القاهرة — سبوتنيك
وتشكل هذا التنظيم المتشدد من اندماج جناحين عسكريين تابعين لتنظيم "القاعدة"، هما "دولة العراق الإسلامية" الذي ظهر في 2006 في أعقاب الاحتلال الأمريكي للبلاد، وتنظيم آخر نشط على الأرض السورية سمي "جبهة النصرة"، غير أن رفض "النصرة" لهذا الاندماج أجبر زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري على إلغاء الفكرة، فما كان من البغدادي الذي قاد جناح "دولة العراق الإسلامية"، إلا أن أعلن عن ميلاد تنظيم إرهابي أكثر تشدداً من "القاعدة" نفسها، أطلق عليه اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وعرف اختصارا باسم "داعش".
داعش في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى:
يرى الخبير الأمني والاستراتيجي التونسي علي زرميني، أن تنظيم "داعش" يركز على ليبيا الدولة ذات المساحة الجغرافية الكبيرة، والمتصلة بحدودها مع دول المغرب العربي من جهة الغرب، ومصر والسودان من الشرق، ومالي وتشاد والنيجر من جهة الجنوب، وشواطئ واسعة على البحر المتوسط.
وما يميز ليبيا، علاوة على كبر مساحتها الجغرافية، وجود آبار النفط والغاز المهمة، وكذلك السيطرة الضعيفة للحكومة الشرعية على أراضي البلاد، حيث تنشط جماعات كثيرة بأهداف مختلفة منها القبلي والديني وغيرهما، ما يصعب من عملية السيطرة عليها، وفي المقابل يسهل مهمة "داعش" بالتمركز والانتشار.
ويقول زرميني، في حديث لـ"سبوتنيك"، "ليبيا هي الحاضنة الأساسية لفكر "داعش"، الذي يسعى للتوسع نحو الصحراء الأفريقية، ليتشابك مع جماعات تكفيرية متنازعة فيما بينها، ومتواجدة هناك منذ أمد طويل…وهو يسعى للتمدد عبر الأراضي الليبية إلى تونس والجزائر والمغرب، وربما إلى الأندلس (إسبانيا والبرتغال) وإيطاليا".
يتركز انتشار التنظيم في ليبيا في غرب وجنوب البلاد، وينقسم إلى مجموعات تسعى للسيطرة أولاً على مواقع الهلال النفطي، أما في تونس فله اتباع في مناطق قرب سيدي بوزيد، ومجموعات صغيرة في وسط البلاد، تقوم القوى الأمنية بمهاجمتها بشكل منهجي وتنجح في تفكيك بعض الخلايا النشطة والنائمة في هذه المناطق.
وفي الجزائر، ينحسر تواجد التنظيم في بعض المناطق النائية بولاية "تبسة" في شرق البلاد؛ وفي منطقة القبائل في الشرق والوسط الجزائري، إلا أن هذه المجموعات عبارة عن فلول فقط ولا سيطرة حقيقية لها على الأرض.
وفي المغرب، تتواجد مجموعات تابعة للتنظيم في مناطق الريف الشمالي وأطراف مدينة طنجة بشمال غرب البلاد.
غير أن العنصر المغاربي في "داعش" يتواجد بقوة في غرب أوروبا، وتحديداً في إسبانيا وبلجيكيا وفرنسا، وذلك عبر المهاجرين المقيمين منذ زمن في هذه البلاد.
ولا يمكن التغاضي عن تواجد التنظيم في مالي وتشاد والنيجر ونيجيريا، المنطلق الأساس للتنظيم في غرب أفريقيا، من خلال ما يعرف بجماعة "بوكو حرام" وبعض الجماعات المحسوبة على القيادي في "القاعدة" مختار بلمختار.
وعلى الرغم من التنسيق بين دول المغرب العربي وغرب أفريقيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية، إلا أن "داعش" يستغل الضعف الأمني في ليبيا للتمدد والتوسع، بل ونقل السلاح والأموال إلى عناصره في مصر وقطاع غزة، عبر فرع التنظيم في مصر الذي يسمى "ولاية سيناء".
ويري الخبير المصري في الجماعات الإسلامية والتنظيمات الإرهابية، أحمد بان، في اتصال مع "سبوتنيك"، أن لا وجود حقيقي لتنظيم "داعش" في مناطق الوادي والدلتا بمصر، ولكن توجد بعض الخلايا النائمة في مناطق عديدة هناك تنفذ عمليات بين الحين والآخر، إلا أن التواجد الحقيقي للتنظيم ينحصر في مناطق ضيقة بشمال شبه جزيرة سيناء، عبر ما يعرف بجناح التنظيم "ولاية شمال سيناء".
