الحداد
بين أزقة الطرق والحارات بمنطقة "بولاق الدكرور"، وقف شاب مرتديًا نظارته السوداء وفي يده مطرقة ثقيلة، ممسكاً بيده الأخرى قطعة حديد، يدخل بين الحين والآخر يشعل النار، ليطوع الحديدة معه، فالحر عنده طول العام، إلا أنه يجد لذة لم يعهدها أثناء صيامه، بحسب قول طارق سلامة، ويعمل حدادًا، الذي تجاوز الثلاثين من عمره.
20 عاماً قضاها سلامة أمام النار، فلم يسترح يوماً لشدة حر أو برودة، قضى رمضان باختلاف مناخه، فالبحث عن لقمة العيش أمر لابد منه، ويقول سلامة بلكنته المصرية:
مينفعش يعدي يوم ونقعد، في البيت، صمت رمضان في الصيف وفي الشتا، فمش معقول علشان شوية حر أفطر وأسيب أكل عيشي، رمضان عندنا زي بقيت الشهور، في دول الخليج درجة الحرارة بتبقي أصعب من كده، قعدت 4 سنين في الخليج وكنت بصوم.
السمكري
تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية بضرورة تجنب الشمس لعدم الإصابة بالإجهاد وخاصة كبار السن، وجواز الإفطار بالنسبة لأصحاب المهن الشاقة، إلا أن السمكري العجوز محمود العرجاني وقف أمام ورشته يتفحص سيارة بلمبة النار غير آبه بحرارة الشمس، التي أصابت صبيه بالإجهاد وطرحته أرضا داخل الورشة، متهكمًا:
شهر واحد اللي بيجي في السنة فمش معقول أفطر، وربنا بيدي القوة على أد التعب، طول عمرنا عايشين في النار ولا يهمنا
تجاوز عقده السادس، مالك ورشة "العرجاني" لسمكرة السيارات، ويقول عن نفسه:
بقالي 50 سنة شغال سمكري، مفيش حر في الدنيا زي اللي طالع من لمبة الأكسجين وسخونة الصاج بتاع العربيات، واحد زيي في السن ده كان ارتاح من النار اللي كلت وشه، بفتح في رمضان بدري ألحق اليوم قبل ما الشمس تطلع وتحمى، بقفل على الساعة 2 الضهر، وأرجع تاني أكمل شغل بعد الفطار، لأن الوقت بتاع العصر ده بمشي العمال تفطر في بيوتهم، وانا أريح شوية حكم السن برده، زمان مكنش يفرق معايا.
خبّاز
عليك البقاء في مناطق الظل، خلال الأوقات الحارة في رمضان، والحد من النشاط البدني، كانت تلك إحدى الإرشادات التي أطلقها المواطنون للوقاية من الحر، إلا أن رجب محمد الصعيدي، ويعمل خبازًا، وقف على بعد خطوات من النار، أخذ يتصبب عرقاً داخل مخبزه، بمنقطة "مدينة عامر" بالجيزة، قائلاً:
حر إيه ما طول السنة عايشين فيه، ورمضان بالنسبة لينا موسم، درجة الحرارة في الشارع 50 تكون عندنا في الفرن 100، من يوم ما وعيت على الدنيا وأنا شغال في الفرن، الناس لازم تنزل شغلها لأن أكل العيش مر، ولو منزلناش مين هيصرف علينا، وعندنا بيوت لازم تفضل مفتوحة، ورمضان يا ما عدى علينا كتير وبيحتاج مصاريف، الشغل بيزيد علينا في رمضان.
طهاة
زيوت ارتفعت درجة حرارتها، وعرق متصبب على الجبين، يتخلل الجفون أحيانا ويتساقط في "الطاسة" أحياناً أخرى، فيترك مصفاته أو يبحث عن من يجفف له عرقه، وقف ياسر ابراهيم، البالغ من العمر 29 عاماً، أمام طاسة الزيت في مطعمه، ظهرت على وجهه علامات الشقاء، يقول:
بقالي 10 سنين واقف قدام الطاسة وياما عدت علينا أيام أصعب من كده، كفاية علينا السخونية بتاع الزيت، في رمضان يكون لينا وقت معين نفتح فيه، من بعد العصر للسحور، لكن الصبح طبيعي إن مفيش شغل فـ بنقفل.
حفلات وولائم وموائد إفطار، إلا أنه أصر على الصيام ، حيث تمتد ساعات صومه لأكثر من 20 ساعة، يكسر صيامه برشفة ماء، بحسب قول الشيف أحمد سعيد، الذي تجاوز عقده الخامس:
الشغل في رمضان ليه متعة خاصة، برغم تعبه، بحس إن ربنا عطيني طاقة وصبر على أد تعبي وأنا صايم، صومنا رمضان في عز الحر.
يستطيع الشيف ضبط نكهات الطعام دون تذوقه:
بقدر أضبط الأكل من غير ما دوقه، عن طريق ريحته، الواحد بيكون قدامه الأكل، وعمرى ما نفسي راحت عليه، أكلنا يبدأ بعد صلاة العشا والتراويح يكون الزباين كلها فطرت.
عامل نظافة
يستيقظ فجرًا في سكون خارجا صوب عمله ، حاملاً خلف ظهره "مشنة" مليئة بالقمامة، جمال ابراهيم الذي تجاوز عامه الـ 50 عاماً:
شغلي بيبدأ من الفجر كل واحد بيروح على المنطقة اللي ماسكها، يلم الزبالة من العمارات والبيوت، وفي ناس بتحمل الشغل على العربيات، وبيكون اليوم في رمضان محكوم وضيق.
برغم مرضه يجد متعة في صيامه:
أنا مريض سكر وضغط وبصوم بحس وقتها بمتعة ما تتوصفش، ولو تعبت شوية برتاح وأقوم علشان أكمل، رمضان ده شهر الخير، الناس بتوزع أكل وعصاير، ويدعولنا ودي أكتر حاجه بتشغلنا من غير تعب.