولى أنها قادرة على مواجهة الضغوط المعاكسة لهذا التوجه، نعم بدأت بالفعل مرحلة الانكسارات الحقيقية في قض مضاجع أصحاب مشروع ما يسمى الربيع العربي وفوضته اللاخلاقة الممزوجة بالدماء والدمار.
وهذا ما أدى إلى حدوث تغيرات ومتقلبات إقليمية بدأت بالموقف العراقي تجاه رغبة تدخل تركيا والبدء بعملية تحرير الموصل، وصولا إلى الموقف المصري الحازم الذي ظهرت معالمه بعد تصريح المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد لـ "سبوتنيك"، حيث قال إن بعض الأطراف المشاركة في اجتماع لوزان حول سوريا تخشى أن تفقد تأثير الجماعات المسلحة التي تدعمها على الأرض، وهذه رسالة واضحة للطرفين التركي والسعودي اللذين لم يسعفهما لقاؤهما الأخير والفارغ من مضمونه أصلاً، تبعه تغير ملحوظ لتطور الموقف المصري من الحرب على سوريا وتفعيله على أرض الواقع من خلال لقاء اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي في الجمهورية العربية السورية في القاهرة بنائب رئيس جهاز الأمن القومي المصري واتفاق على تنسيق المواقف السياسية ومكافحة الإرهاب بين سوريا ومصر، ما يساعد في اختصار مسافات كبيرة ويضع مصر وسوريا على محك المسؤولية في الحفاظ على الأمن القومي العربي ككل والتي سينضم إليهما تباعاً العدد من دول المنطقة بعد كشف المستور من هدف الحريق العربي وبدأت بالعراق، ما يعني أن رغبة الرئيس فلاديمير بوتين بتشكيل حلف إقليمي لمحاربة الإرهاب وبفعل الظروف والتطورات الحالية بدأت تتبلور وتتجه نحو التطبيق العملي بشكل إنسيابي متسارع، دون أي اكتراث برفض إقليمي أو دولي من الأطراف الراعية للإرهاب.
وكانت الرسالة الأقوى هو التهديد باللكمة بالضربة القاضية على حلبة الصراع العالمي في سوريا وعلى سوريا والمنطقة ككل، يوم أمس، كانت رسائل الرئيس بوتين ومن معه من حلفاء في قمة بريسكس في الهند أقوى ما يمكن أن ينتظره الحلف الأمريكي، في وقت باتت دول بريكس تشكل القوة العالمية العظمى في عالم جديد متعدد الأقطاب جعل الولايات المتحدة تفعل كل ما تقدر عليه لتتأكد من أنه كابوس أم حقيقة، نعم دول بريكس بمساحتها الجغرافية، وبقدرتها الاقتصادية، وشريحتها الديمغرافية الكبرى كانت الرسالة الأقوى والتنبيه الأخير لتعجرف قوى الاستكبار العالمي.
وظهر الرئيس بوتين وكأنه يجلس على سدة حكم العالم، لكن بقوة المنتصر وبأخلاق السيد الذي يريد التشارك مع الجميع رغم كل الذي جرى في تقاسم السلطة والسيادة وخيرات العالم وتحقيق الأمن والاستقرار، ولم يخف عنه أو يسهو عن توجيه رسالة من جملة واحدة شرح فيها أنه ذاهب إلى آخر المطاف ما دام على حق وبهذه القوة والدعم. فقد قال نحن لا نريد التصادم والحرب ،ولكن إن كان شركاؤنا في الغرب يريدونها فهذا خيارهم، وقال خلافنا مع الولايات المتحدة لم يبدأ من سوريا، بل بدأ من يوغسلافيا وهنا جمع كل ما في جعبة التاريخ لما قامت به أمريكا من تدمير للاتحاد السوفياتي السابق والعالم ومعاملتها المتغطرسة والمتكبرة، حتى وصل إلى حافة قول "باي باي أوباما، باي باي أمريكا"، ولكن الفطنة والحنكة والأخلاق التي تمتعت بها روسيا في التعامل مع مثل هذه القضايا تفرض عليها بأن يستمر الرئيس بوتين رجل المخابرات المحكنك والمعروف بخلقه وإنسانيته وتواضعه القوي المحب للخير والسلام.
الأشهر القريبة القادمة حتى شباط 2017 وانطلاقا من سباق السحب، قد يولد بالفعل عالم جديد متعدد الأقطاب سيحجم أمريكا ومن معها إلى حد الاختناق، مع إعطاء فرصة العيش بحالة شلل رباعي مستدام لا تنفع معه المعالجة الفيزيائية ولا حتى بالإبر الصينية.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)