وأشار شحادة إلى أن "معظم الدول الأوروبية تقريبا ترفض هذا الانضمام وتطرح بديلا له أن تكون هناك علاقات تجارية مميزة فقط، ولكن هذه العلاقات توترت لاحقا عندما سمحت تركيا لأعداد هائلة من النازحين والمهاجرين من سوريا والعراق وغيرها بالسفر بطريقة غير شرعية إلى أوروبا الأمر الذي أثار أزمة اجتماعية إلى حد ما في عدد من الدول وتم الاتفاق مع تركيا على تقديم مساعدات لها لضبط مرافئها غير الشرعية".
وتابع رئيس المركز العربي الأوروبي "لم تلتزم أوروبا بما وعدت به من مبالغ والتي تقدر بثلاثة مليارات دولار الأمر الذي تسبب في إثارة نوع من الحساسية بين الطرفين، إضافة إلى أن هناك مآخذ كثيرة على تركيا من قبل أوروبا بأنها لا تحترم حقوق الإنسان وأن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا استغلها أردوغان للزج بمعارضيه في السجون، بجانب الدور الذي يرى الأوروبيون أن تركيا تلعبه لدعم غير مباشر لـ"داعش" أو لجهات أخرى، إلى أن جاء الحدث الأخير المتمثل في رغبة المسؤولين الأتراك عقد اجتماعات مع الجالية التركية في هولندا".
وذكر شحادة أن "ما تقوم به تركيا هو لأسباب انتخابية وردة الفعل الهولندي هو أيضا لأسباب انتخابية، بمعنى أن أردوغان يحاول أن يعوض الخسارة المحتملة في الداخل التركي بالاعتماد على الجالية التركية الكبيرة الموجودة في أوروبا والمؤيدة له، وهولندا أيضا مقبلة على الانتخابات النيابية وواضح أن اليمين المتشدد في حالة تصاعد كما حدث في فرنسا وبريطانيا وهو ما يعني أن هناك توجه أوروبي بشكل عام لتسليم دفة الوضع السياسي إلى اليمين المتشدد".
ولفت شحادة إلى أن "هولندا منعت المسؤولين الأتراك من الدخول إلى أراضيها حتى لا يتخذ اليمين المتشدد هناك من هذه اللقاءات ذريعة لتعزيز موقعة خاصة وأنه متقدم في الإحصاءات، والأتراك يخوضون حرب وهمية حسب رأيه ضد هولندا لأن الدول الأوروبية لن تترك هولندا وحدها والتهديدات التي يطلقها أردوغان لن يقبلها الأوروبيون لأنه يتجاوز سيادة الدول، وهذه الدول أدرى بأمنها ومن هنا رفع الصوت ليس سوى أكثر من أسباب انتخابية داخلية لها علاقة بتعديل الدستور التركي".
وأشار شحادة إلى أن "الأوروبيين الآن في موقف لا يحسدون عليه بعد صعود التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" والنصرة وقبلهما القاعدة وهو ما دفع كل الدول إلى الدفاع عن أمنها بغض النظر عن أي اتفاقيات دولية، خاصة وأن الصراع المباشر الآن بين الوسطيين والاشتراكيين من جهة مقابل اليمين المتطرف في فرنسا ومثله في هولندا إضافة إلى معارك مماثلة في بريطانيا وإيطاليا لأن أكثر هذه الدول على أبواب انتخابات، فهناك مشكلة سياسية داخل كل دولة وكل ما يهم هذه الدول الآن هو أمنها في ظل التخوفات من وصول اليمين المتشدد إلى الحكم في عدد من دول أوروبا".
وعن اتهامات أردوغان للدول الأوروبية بأن إجراءاتها هذه غير ديمقراطية، قال شحادة إن "هذه المسألة معظم الأوروبيون حريصون عليها، ولكن في هذه الحالة ينظر حكام هذه الدول إلى الأمن الداخلي وعدم استخدام اليمين المتشدد لهذه الاجتماعات كذريعة ".
وعبر شحادة عن توقعاته بأن "الأمور ستهدأ لأن الطرفين لن يمكنهما الاستغناء عن المصالح المشتركة بينهما وتركيا تحتاج أوروبا أكثر لأنه لا يملك سوى ورقة واحدة للضغط على أوروبا وهي ملف المهاجرين غير الشرعيين وهو ما تتخوف منه أوروبا وسنرى في المستقبل القريب دولا أخرى ستتدخل لحل هذه الأزمة التي هي في النهاية أزمة لكسب الانتخابات".
وعلى الجانب الآخر ومن أنقرة قال الدكتور سمير صالحة أستاذ العلوم السياسية بالجامعات التركية، إن التحول الدستوري والسياسي الإصلاحي يبدو أنه أزعج الاتحاد الأوروبي، كما انزعج من قبل من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو تموز الماضي، ويبدو أن هناك أوراق تريد أن تلعبها بعض العواصم الأوروبية ضد تركيا سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على مستوى بعض التنظيمات الإرهابية الموجودة في هذه العواصم ، كما أن هذه الدول الأوروبية ترى في الصعود التركي على المستوى الإقليمي تعارضا مع حساباتها بالإضافة إلى أن الالتفاف التركي في الداخل على المستوى السياسي والاجتماعي وهذا التغيير المهم في الكثير من أوجه الحياة التركية ربما يكون مزعجا لها من هنا بدأت هذه العواصم تشعر بالقلق وتحاول ايقاف التقدم التركي.
وأكد صالحة أن التوتر ليس بين تركيا ودولة واحدة أو اثنتين بل بين تركيا وبين معظم الدول الأوروبية، فهناك تحول استراتيجي أساسي في العلاقات التركية الأوروبية والغربية عموما إن جاز التعبير من خلال دعم بعض العواصم الأوروبية كهولندا لبعض التيارات اليمينية المتطرفة.