وقال "هناك ارتباط وثيق بين الإرهابين في شمال سيناء والجماعات السلفية في قطاع غزة، حيث تغض حركة حماس الطرف عن وجودها وتسلحها، ويتنقل هؤلاء عبر أنفاق التهريب الحدودية لتلقي السلاح والمال والتدريب، في طرفي الحدود".
ولا يرى بأن، نهاية سريعة لـ "داعش" في سيناء، بالنظر إلى تواجد التنظيم في قرى نائية، وبسبب الدعم من مثيلاته في غزة، لكنه يرفض فكرة الاتصال بين "ولاية سيناء" و"داعش ليبيا"، وذلك للمجهود الأمني الكبير الذي تقوم به القوى الأمنية المصرية لإحباط أي عمليات من هذا القبيل انطلاقاً من الحدود الليبية.
سوريا ولبنان:
يقول الخبير الأمني السوري المتخصص بالجماعات الجهادية، عبد الله سليمان علي، إن تنظيم "داعش" يسيطر على معظم مدينة دير الزور وريفها ، باستثناء المطار العسكري وبعض المناطق؛ كما يسيطر على الرقة بالكامل وجنوباً حتى تدمر والبادية السورية، ويتواجد بقوة في ريف حماة ومنطقة الباب قرب الحدود التركية.
ويرى علي، في اتصال مع "سبوتنيك"، أنه من الصعوبة بمكان على الجيش السوري محاربة التنظيم في قلب البادية، نظراً لعدم وجود مراكز عسكرية واضحة، وإنما بعض المفارز هنا وهناك، ينطلق التنظيم من خلالها إلى مهاجمة المدن والقرى السورية.
ويشير إلى تواجد عناصر سورية ولبنانية وفلسطينية في عرسال، تشتبك أحياناً مع قوات الأمن اللبنانية، وكذلك فيما بينها.
ومن جهته، يرى الخبير الأمني العراقي عبد الكريم خلف، في حديث لـ"سبوتنيك"، أن تواجد داعش في العراق أصبح محدوداً في مناطق جنوب شرق الرمادي والموصل وبعض المدن قرب الموصل وكركوك، مثل تل عفروالبعاج وجبل سنجار.
وأوضح خلف، أن "التنظيم الإرهابي متواجد في الساحل الشرقي للموصل، ومحاصر في تل عفر والبعاج وسنجار من قبل قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي، ويتلقى الضربات الجوية من التحالف الدولي في غرب الموصل، معتبراً أنه في ظل هذه الحالة، يلجأ التنظيم إلى تنفيذ العمليات الإرهابية في المدن والتجمعات السكنية العراقية، وبدأت مجموعات من عناصره بمغادرة العراق نحو الرقة ودير الزور.
الجزيرة العربية:
يشير الخبير الأمني السوري عبد الله سليمان علي، إلى أن تواجد داعش في جنوب الحزيرة العربية (السعودية واليمن) ينحصر في منطقة عدن، حيث يبرز التنظيم وينفذ عمليات ضد الجيش والشرطة من وقت لآخر؛ وذلك بعد فقدان سيطرته على مناطق في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت.
أفغانستان والعناصر الآسيوية في التنظيم:
وبالنسبة لأفغانستان، أوضح علي، أن التنظيم يتواجد بشكل رئيسي في ولاية ننجهار الأفغانية، على الرغم من محاربة حركة طالبان له؛ وهناك فصيل باكستاني أعلن مؤخراً عن مبايعة التنظيم.
وتابع علي، "هناك أعداد ضخمة من العناصر من آسيا الوسطى وجنوب روسيا يلتحقون بصفوف داعش، حتى أنه في حلب هناك ما يعرف بكتيبة الأوزبيك وكتيبة الطاجيك، التي تشمل العناصر الشيشانية والشركسية؛ وعين التنظيم أحد قادة الكتيبة في مكان المقتول أبو عمر الشيشاني".
وبين الخبير السوري، أن هناك حي كامل للعناصر الآسيوية في مدينة الرقة يعرف بحي الأوزبيك، كما توجد عناصر صينية كثيرة تابعة للحزب الإسلامي التركستاني بايعت تنظيمي داعش والنصرة.
وأكد أن الصين تبذل جهوداً كبيرة في ملاحقة ومتابعة هذه العناصر لتحيدها أو القضاء عليها، وحتى الحصول على معلومات حول تواجدها في سوريا بالتحديد.