ولا يستطيع أي متابع بشكل سطحي استكشاف آفاق المستقبل، وهذا الإستكشاف لا يعني معرفة يقينية بما هو قادم، لكن يعني ربط للأحداث الجارية بالماضية لتوقع القادم الذي قد يحدث أو لا يحدث.
في العام 2014 ظهر "داعش"، وتوسع في فترة وجيزة وبشكل لا يستند إلى أي من المعادلات العسكرية، ولكن هذا حدث بالفعل وتوسع وظل العالم يشاهد ويضخم في الأمر، وفي الكثير من الأوقات كانت دول كبرى تمده بالسلاح بقصد وعن طريق الخطأ، وبعد أن أصبح للتنظيم كيان وقوة على الأرض، تجمعت الدول لقتاله، ودارت المعارك وسفكت الكثير من الدماء وتمت مطاردة "داعش" من محافظة إلى أخرى، وانتهى الأمر به في مدينة الموصل بمحافظة نينوى، وهى مدينة ذات تركيبة سكانية وجغرافية خاصة، تمركز فيها التنظيم وبدأ يتصرف بشكل يوحي بأنه دولة طبيعية على الأرض.
وفي نهايات العام الماضي قرر التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن، الحرب على التنظيم من الجو وبالتنسيق مع القوات العراقية المشتركة على الأرض، ومع بدء العمليات توالت التصريحات من المسئولين العراقيين بأن المعارك لن تستمر طويلاً، وهذا شىء غير مستغرب عندما تتجمع جيوش دولة وطيران دول للقضاء على تنظيم في مدينة داخل محافظة أو إقليم.
وفي الساعات والأيام والأسابيع الأولى من المعارك حقق الجيش العراقي انتصارات وتحرر الجانب الأيسر من المدينة بعد أن قام طيران التحالف بقطع كل الطرق وتدمير الجسور الخمسة التي تربط بين شرق وغرب الموصل، قد يكون الأمر مبرر وقد لا يكون كذلك في ظل تلك الأسلحة الفتاكة والإستراتيجية، وبعدها توقفت المعارك، وتواردت الأنباء بأن هناك خطط تعد وتكتيكات تجهز وعمليات استخباراتية تجري، وأن المعركة القادمة لن تستغرق سوى أيام وفقاً لمسئولين عسكريين على الأرض، وهم أعلم بطبيعة المعارك وبالفعل حانت لحظة الحسم وبدأت العمليات في الجانب الأيمن وخلال ساعاتها الأولى حققت مكاسب كبيرة وحررت مناطق استراتيجية.
قائد عمليات مكافحة الإرهاب، الفريق عبدالوهاب الساعدي، أكد "إن عمليات التوقف في العمليات ضد المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، كانت لسوء الأحوال الجوية، موضحا أنه لا يوجد توقف لعمل القوات، إذ إنه بعد تحرير أي منطقة تقوم القوات بعمليات التفتيش على العجلات المفخخة وتطهيرالمناطق من أي مفخخات أو قنابل تركها عناصر التنظيم الإرهابي والقبض على أي عناصر مختبئة في المنازل"
ووفقاً للمتحدث العسكري باسم القوات المشتركة في العراق، العميد يحيى رسول، فقد حققت القوات المشتركة العراقية مكاسب على الأرض تجاوزت الـ 60% من مساحة المدينة، وهذا يعني أن الجزء الذي لم يحرر أقل من ربع المدينة، وهذا الجزء به داعش وعساكره وكذا ما يقارب نصف مليون من المدنيين، ومن المفترض أن هذا الجزء من الحي محاصر من البر والبحر والجو، منذ أكثر من ثلاثة أشهر بمختلف الآليات والأسلحة الثقيلة والخفيفة، وهذا الحصار الخانق لو فرض على دولة مترامية الأطراف لتفكك بنيانها الإجتماعي بعد الشهر الأول.. والسؤال الذي نود التعرف على إجابته، من يدعم "داعش" وهل هناك مصلحة لقوى كبري في وجوده، ويجب أن لا ينتهي التنظيم قبل ترتيب المنطقة بالشكل المطلوب؟
قد لا يستطيع مسئول رسمي التحدث بشكل مباشر دون مواربه في قضية الموصل، لأن الكثير من صانعي القرار ودارسي العلاقات الدولية، يرون بشكل واضح مايجري على الأرض، ويعلمون أن حسم قضية داعش لن تنتهي قبل أن ترتب القوى التي أوجدته على الأرض أوراق المنطقة، وعندما تنتهي من ذلك سيتم القضاء على داعش في ساعات، ونقل بذوره إلى بنك التنظيمات الإرهابية المصنوعة ليتم إخراجها وزراعتها في الأرض والتوقيت المناسب وبالمسمى الجديد، والجميع يعلم من زرع ودعم ونشر وسلح القاعدة.
معركة الموصل مازال أمامها الكثير من الوقت، وفقاً لرؤية التحالف منذ الساعات الأولي للمعارك، فقد قال قائد قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، الفريق ستيفن تاونسند"إن عملية تطهير مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية من التنظيم "قد تستغرق عامين"، دون أن يحدد سقفا زمنيا معينا" ، وكان هذا التصريح بعد أيام قلائل من بداية المعارك.
ولذا يجب أن ننظر إلى الأوضاع بعيداً عن العنتريات، ونعترف أمام أنفسنا أن دانات المدافع وطلقات البنادق والقوانين والمواثيق وإرادات الشعوب والحكومات الضعيفة، ليس كل ما سبق هو من يحدد متى تتوقف الصراعات والحروب، هناك ايادي تملك تحريك الأوضاع وإن كان بشكل غير معلن.
ونعود لنكرر لن يحرر الجزء الباقي من الموصل قبل إكتمال الخطة والموعد الذي حدده المتحدث باسم القوات الأمريكية.
"المقالة تعبر عن رأي كاتبها"